مشجعو كرة القدم يوجهون الـديمقراطيـــة المصرية
في بداية شهر مارس الماضي اندلعت أعمال شغب خلال مباراة رياضية، وانتشرت إلى جميع بقاع مصر، وكانت على أشدها في القاهرة وبورسعيد. وانطلق الآلاف من مشجعي كرة القدم إلى الشوارع، واصطدموا مع قوات الشرطة، وفي القاهرة، قاموا بإشعال الحرائق في مقار اتحاد الكرة المصرية، ونادي الشرطة.
وجاءت هذه الاحتجاجات رداً على حكم صدر عن محكمة بورسعيد، خلال جلسة عقدت في القاهرة لأسباب أمنية، تؤكد على التهم التي صدرت بحق عدد من أفراد الشرطة ومشجعي كرة القدم المتورطين في أعمال القتل التي وقعت في فبراير عام 2012، خلال أعمال شغب في ملعب بورسعيد الرياضي، حيث قتل 79 شخصاً على الاقل، عندما اندفع مشجعو نادي بورسعيد (المصري) الى الملعب و بدأوا بالاعتداء على أنصار (الأهلي) القاهري، ولاعبيه، خلال مباراة بين الفريقين.
وحصل 21 متهماً من أنصار فريق المصري على عقوبات بالإعدام شنقاً، و24 آخرين، بمن فيهم اثنان من ضابط شرطة على عقوبات بالسجن مدى الحياة. وأما 28 آخرون فقد تمت تبرئتهم، منهم سبعة من ضباط الشرطة، الأمر الذي اعتبر سبباً لإثارة كثير من الغضب.
ووجه أنصار فريق المصري انتقادات لاذعة لقرارات المحكمة باعتبارها متعاطفة علناً مع أفراد الاهلي، ويعتقد البعض أن مثيري الشغب تلقوا عقوبات قاسية لأنهم من بورسعيد، التي تتميز بتاريخ سيئ مع الشرطة. واعترف ضابط من بورسعيد أجرت صحيفة «الأهرام» مقابلة معه، بحدوث مشكلات خلال التحقيق. وقال «لم نعرف من هم الاشخاص الذين علينا اعتقالهم، ولذلك قمنا باعتقال أي شخص يتسم بسجل إجرامي، والذين اعتقدنا أنهم ربما يكونون وراء أعمال القتل، لذلك يمكن أن يكون بعض الذين تمت محاكمتهم من الأبرياء».
من ناحية أخرى، كان أنصار فريق الاهلي قد هددوا قبل صدور القرارات بأنهم سينتقمون إذا تمت تبرئة أفراد الشرطة. وبعد الاحتشاد في شوارع القاهرة اثر صدور أحكام المحكمة، قال مشجعو الاهلي على صفحة الـ«فيس بوك» الخاصة بهم «ما حدث في القاهرة اليوم يعتبر مجرد بداية غضبنا».
ولاتزال أعمال الشغب بشأن المحاكمة مستمرة منذ الاعلان عن القرارات في يناير الماضي، ما أسهم في زيادة عدد المصادمات ضد قوات الشرطة، وزيادة المشاعر المناهضة للشرطة وسط المصريين. ويعتقد على نطاق واسع وفي بورسعيد خصوصاً، ان الشرطة عملت على التحريض او الترتيب لمذبحة ملعب كرة القدم. وحسبما قاله الصحافي تيمور مون من صحيفة «انترناشيونال بزنس تايمز» فإن الشرطة «ابتعدت عن الشغب» وأغلقت ابواب الملعب عندما ترك المشجعون المدرجات واندفعوا الى الملعب، ومن ثم قطعوا الكهرباء في الملعب، وفي هذه الاجواء «تعرض العديد من المشجعين للطعن حتى الموت، والسحق على الابواب المغلقة»
عنف
لم تكن حكاية ملعب بورسعيد تتركز على المشجعين الساخطين، بل إن ممارسة الرئيس المصري محمد مرسي سلطاته على قوات الامن ضد المحتجين والمدنيين الآمنين أدى الى حدوث توتر سياسي بين المصريين، وبصورة خاصة مشجعي كرة القدم. ولعب مشجعو أندية كرة القدم دورا سياسيا قويا وغير مسبوق في المسار الثوري المصري. وكان هؤلاء المشجعون الذين يطلق عليهم اسم «الالتراس» معروفين لدورهم الحيوي في الاحتجاجات التي ادت الى الاطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.
وعلى الرغم من أن «أندية الالتراس» حاولوا رسمياً إبعاد أنفسهم عن السياسة، إلا أنهم كانوا يتغاضون عن المشاركات السياسية لبعض أعضائهم خارج المنظمة. وعلى سبيل المثال، ذكر التراس الاهلي، وهم أضخم مجموعة من نوعها تدعم فريق الاهلي المصري، على صحفتهم في«فيس بوك» في يناير 2011، أنهم سيظلون بعيدين عن السياسة خلال الاضطرابات التي تعيشها مصر، لكنهم أكدوا على أن أعضاء النادي «أحرار في خياراتهم السياسية».
وفي واقع الأمر، فإنه من المعروف جيدا اشتراك جميع أندية الالتراس في احتجاجات ميدان التحرير التي حدثت في عام 2011، فقد ساعدهم تاريخهم الطويل في الاشتباك مع الشرطة في ملاعب كرة القدم على مقاومة مدنية ضد قوات أمن النظام. وقال قائد التراس فريق الزمالك في مقابلة مع تلفزيون «سي ان ان»، «نحن نقاوم الشرطة في كل مباراة. ونحن نعرفهم، ونحن نعلم كيف يلقي عليهم المحتجون الحجارة».
سخط شعبي
وخلص تقرير صدر أخيراً عن لجنة تقصي الحقائق القضائية التي عينها الرئيس مرسي حصلت وكالة «الاسوشيتد برس» على جزء منه، الى تأجيج السخط على قوات الشرطة، بعد إشارته الى أن التحقيق في وفاة 900 محتج خلال الثورة كشف عن أن «الشرطة كانت مسؤولة عن جميع هذه الوفيات تقريباً، حيث استخدموا القناصين من على أسطح المنازل التي تشرف على ميدان التحرير لإطلاق النار على الجماهير المحتشدة».
وهناك من المصريين الذين ينادون بتسلم الجيش مقاليد الحكم في مصر، خصوصاً في بورسعيد. وثمة يافطة مرفوعة في أول المدينة تقول «نرحب بالجيش». وفي حديقة عامة أنشأ المدنيون مركز أمن مؤقتاً اطلقوا عليه «مركز شرطة الشعب». وذكرت صحيفة «ديلي نيوز» المصرية أن آلافا من المصريين هبوا للدفاع عن وزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي، وطلبوا منه ان «يتسلم مقاليد الحكم في مصر وأن يطيح بالرئيس محمد مرسي».
وكان السيسي قد أعرب علانية عن تعاطفه مع حركة المعارضة المتنامية في الدولة، كونه رفض إيذاء المحتجين المسالمين، وتحدى بعض أوامر مرسي في قمع المتظاهرين، ورفض فرض حظر التجول في بعض المدن. وأشار السيسي الى استعداد الجيش إلى التدخل إذا لم يتم حل الأزمة السياسية التي وصلت الى طريق مسدود في الدولة.