لم تكن مستعدة لتقبل فكرة الفشل مطلقاً
تاتشر بنت سياساتها على الثقة والإخلاص في العــمل
في عام 1978 زرت الشركة الوحيدة التي تصنع قطع غيار الطائرات في دائرتي الانتخابية، وطلبت من العاملين بكل سذاجة اطلاعي على ما لديهم من خطة عمل، فرموني بنظرة إشفاق على حالي وقالوا: ليس لدينا أي خطة عمل وإنما نقوم بكل ما في استطاعتنا بكل اخلاص وتفانٍ، «تلك هي كانت بريطانيا التي تولت مارغريت تاتشر قيادتها في عام 1979»، حيث تعلمت «ماغي» من الفشل كيف تضع خطط العمل الخاصة بكل ما تريد القيام به، وكان الأساس القانوني والتشريعي لتلك الخطط يأتي شيئا فشيئا حسب الحاجة والضرورة، وحينما نفذ عمال مناجم الفحم اضرابهم كانت مستعدة للتعامل معهم، ولم تكن مستعدة لتقبل فكرة الفشل أمام زعيم العمال آرثر سكارجل، وفي هذا المعنى كانت حرب جزر الفوكلاند مع الأرجنتين لحظات مصيرية حاسمة في حياتها رئيسة للوزراء، وتحدياً كبيراً، فقد استبعدت بمزاجها الحساس وأفكارها المحسوبة أي حديث عن مساومة أو حل وسط، وقبلت المخاطرة وكسبت الحرب.
لم أكن من شلة المقربين من تاتشر ولم أحقق أو أسعى لأن اكون واحداً منهم، وكانت تعرف أن سلفها إدوارد هيث كان عصبياً وسيئ المزاج، لكنه كان اكبر من الاشتراك في مؤامرة او محاولة للانقلاب عليها في قيادة حزب المحافظين، وقد راق لها ذلك لأنه كان يعني أن الباب مفتوح أمامها لاجتذاب انصاره والفوز بولائهم، وكان لها ذلك، وردت هي بمكافأتهم على هذا الولاء. وقد سعى بعضنا في حزب المحافظين وغيره من الأحزاب الى بلورة تشكيلة من الافكار والسبل استناداً الى عناصر الثقة والحقيقة في الفلسفة التاتشرية. فعلى سبيل المثال احتفلت وزارة الداخلية التي كنت على رأسها في عام 1988 بعيد ميلاد رجل الدولة المحافظ رئيس الوزراء البريطاني بين الموافق 1834 و1835 أو بين 1841- 1846 روبرت بيل، وألقيت خطابين، امتدحت فيهما فكرة «المواطن النشط والفعال»، ولقي الخطابان صدى طيباً عند «ماغي» التي سارعت الى تهنئتي من غير ان تشعرني بأن فيهما شيئاً من فكرها. فقد كانت تعرف انني مترجم عملي وشرعي للفلسفة المحافظة، ولكن ليست نسختها وليس على طريقتها لأنها كانت تفتخر بأنها تكرس أفكارها وأساليبها للمصلحة الوطنية العامة ومصلحة البلاد.
واستمتعت «ماغي» بالفكرة السائدة شعبياً عنها انها موجودة في كل مكان، وأنها كانت تعرف كل شيء وأنها كانت تتدخل في كل صغيرة وكبيرة حتى تتأكد من أن وزراءها قاموا بواجباتهم وأعمالهم على أفضل وجه. وعلى سبيل المثال لم أكن بصفتي وزيراً للداخلية أشكو أي تدخلات في شؤون العمل في وزارتي، لأن تاتشر كانت تعتقد بقوة أن مجرد كونك وزيراً للداخلية هو أمر صعب في حد ذاته، وبالتالي فهي لا تريد إفساد عمل هذا الوزير أو زيادته تعقيداً بتدخلاتها. وكانت مثل رئيس الوزراء السابق (بنيامين) دزرائيلي تعتقد ان الفخر الوطني والسمعة الوطنية هما رأسمال البلاد وأصولها التي ينبغي على كل منا العمل على زيادتها وتعزيزها، ولم تشعر «ماغي» في يوم من الايام بأنها تعبت او أصيبت بالارهاق من العمل في هذا الاتجاه حتى في الحالات التي يتم تضليلها فيها في بعض الأوقات. وكانت ترى أن من الفشل والعبث محاولة عرقلة جهود إعادة توحيد ألمانيا في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، في وقت يلاحظ الجميع الإصرار على ذلك من جانب الحكومات الألمانية المتعاقبة والولايات المتحدة، وكان الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران والزعيم السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف يلعبان معاً لعبة المصافحة المتنوعة بالأيادي المختلفة من دون أي اعتبار لنا. وبالنسبة لحرب فوكلاند فقد كانت المسألة مختلفة حيث صممت على التمسك بموقفها وتمكنت من إحداث تأثير في حلفائنا الذين كانوا يبحثون في الخفاء عن بعض الحوافز لاقناعها بالتراجع او تعديل موقفها لكن شيئاً من ذلك لم يحدث. وأتذكر زيارة الرئيس ميتران للندن عقب انتصارنا في الحرب، حيث أشاع قصر الاليزيه ان ميتران سيضغط من أجل معاملة انسانية متسامحة للارجنتين المهزومة ولكنه لم يفعل، وقال مخاطباً تاتشر: «لقد أظهرتم لنا وللعالم ما عرفه الفرنسيون عنكم منذ قرون، وهو انه يجب على كل واحد أن يتجنب اللعب مع الإنجليز»، وقد شعرت تاتشر بالارتياح المختلط بالفخر لسماعها ذلك. وحول قضايا السوق الأوروبية المشتركة فإن أساليبها في التفاوض والمساومة أدت الى عودة جزئية تدريجية بخطى ثابتة بعد ان حققت مكاسب اساسية وجوهرية بسبب رفضها التنازل في كثير من الأمور، ما أثار غضب شركائها واستياءهم وجعلهم لا يشعرون بوخز الضمير حينما نصبوا كميناً لها في آخر قمة أوروبية حضرتها تحت رئاسة إيطاليا في 1990.
دوغلاس هيرد - وزير للداخلية وللخارجية في حكومات متعاقبة لتاتشر
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news