فيسك: الأسد لن يرحل قريباً والأمر بيد الجـــيش وحده
السوريون الذين جلسوا للاستماع إلى خطاب (الرئيس السوري) بشار الأسد في (عيد الجلاء)، اليوم الوطني، قبل أيام، أصيبوا بخيبة أمل شديدة، لأنه لم يبذل ـ بالضبط ـ الدم والعرق والدموع، وإنما مزيدا من الحرب، والتأكيد بأنه سيفوز، والإفراج عن ما يصل الى 7000 سجين احتفالا باستقلال سورية عن الاستعمار الفرنسي قبل 67 عاما، والذي يعكس ان الكثير من السجناء لايزالون محتجزين في سجون في البلاد. إلا أن الأسد يريد أن يطمئن شعبه أن ما يجري هو حرب حقيقية، كأنهم لا يعلمون ذلك، وأنها لم تكن حربا طائفية، وأن وسائل الإعلام الأجنبية تتحدث عن كذبة: عندما صورته بأنه «رئيس يتمسك بكرسيه على الرغم من ان شعبه يريده ان يرحل، الا ان تلك ليست هي الحقيقة». فرنسا لاتزال تعتبر سورية مستعمرة تابعة لها، وتريد الدول الغربية من العرب ان يخضعوا لها. «لقد رأينا تدخلهم الإنساني في العراق، وليبيا، والآن نراه في سورية».
إلا أن الأسد له رأي معين، هو أن لندن وباريس وواشنطن تحب المنفيين.
في العراق، حاولنا اقحام الثري المنفي، أحمد الجلبي. ونحن جميعا نعرف كيف ثبت في ما بعد انه يمكن الاعتماد عليه، تظاهرنا بأن مقاتلي الحرية في ليبيا كانوا محاربين وطنيين، والآن يسيطرون على اقطاعياتهم الاسلامية الصغيرة في بنغازي وطرابلس (بعد أن تخلصوا مع سفير الولايات المتحدة)، وذلك بفضل الضربات الجوية لحلف شمال الاطلسي (ناتو) ضد (الزعيم الليبي الراحل معمر) القذافي. وإذا لم تكن الجزائر حليفة موالية لسورية، لكان الأسد قد أشار إلى أن الفرنسيين سلموا مستعمرتهم للمنفيين الجزائريين الذين لم يشاركوا إلى حد كبير في حرب الاستقلال، والذين كونوا دولة استبدادية شريرة ذبحت شعبها خلال الكفاح الاسلامي في تسعينات القرن الماضي، والتي ظلت نظاما فاسدا مفسدا إلى يومنا هذا.
والآن لدينا المعارضة السورية، «التي دخلت في جدال مستفيض وقتال صبياني لا نهاية له»، بحق الله، ماذا تظنون (رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض) الزعيم أحمد معاذ الخطيب فاعلا؟ هل استقال أم لا؟ وايضا تحالف المعارضة مع رجال «القاعدة»، الذين شكلوا مركز الجهادية في مالي. انكم تذكرون مالي؟ كانت تشكل مركز الإرهاب العالمي في يناير الماضي. والآن يفترض أن يكون مركز الإرهاب العالمي في شمال سورية. يقاتلون الى «جانبنا» ضد الأسد الكريه. ونحن الغربيون الشجعان قلقون، ولنفترض أن الأسلحة الكيماوية التي في حوزة بشار ستسقط «في الأيدي الخطأ» - كونها الآن - في «اليد الصحيحة»، التي تمثل بشار الأسد! هذا يجعلنا نتساءل من الذي يكتب خطابات الأسد؟
لكننا مازلنا لا نفهم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، سواء تلك التي نحبها، وتلك التي نكرهها « سورية وإيران وربما العراق في المستقبل، (إذا كان لا يطيع أوامرنا)، ويحتمل أن تكون مصر (إلا إذا سيطر الجيش على مقاليد الامور وأعاد البلاد إلى ما يشبه عهد مبارك)». لن أنسى اقتراح ذلك الحالم، دانيال بايبس، الذي يدعي أن ما يحتاجه العراق في أعقاب سقوط (الرئيس العراقي الراحل) صدام (حسين) هو «رجل قوي ديمقراطي التفكير». أليس هذا ما يدعيه الأسد؟
وفي هذا الحين يبدو أننا راضون لرؤية الدول العربية تتحالف ضد النظام السوري، تدفع اكثر واكثر بأسلحة في ميدان الحرب - حيث يناقض هذا الواقع ما يقوله الأسد، المزيد والمزيد من الطائفية - على الرغم من أن «جبهة النصرة» الإسلامية هي الآن الاكثر قوة من بين الثوار. ومع ذلك فإننا نشعر بالغضب عندما ندعي ان إيران و«حزب الله» اللبناني ربما متورطان في القتال - في حالة «حزب الله»، لا يوجد ربما - في هذه الحرب. إذ ان ما يصل الى 40 من مقاتلي «حزب الله» لقوا حتفهم في الصراع السوري، معظمهم من القرى الشيعية على الجانب السوري من الحدود.
