مسلحون فروا من مالي يسعون لتجنيد شبابا في نواكشوط

موريتانيا.. هدف مقبل لـ «القاعدة» في إفريقيا

عناصر الجماعات المسلحة أعادت تنظيم صفوفها بعد تراجعها في مالي. أ.ب

بعد تحقيق القوات الفرنسية والمالية انتصارات حاسمة شمال مالي، اعتقد الكثيرون أن شوكة الجماعات الإسلامية انكسرت وأن الحملة العسكرية حققت أهدافها. إلا ان هروب المجموعات المسلحة من القرى والبلدات التي كانت توجد فيها كان تراجعاً تكتيكياً وها هي الآن تعيد تنظيم صفوفها. ويبدو أن الصراع في الساحل سيطال بلدانا أخرى على رأسها موريتانيا. ويقول شهود عيان إن مسلحين يقومون منذ فترة بتجنيد متطوعين في موريتانيا للقتال في صفوف تنظيم «القاعدة» في المغرب الإسلامي.

يقول شيخ ابوي، وهو عامل يومي في نواكشوط، إن اشخاصاً في العاصمة الموريتانية يقومون بتجنيد الشبان المتحمسين ويعدون بدفع أموال كبيرة لهم، ويقول ان هؤلاء قدموا من مالي. ويوضح أحد الشباب الذي كان جانب ابوي، «لن أفعلها (الالتحاق بالمسلحين) حتى ولو أعطوني مليون دولار». ويعمل الشابان في نقل الرمل من الشاطئ إلى ورش البناء، وهو عمل شاق وغير مجد من الناحية المادية. ويعمل ابوي أحيانا لمصلحة شركة ألمانية تدفع له ستة دولارات ونصف الدولار يومياً. ويقول العامل اليومي ان الحياة قاسية جداً، وبالكاد يمكن الحصول على عمل في العاصمة وضواحيها.

تعتبر موريتانيا، المستعمرة الفرنسية السابقة، الهدف الاستراتيجي القادم لمخططي الجماعات المسلحة التي تنشط في الساحل. وما يجعل البلد الصحراوي مهماً بالنسبة لتنظيم «القاعدة» أو حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، هو النسبة الكبيرة للشباب إذ تزيد على ‬60٪ من مجموع السكان البالغ عددهم ‬3.5 ملايين نسمة، في بلد فقير جدا رغم موارده الكبيرة من المعادن مثل الحديد الخام والذهب واليورانيوم، بالإضافة إلى النفط والثروة السمكية. والأهم من ذلك، ان المسلحين يريدون ملاذاً آمناً بعد طردهم من شمال مالي، وذلك من أجل إعادة تنظيم صفوفهم وتجنيد المزيد من المسلحين.

الظروف الاقتصادية في العاصمة الموريتانية مزرية والطرق فيها رديئة . ويقتات بعض الشباب من عمل يومي، مثل دهن المنازل وشحن البضائع والبناء، ويمكن أن يدر عليهم القليل من المال. ولا يمكن لزائر نواكشوط أن يلاحظ في معظم أحيائها أي علامات للازدهار أو التقدم، ويمكن مشاهدة المياه تطفو في الشوارع حتى في فصل الصيف. وفي حي سوكوجيم، يبدو السكان انهم اعتادوا فيضانات المياه التي تغمر منازلهم البدائية وتجعل حياتهم شبه مستحيلة.

ويشعر أهالي الحي بأن حكومتهم تخلت عنهم «الوضع سيئ ونحن خائفون»، تقول مريم التي لاتزال تعيش هناك مع أطفالها الثلاثة. وتقول مريم، ‬44 عاماً، ان منزلها القديم تغمره المياه منذ أربع سنوات «لا نستطيع أن نغادر المكان لقد وضعت كل ما أملك في هذا المنزل وليس لدي أي شيء آخر أو مكان أذهب إليه». ويستفيد المتطرفون من هذه الظروف لاستمالة الشباب إلى صفوفهم، إذ يعدون الشباب اليائسين من أوضاعهم بالحصول على أموال يمكن الاستفادة منها في مشروعات خاصة.

