السر الكامن وراء هجمات بوسطن
الأخوان تسارناييف.. من حرب أهلية في القوقاز إلى مواجهات عبر شوارع أميركا
الأخوان المشتبه فيهما الرئيسان في تفجيرات ماراثون بوسطن ينتميان الى قارتين مختلفتين إلى حد كبير في الثقافات، فقد نبتت جذورهما في الشيشان ونشآ في العالم الجديد في الولايات المتحدة. جاء تيمورلنك تسارناييف (26 عاماً)، وشقيقه الأصغر، جوهر تسارناييف (19 عاماً) إلى الولايات المتحدة قبل نحو عقد مع من الزمان مع والدهما (ميكانيكي سيارات). وفروا مثلهم مثل العديد من الشيشانيين من الحرب الأهلية المستعرة منذ فترة طويلة في المنطقة، ليصلوا الى الولايات المتحدة عبر قيرغيزستان ويستقروا في منطقة بوسطن، التي تضم جالية كبيرة من الشيشان. وصل الأخوان الى الولايات المتحدة في سن الطفولة، وأمضيا سنوات نشأتهما في المدارس الثانوية والجامعات في البلد الذي اختاروه.
بعض الأدلة الأولية غير الممحصة جيداً تشير الى أن الشقيق الأكبر عانى حالة الاغتراب التي تصيب العديد من المهاجرين، لينتهي به الأمر في الشبكات الجهادية، في حين بدا جوهر كأنما اندمج مبدئياً على الأقل، أو بشكل سطحي، في المجتمع الأميركي. (تيمورلنك) الذي بدا مرتدياً قبعة سوداء بالقرب من خط نهاية الماراثون في صورة وزعها مكتب التحقيقات الفيدرالي، كان موضوعاً لمقال مصور عن منافسة للملاكمة خاضها في سولت لايك سيتي، يوتا، عام 2007. ونقلت عنه تلك الصحيفة قوله «ليس لدي صديق أميركي واحد، وأنا لا أفهمهم»، وذكرت شرطة بوسطن أن (تيمورلنك) لقي مصرعه في اشتباك مع الشرطة في وقت مبكر من يوم الجمعة الماضي. أما شقيقه الأصغر (جوهر) الذي تم توقيفه، أول من أمس، بعد عملية مطاردة واسعة استمرت 24 ساعة، حيث تبادلت السلطات اطلاق النار معه قبل اعتقاله، نتيجة مكالمة هاتفية من ساكن قادت الشرطة الى القارب الذي كان (جوهر) مختبئاً فيه.
وفقاً لمعلميه في مدرسته الثانوية، كامبريدج ريدج، والمدرسة اللاتينية، فقد كان (جوهر) سعيداً بوجوده في الولايات المتحدة.
معلمه السابق، لاري ارونسون، الذي هو ايضا جار للعائلة، يقول «لا أستطيع أن أصدق أنه يستطيع القيام بمثل هذه الجريمة البشعة ويقتل هذا العدد الكبير من الضحايا»، وكتب (لاري) على صفحته على «فيس بوك» «الأسرة تعيش على بعد ثلاثة منازل مني في شارع نورفولك، والآن فإن كامل حينا مطوق بشريط أصفر، ونحن نعيش داخل مسرح الجريمة».
غادر الأخوان داغستان، إحدى الجمهوريات الروسية، عام 2001، بعد ان درسا في مدرسة ماخاتشكالا رقم واحد. ويقول مدير المدرسة إن الإخوين، اللذين كان لديهما ايضا شقيقان آخران، قضيا في المدرسة عاماً واحداً فقط.
خاضت الشيشان حربي استقلال ضد القوات الفيدرالية الروسية، الأولى بين 1994و1996، وحققت انتصاراً للانفصاليين، ثم غزت القوات الروسية الشيشان مرة أخرى عام 1999، واستولت على غروزني العاصمة، ونصبت حكومة موالية لموسكو، أطلقت منذ ذلك الوقت اسم الرئيس الروسي الحالي، فلادمير بوتين، على الشارع الرئيس في وسط العاصمة. وأجج المقاتلون الانفصاليون والاسلاميون القتال ضد القوات الاتحادية في الجبال الواقعة بين الشيشان وداغستان المجاورة، بقيادة مجموعة غير متبلورة تعرف باسم إمارة القوقاز، بقيادة أحد أمراء الحرب الغامضين، يعرف باسم دوكو عمروف.
