نظام استبدادي في دمشق يسحق حركة تحرير وطنية
تقاعس الغرب سيحوّل سورية إلى شـيشان أخرى
كان عمر طفلاً صغيراً في الـ12 من عمره، ربما أصغر أو أكبر من ذلك، وصل الجنود الروس بالقرب من منزله في العاصمة (الشيشانية) غروزني، كانوا يطلقون العيارات النارية، يصرخون، ويشتمون. اتهموا والده واتهموه هو أيضا بالإرهاب، وأنهما شيشانيان إرهابيان، وانتزعوهما من السرداب الذي اختبآ فيه، كانت والدة عمر تصرخ، وتستجديهم الإبقاء على حياة «بابا»، لأنه ليس الشخص المطلوب، لكن الجنود لم يعيروها آذانا صاغية، اقتادوا عمر ووالده إلى وسط الساحة، أمروهما بالوقوف ووجهيهما إلى الحائط، ثم أطلقوا النار.
أصيبت أذن عمر بالصمم، اعتقد أنه أصبح ميتا، لكنه فتح عينيه ليرى والده بالقرب منه، حيا، لقد أطلق الجنود النار فوق رأسيهما ومضوا إلى حال سبيلهم، لم يكن واضحا لماذا فعلوا ذلك؟ كثيراً ما يتذكر عمر الدرس، الذي تعلمه في ذلك اليوم، لقد كان خائر القوى، وكذلك كان والده، حاولت والدته فقط إنقاذ زوجها، صرخت ولكن ليس من أجل عمر، كان من الصعب على ذلك الطفل أن ينسى ما حدث.
لهذا السبب اتخذ عمر قراره، أنه يعرف الآن من الذي يمكن أن يحميه، من الذي يملك القوة، إنهم الثوار في أعالي الجبال، الجهاديون، الذي سيصبحون إخوانه الكبار، فإذا كان له أن يموت فليمت على الأقل من أجل قضية، استبدل صورته على الجواز بصورة زعيم القاعدة (السابق)، أسامة بن لادن.
تعكس قصة عمر الكثير من القصص الشخصية التي أوردتها الكاتبة، آني سبيخارد، في كتابها بعنوان «الحديث إلى الإرهابيين»، لخصت فيه سنوات من سفرها عبر أخطر المناطق في العالم، محاولة أن تفهم الأسباب التي تجعل الشخص «إرهابياً». ومن بين قصص القتل والموت تبرز قصة الشيشان المفزعة.
ملايين الأشخاص في الغرب وجدوا أنفسهم ـ هذا الأسبوع ـ مشدودين لقصة مماثلة لأول مرة في حياتهم، عندما حاولوا هم والشرطة حل لغز حكاية تيمورلنك تسارناييف، المشتبه فيه بتفجيرات ماراثون بوسطن، وشقيقه.
حاول الجمهور، على سبيل المثال، أن يتعرف أين تقع داغستان، المكان الذي قضى فيه الشقيقان جزءاً من طفولتيهما، المكان الذي ذهب تيمورلنك لزيارته قبل فترة قصيرة، وأيضا المكان الذي ذهب إليه والداهما؟ وما علاقة حرب استقلال الشيشان من روسيا بحادث بوسطن؟
إنها تعني لا شيء وكل شيء، عندما انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991، سعت الجمهوريات السوفييتية السابقة لنيل استقلالها، كانت الشيشان من بينها، لكنها كانت مختلفة عن غيرها من تلك الجمهوريات، كانت تشكل جزءا من الاتحاد الروسي، وليس في وسع الروس أن يتركوا هذا الجزء يذهب. في عام 1994، بدأت الحرب، وخلال عامين فقد 100 ألف شخص أرواحهم، وعندما أصبح القتال أكثر استماتة ـ عندما استخدم الروس أساليب التعذيب، والسجن والقتل العشوائي ـ بدأ الشيشانيون يسعون للحصول على السلاح والمال والدعم السياسي، وعلموا أن باستطاعتهم الحصول على السلاح ليس من الغرب، الذي يمنح التطمينات الدافئة، وإنما من المجموعات الإسلامية.