عمل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، الذي جاء إلى الحكم بعد انقلاب عسكري، على احتواء الجماعات الراديكالية في بلاده ونجح إلى حد كبير في كبح جماح التطرف. يذكر أن النساء الموريتانيات حققن مكاسب كبيرة في عهده، إذ يتولى عدد منهن حقائب وزارية ومناصب قيادية، مثل فاطمة بنت عبدالمالك التي عينت عمدة في نواكشوط. وإلى جانب تعبئة النساء، قالت انها أنجزت الكثير في دائرتها، من جمع القمامة وغرس الأشجار إلى تطوير الطاقة الشمسية. وتمكنت هي وغيرها من النساء في «منظمة المرأة الوطنية» قبل سبع سنوات من تمرير القانون الذي ينص على أن نسبة ‬20٪ من المرشحين في القوائم الانتخابية تجب أن تكون للنساء. وتبدي بنت عبدالمالك قلقها من تنامي دور الجماعات السلفية في موريتانيا «إن نشاطهم يخيفنا».

ومن مشكلات موريتانيا الحساسة، مسألة «العبودية» التي ألغيت رسمياً في ‬2007 ولاتزال تمارس إلى الآن. وتعمل الناشطة الحقوقية أمنة بنت مختار منذ سنوات في مجال محاربة العبودية، وأنشأت مع زميلاتها منظمة ربات البيوت في ‬1999 وحتى تحصل على الترخيص تفادت ذكر كلمة «عبودية» في ملف الحصول على الترخيص. وانضم إلى المنظمة أكثر من ‬11 ألف ناشط وناشطة، ومن أولوياتها مكافحة العبودية والتمييز العنصري والفساد والعنف ضد المرأة.

وتقول بنت مختار المعروفة دولياً بعد تكريمها من قبل وزارة الخارجية الأميركية، انها قد تصبح هدفاً للإسلاميين الأصوليين «في برنامج تلفزيوني، وصفوني بالملحدة والعميلة لإسرائيل وفرنسا، وهددوا بقتلي».

ويبدو الرئيس الموريتاني قد أدرك جوهر القضية منذ صيف ‬2012، وقال ان موريتانيا بلد متعدد الأعراق. وهذا ما نص عليه دستورها. كما انه معترف به رسمياً من معاناة العبيد السابقين، ربما لأنه يحاول منع التطرف واستفادت «القاعدة» من الوضع ومحاولة تجنيد المضطهدين أو الأشخاص الذي يعانون الظلم بشتى أشكاله.

وعلى الرغم من أن التدخل الفرنسي في مالي لا يحمل مقومات الإنزال العسكري الكبير، مقارنة بتدخلات غربية سابقة في أفغانستان أو العراق، غير أنه يمكن أن يرتب آثارا أمنية وسياسية كبرى في اتجاه إعادة ترتيب التوازن بين مختلف القوى والمجموعات الإسلامية المسلحة والدول في المنطقة. ولعل أبرز ما سيحمله التدخل العسكري الفرنسي هو أثره المتوقع على منطقة الساحل الإفريقي التي شكلت لسنوات بؤرة توتر أمني ومركز استقطاب لمختلف التيارات الإسلامية العنيفة من تنظيم «القاعدة» وما يحوم حوله من جماعات مسلحة مختلفة ومتنوعة. ويرى مراقبون للشأن الإفريقي والمغاربي، أن التدخل الفرنسي في مالي ستكون له تداعيات أمنية وجيوسياسية عميقة على المنطقة، كان من أبرزها اختراق الجماعات الإسلامية الحدود وتنفيذ عمليات عسكرية في العمق الجزائري. في الوقت الذي بات فيه تهديد هذه الجماعات لدول المنطقة أكثر خطورة بعدما رصدت مجموعة من الخلايا في المغرب كانت تجند شباباً للقتال بشمال مالي. وتضم هذه الخلايا عناصر من قدامى المقاتلين في أفغانستان ومعتقلين سابقين في قضايا تتعلق بالإرهاب، والعائدين من العراق.

تويتر