لا نعرف الكثير عن المتهمين الرئيسين في تفجيرات بوسطن، ولا نحيط إلا لماماً بدوافعهم لارتكاب جريمة القتل تلك. ولا نعرف ما إذا كانوا يتصرفون من تلقاء أنفسهم، أم أن هؤلاء الشبان، الذين عاشوا في الولايات المتحدة لعقد من الزمان، استقوا التطرف من قبل شخص آخر. ويبدو ان جذور اسرتهم الشيشانية وثيقة الصلة بما حدث. والثابت لدينا الآن هو أن حادثة بوسطن تشكل المرة الأولى التي يرتبط فيها العنف داخل الولايات المتحدة بالقوقاز الروسية، لكنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الأميركيون للهجوم من قبل الشيشانيين. فمنذ منتصف تسعينات القرن الماضي، نشأت صلات وثيقة بين جماعات متشددة مقرها شمال القوقاز، وبين كل من «طالبان» الافغانية، وتنظيم «القاعدة». ومنذ ان استعاد الجيش الروسي الشيشان، كانت ترد تقارير عدة عن انتقال رجال ميليشيات شيشان وغيرهم من المسلمين الروس المتشددين الى افغانستان والمناطق المجاورة للمشاركة في هجمات على القوات الغربية والأفغانية والباكستانية المتمركزة هناك. الجهاد في شمال القوقاز له تاريخ يعود إلى القرن الـ19، عندما قاد الإمام شامل القبائل المحلية تحت راية الإسلام لمقاومة الغزو الروسي. اما التاريخ الحديث للتطرف الإسلامي في المنطقة، فيعود تاريخه إلى تسعينات القرن الماضي، وعلى وجه الخصوص خلال حرب الشيشان الدموية بين 1994 و1996، عندما بعث الرئيس الروسي، بوريس يلتسين، الجيش الروسي ليعيد الشيشان مرة أخرى إلى حظيرة الاتحاد الروسي. عندما بدأت تلك الحرب كان النضال الشيشاني يتصف جميعه بالقومية، ولا يقتصر على الإسلاميين. وكان كل من الرئيس الشيشاني، جوهر دوداييف، ورئيس أركانه، العقيد أصلان مسخادوف، ضابطين سوفيتيين سابقين. وصوتت أغلبية كبيرة من الشيشانيين لمسخادوف ضد المرشحين الإسلاميين في الانتخابات الرئاسية عام 1997.
لكن نظراً للتشابه القوي في التاريخ الحديث بين الشيشان وأفغانستان وأماكن أخرى، استقطبت حرب 1994-1996 متشددين اسلاميين دوليين بأجندات تتجاوز حرب الشيشان.
ونجح الجيش الروسي هذه المرة في هزيمة الشيشان والمقاومة الإسلامية. ومع ذلك انتشر التشدد الإسلامي إلى أجزاء أخرى من شمال القوقاز، وكان مسؤولاً عن العديد من أعمال الإرهاب القاسية، بما في ذلك الهجوم على مدرسة في بيسلان عام 2004. ومنذ بواكير تسعينات القرن الماضي كشف موقع خطاب (qoqaz.net) عن التقارب بين جماعته و«القاعدة»، وفي حين كانت روسيا العدو المباشر، فإن الإسلاميين الدوليين في القوقاز وحلفاءهم الشيشان يتشاطرون مع تنظيم «القاعدة» كراهية الولايات المتحدة، ولذلك فإن هجمات بوسطن قد لا تكون فقط عملاً نابعاً عن استياء شخصي لأميركا من شقيقين شيشانيين، بل يعكس خلفية عميقة ورهيبة في تاريخ القوقاز الحديث.
أناتول ليفن - أناتول ليفن أستاذ قسم دراسات الحرب بكلية كينجز كوليدج في لندن، ومؤلف كتاب «الشيشان: شواهد من القوة الروسية»، وقام بتغطية الحرب الشيشانية 1994ــ1996 صحافياً
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news