في منطقة القصير قتل الاسبوع الماضي خمسة على الاقل من مقاتلي «حزب الله». من بينهم أسد علي أسد، ولدينا هنا اسم يثبت ذلك في حالة انكر احدهم هذه الحادثة، حيث تم دفنه في جنوب لبنان في مطلع الاسبوع.
لكن تورط «حزب الله» في الصراع مهم لأن إيران وحلفاءها هم أيضا جزء من اسباب هذا النزاع. ويظل هذا حقيقة، على الرغم من أن الأسد «لم ولا يمكنه» ان يذكر في خطاب الاستقلال أن إيران هي الهدف من الحرب السورية، وان إسقاط الأسد هو جزء من خطتنا لتدمير حليفه الإيراني، مثلما كان قتال «حزب الله» في لبنان جزءا من خطة اسرائيل لتفكيك إيران عام 2006. لقد خسرت إسرائيل حربها، فهل يخسر أعداء الأسد حربهم أيضاً؟
لدينا في لندن وباريس وواشنطن عادة غريبة، نعتقد أن الطغاة الذين لا نحبهم ينبغي ان يرحلوا في الحال، «عليك ان تتنحى»، «تنحى جانباً»، أياً كانت العبارة التي نستخدمها، لأننا نريدهم أن يذهبوا، ألم يتم تدمير صدام؟ ألم تتم تصفية القذافي؟ ألم يذهب (الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان) ميلوسيفيتش الى لاهاي؟ كله صحيح، لكن ظل (جوزيف) ستالين على قيد الحياة. (الزعيم الكوري الشمالي) كيم جونغ أون لم يكن سيئا للغاية، ربما لأن لديه بالفعل أسلحة نووية، وفي مقابل ذلك، فإن إيران قد تحصل أو لا تحصل عليها، وبالتالي تبقى على قائمة الأهداف الإسرائيلية الأميركية. وهنا بعض الأخبار السيئة لخصوم الأسد.
تحدث الاسد عن الجيش الحكومي السوري مساء يوم الاربعاء (الماضي)، ما لم يذكره هو الاشارة إلى اتساع رقعته، وان جنوده الآن قد استعادوا معظم داريا من المتمردين، وتقدموا نحو حرستا في ضواحي دمشق. وان الطريق الذي يبلغ طوله 100 ميل المؤدي الى طرطوس واللاذقية، والذي اغلقته المعارضة المسلحة قبل فترة طويلة، استطاعت قوات الأسد فتحه. وللمرة الاولى منذ شهور، يستطيع السوريون الآن السفر بالسيارة من دمشق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وان الثوار الذين يعشقون دول حلف شمال الأطلسي يفقدون الآن سيطرتهم على دمشق. نعم، قد يستعيدون سيطرتهم عليها، وقد يتم اغلاق الطريق إلى اللاذقية مرة أخرى. احذروا، هذه هي الحرب قد يستمر هذا الحال عامين أو ثلاثة أو أكثر، لا أحد سيربح.
لكن القوة التي لا يمكن الاستهانة بها «والتي تستطيع ان تمنع أي تمرد شامل» هي الجيش السوري التابع لبشار الأسد. لقد تعب من الفساد، تعب من المحسوبية الحزبية، أصبح غاضباً جداً مع تلك الجهات التي تسببت في الحرب: ليست فقط تنظيم القاعدة، أو النصرة، أو المنشقين أو «الناتو»، ولكن مع أجهزة الاستخبارات التي اشعلت وحشيتها الانتفاضة السورية في درعا. وفي اللحظة التي يقاتل فيها الجيش أعداء الأسد، فإن «رجال الدولة»، والدبلوماسيين، و«المحللين» الغربييون والمفكرين السخفاءو الذين يعشقون الشبكات عليهم ان يشتروا كرات بلورية جديدة.
كاتب بريطاني مهتم بالشرق الأوسط