أوباما فشل في الشرق الأوسط
قد تكون مفارقة أن تكون تركة الرئيس الأميركي باراك أوباما السياسية في الشرق الأوسط، مرهونة بأيدي الرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وعلى ما يبدو فإن اللاعب الأساسي الثالث في الساحة، وهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يزيد الوضع تعقيداً، في ظل تردي العلاقات بينه وبين أوباما. هذا الأمر فظيع بكل المقاييس، لأن إنقاذ سورية وإيجاد حل للبرنامج النووي الإيراني والتوصل إلى تسوية ترضي الإسرائيليين والفلسطنيين، كل هذا بعيد عن منال الرئيس الأميركي، حتى وان سعى لدعم الشركاء الذين يثق بهم، للعمل على حلحلة الأمور. كما أن المفارقة أيضا تكمن في أنه ليس مطلوب من أوباما أن يشرف على حل الأزمات فحسب، بل يتعين عليه تغيير منطقة الشرق الأوسط إلى الأفضل. وهو يعلم المخاطر التي تتهدد منصب رئيس أقوى بل
ولكن هل كل ذلك خطأ أوباما؟ لا، فالصحيح قد أخفق نتنياهو وأوباما على نحو حرج في إحراز تقدم على أكثر الموضوعات الأساسية والحساسة في عملية السلام، فلم تتوصل المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى أي شيء، نظراً للتوسع المستمر في المستوطنات الإسرائيلية والاتهامات المتبادلة بالعناد وسوء النية.
لعل من سوء حظ أوباما توليه رئاسة الولايات المتحدة في ظرف تاريخي يشهد فيه الشرق الأوسط تغيرات لا تحدث إلا مرة واحدة في القرن. وفي المقابل، وعلى قدر المصاعب تسجل الإنجازات للرؤساء (مثل أبراهام لينكولن، الذي سعى إلى توحيد البلاد على الرغم من النزعة الانفصالية الجامحة). وعلى الرغم من الموقف الواضح إزاء ثورات الربيع العربي، إلا أن إدارة أوباما بقيت مكتوفة الأيدي حيال تجاوزات خطيرة في بعض بلدان المنطقة .
وفي ما يخص عملية السلام، كان ينبغي على الرئيس الأميركي التخلي عن فكرة حث نتنياهو لتجميد عملية الاستيطان، الزيارة الأخيرة للمنطقة هي محاولة لتجاوز سوء التفاهمات السابقة، خصوصاً صورة أوباما كمعادٍ لإسرائيل وكرئيس لا يحمل أي ارتباط عاطفي لهذا البلد. ومن المحتمل أن يكون أوباما قد مارس من جديد ضغطاً على نتنياهو لتجميد سياسة الاستيطان.
لا يستطيع أوباما بمفرده الدفع بعملية السلام إلى الأمام، فلكل جانب مشكلاته الداخلية الخاصة به، والتي تنبغي مواجهتها. ويصعب تصور في ظل هذه الظروف أن يقوم الرئيس بالكثير في المستقبل، لأنه ينبغي أن يعمل الإسرائيليون والفلسطينيون أنفسهم على دفع عملية السلام، الأمر الصعب في الوقت الحالي، خصوصاً في ظل وزير خارجية أميركي جديد ومنسق جديد لمنطقة الشرق الأوسط. ومع كل هذه العقبات فإن العملية لن تموت، لكن لكي يتحرك أوباما ينبغي أن تأتي المبادرة من جانبي طرفي الصراع، لدرجة أن الضغط أصبح كبيرا للحفاظ على الوضع الراهن.
أما في إيران فيبدو الإخفاق سمة تلاحق سياسة البيت الأبيض، فالعقوبات لا تؤثر والدبلوماسية لم تثنِ طهران عن مواصلة تخصيب اليورانيوم، إذاً فالرئيس مضطر، فيما يبدو، إلى اللجوء إلى الخيار العسكري، لكن يجب القول إن ما يحدث في المنطقة ليس خطأ أوباما، فالولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحكم في مجريات الأحداث حتى لو أرادت ذلك، وما حدث في العالم العربي من ثورات، شأن محلي، وهذا الذي أعطاها الشرعية والصدقية.