واجتذب القتال مقاتلين أجانب، وأموالا أجنبية، لكنه استقطب أيضا باستمرار مقاتلي المقاومة الوطنية، وتأثر إسلام الشيشان التقليدي المعتدل بالتشدد القادم من الخارج. وفي الوقت الذي بدأت موجة جديدة من القتال عام 1999، كان الجهاديون يقودون القتال في حرب الاستقلال، الأمر الذي دعا الروس إلى إغلاق الشيشان في وجه الأجانب، ولهذا السبب بدأ الثوار الشيشانيون يمارسون عمليات نوعية وانتقامية وراء الحدود الشيشانية، على مسرح موسكو، وفي مدرسة رسلان، على سبيل المثال.
واستخدموا تلال الشيشان قاعدة لعملياتهم، ولجأوا إلى داغستان المجاورة، التي اعتقدوا أنها تشكل جزءاً من حدود الجمهورية الإسلامية، وعندما أطلق الروس النار على عمر رأى أن مثل هؤلاء المقاتلين يشكلون حلقة الدفاع عنه.
لكنهم منحوا لتيمورلنك شيئا آخر، ربما قضية تغطي فشله، وتمنح معنى لحياته، ويبدو أكثر احتمالا أن أعماله الإرهابية في بوسطن تعتبر إسهاما «للحرب المقدسة» التي يخوضها مواطنوه، إذاً من أين تعلم هذه الأفكار؟ ربما من «الإنترنت»، وربما من زيارته لداغستان.
قبل 20 عاما، لم تكن «الحرب المقدسة» هدفا للشيشانيين، ولم تكن الأفكار الجهادية جزءا من المنظور الإسلامي للشيشانيين، إن نشوء مثل هذه الأفكار هناك كان ثمن باهظ لتقاعس الغرب، وإذا لم يفعل الغرب شيئا، فهناك من يستطيع ذلك، ولن نكن في مأمن عن نتائج ما يجري، ومن حسن الحظ أنه لم يكن لدى تيمورلنك هذه المرة سوى طنجرة أو طنجرتي ضغط.
ما حدث في الشيشان يحدث الآن أيضا في سورية، نعم الشيء نفسه بالضبط، حيث يسحق نظام استبدادي حركة تحرير وطنية، وفي خضم هذا الصراع فإن المعارضة المسلحة، التي تحاول حماية نفسها باستماتة ضد الاغتيالات والتعذيب، تستقطب المقاتلين الأجانب.
الثوار الوطنيون يتحالفون ويوحدون صفوفهم مع من لديه المال والسلاح، ويطيلون لحاهم، ويقبلون بالمذاهب المتشددة، ويجعلون من ثورتهم حربا مقدسة، أما (الرئيس الروسي، فلاديمير) بوتين، فينظر في الاتجاه الموازي، ولعل هذا يفسر سبب تحالفه مع نظام (الرئيس السوري، بشار) الأسد، أليس كذلك؟!
كلما ظللنا بعيدا عن سياسة الرئيس (الأميركي باراك) أوباما، كلما تفاقم الموقف أكثر فأكثر، الكثير من الخبراء يعتقدون أن نقطة التحول لم تحدث إلى الآن، بمعنى ان الوقت لايزال متاحا لتقديم الدعم لأولئك الذين يسعون لإطاحة الأسد دون تقديم أي مساعدة بطريق غير مباشر للمتشددين.
وما حدث في الشيشان سيحدث في سورية بشكل أشد قساوة، حيث يستطيع الأصوليون ـ أو ربما استطاعوا ـ إقامة قاعدة إقليمية، في منطقة معروفة بحساسيتها الشديدة، ويلهمون الشباب الغاضب ويقدمون لهم السلاح والدعم في كل مكان.
عندما نتدخل علينا أيضا أن نستقصي، علينا أن نتمعن في أسباب ما حدث، ولماذا حدث؟ أمامنا مثال حاضر وهو حرب العراق، وفي الوقت الذي يتم فيه نشر تقرير «تشيلكوت» ـ وهو تحقيق عن أسباب حرب العراق ـ تلزمنا أربع سنوات لنستوعبه، لكن ماذا إذا لم نتدخل؟ عندها ندفع الثمن، ونستمر في دفع الثمن، لأننا لم نتدخل.
دنيال فينكلستاين كاتب وصحافي بريطاني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news