إن التقاء المحافظين الجدد والليبراليين ـ المساندين للتدخل في الشرق الأوسط ـ ساهم بقدر كبير في رسم فكرة لدى الرأي العام بأن أوباما تنقصه الرؤية والقيادة، وليس لديه استراتيجية ناجحة لاستخدام الحوافز والضغوط التي بحوزته لفرض تغيير في الشرق الأوسط.
لو اتجه الربيع العربي في الاتجاه الصحيح، لاعتبر أوباما صاحب استراتيجية عبقرية في الإدارة الذكية للأمور من بعيد وبأقل التكاليف. للأسف، سارت الأمور في الاتجاه الآخر، نحو العنف وعدم الاستقرار، وتلاشي الآمال، ونتيجة لذلك، رأى الناس، بالتأكيد أولئك في الشرق الأوسط، حيث من السهل إلقاء اللوم على شخص آخر، أن الرئيس الذي أصبح غير متصل بالأحداث في المنطقة، بشكل غريب، وفي أحسن الأحوال يراه البعض غير مهتم بما يجري ولديه أشياء يقوم بها. وفي أسوأ الأحوال، كان يبدو أنه ببساطة لم يعد يهتم.
لقد أيدت الرئيس على عدم المجازفة في سورية، وذلك لأن ما تريده الولايات المتحدة في نهاية الحرب هو دولة علمانية ليبرالية موالية للغرب في سورية، وهو أمر صعب التحقيق من الخارج، ولا يستحق المخاطرة بمزيد من استعراض العضلات من الجانب الأميركي، والاعتقاد بأن تسليح أميركا لهذا الفصيل من المعارضة، أو ذاك، في مسرح يعج بالجماعات المسلحة، أمر مثير للضحك.
ومع ذلك، قد يثبت التاريخ أنه أقل تعاطفاً بكثير، وسورية ليست رواندا أوباما، ولكن تزايد عدد القتلى وسكوت المجموعة الدولية يثير التساؤلات حول ما يجب فعله، علما بأن فريق الرئيس الأمني نصحه بعمل المزيد، لكنه ضرب نصائحه عرض الحائط. وعمل «المزيد» قد تعني التدخل العسكري لحل الأزمة.
في الواقع، هناك انتقادات كثيرة للرئيس بسبب موقفه السلبي من الأزمة، سواء من الناحية الأخلاقية أو الإنسانية أو الاستراتيجية، وهناك ظروف كثيرة يمكن أن تدفع واشنطن إلى الصراع في سورية، أهمها استخدام السلاح الكيميائي على نطاق واسع.
أما في ما يخص إيران، فإن ضربة عسكرية للنظام قد تجعل أوباما قوياً، إلا أن عواقب الضربة قد تكون وخيمة، منها تدهور الأسواق المالية العالمية، وارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، فضلا عن زيادة التوتر في المنطقة. أما إذا توصلت الإدارة الأميركية إلى صفقة مذهلة تجعل طهران تتخلى عن طموحاتها النووية، وتبدأ في العمل مع الغرب لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن الرئيس سيبدو عبقرياً في نظر الأميركيين وغيرهم.
الحقيقة هي أن إيران ـ تليها كوريا الشمالية ـ ربما كانتا أصعب لغز في النظام الدولي اليوم، لا توجد نهايات سعيدة أو حلول شاملة، وبالنسبة لهذا الرئيس، الذي تعهد علناً عدم السماح لإيران بتطوير سلاح نووي، فإن المفارقات كثيرة، فلنفكر في هذا: ذهب سلفه في الحرب ضد العراق، وهي حرب عارضها أوباما بشدة، لأن أسلحة الدمار الشامل كانت وهمية، وخوضها كان لتعزيز وتشجيع إيران لتصبح قوة إقليمية وتلعب دورا مهماً.
أرون ديفيد ميلر محلل سياسي ومستشار سابق للإدارة الأميركية