تفجيرات بوسطن جسدت التفكير الغربي بطريقة التعميم تجاه العرق والدين
المهاجرون المهمشون في أميركا.. ضحية لعنة «الإرهاب»
مَن المخطئ في تفجير مارتون بوسطن؟ هل نلقي باللائمة على روسيا لأنها حاولت إدماج مسلمي شمال القوقاز على مدى 250 عاماً الماضية، بما في ذلك سكان جمهوريتي الشيشان وداغستان، بدءا بإمبراطورية القياصرة الأرثودوكس، ومن ثم الاتحاد السوفييتي وصولاً إلى الرئيس فلاديمير بوتين، أم الفكر الراديكالي هو التفسير الذي نحتاجه سواء في روسيا أو الغرب؟ تمخضت عن هجوم الشقيقين جوهر وتيمورلنك تسارناييف على مارثون بوسطن، استنتاجات ثابتة لدى الكثيرين في أميركا وخارجها، وقارنت ما حدث بأحداث إرهابية سابقة، كتلك التي استهدفت برجي التجارة العالمي في نيويورك في سبتمبر 2011، أو محاولة المهاجر الباكستاني تفجير سيارة مفخخة في تايمز سكوير بمدينة نيويورك، قبل ثلاث سنوات. وقال بعض المعلقين إن تيمورلنك الذي تعود أصوله إلى الشيشان، ربما عايش الحرب الروسية على الجمهورية القوقازية في 1999، والأساليب الهمجية التي استخدمها الجيش الأحمر للقضاء على الثورة المسلحة شمال القوقاز. ويقول معلقون أميركيون إن الشقيقين اللذين تأثرا بالقمع على أرضهما الأصلية اختارا نقل العنف إلى الأراضي الأميركية.
المشكلة مع هذا التفسير، بطبيعة الحال، هو أن الأخوين من قيرغيزستان، ولم يعيشا في الشيشان، وقضيا فترة وجيزة فقط في داغستان في أوائل العقد الأول من هذا القرن، وعلاقاتهما بالمنطقة هي علاقة أي مهاجر مع بلده الأصلي. وحتى الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، وهو متمرد سابق، أكد فور الكشف عن هوية المشتبه فيهما، ان الشقيقين لا علاقة لهما بجمهوريته.
عندما يشتبه في أشخاص مسلمين بضلوعهم في أحداث إرهابية، فإن ذلك يعتبر في حد ذاته قرينة لمؤامرة أكبر.
كان جوهر، (19 عاماً)، عمره ثماني سنوات فقط عندما انتقلت عائلته إلى الولايات المتحدة، التي أقامت في كامبريدج بولاية ماساشوستس. وكان المهاجر يتكيف بشكل معقول مع الحياة الأميركية. وقال انه بدأ في الآونة الأخيرة في التماهي مع أصوله الدينية والعرقية، وكان يعاني صعوبات أكاديمية في الجامعة، لكنه كان ضليعاً في ثقافات أميركية فرعية متعددة. أما تيمورلنك، فهو ملاكم لديه من الكفاءة ما يكفي تقريباً ليصبح محترفاً، كان متزوجاً من امرأة مسيحية أميركية اعتنقت الإسلام وأصبحت ملتزمة مع زوجها. وأوضحت عمة الشقيقين في داغستان، سليمانوفا باتيما، أن ابن أخيها الأكبر تيمورلنك لم يصل أبدا قبل توجهه إلى الولايات المتحدة في سن 16، «لم يكن يعرف حتى تعاليم الإسلام»، وأضافت العمة أن الشقيقين أصبحا متطرفين في أميركا.
في الأساس، قصص الإرهاب في الولايات المتحدة متشابهة، إلا أن الرجل الأبيض لا يواجه التهمة على أساس العرق، مثلما حدث مع آدم لانزا الذي هاجم مدرسة نيوتاون في ولاية كنتكت، أو جيمس هولمز الذي قتل أبرياء في أروروا بولاية كولورادو، وهؤلاء وغيرهم من البيض، ينظر إليهم أنهم جزء من مؤامرة كبرى.
وحتى عندما يقوم رجال بيض -غير مسلمين- بأعمال إرهابية واضحة، مثل تيموثي ماكفي الذي قتل 165 شخصاً في أوكلاهوما سيتي، في 1995، فإن مخالفاتهم الجسيمة ينظر إليها على أنها جرائم فردية ارتكبت بشكل معزول، وليست إرهاباً.
في المقابل، يعتبر المشتبه فيهم من أصحاب البشرة الداكنة، خصوصاً المسلمين منهم، دلائل على وجود مؤامرة أوسع تستدعي تدخلاً عسكرياً، وتبرر انتهاك حقوق الإنسان، ودعوة أعضاء في الكونغرس بمحاكمة جوهر على أنه «محارب عدو» هي أفضل مثال على هذا الطرح. ولا يأبه هؤلاء الأعضاء بحقيقة ان جوهر مواطن أميركي، ومن ثم لا يمكن مثوله أمام محاكم عسكرية، وأن القبض عليه تم على الأراضي الأميركية وليس في ساحة معركة. وعلى أي حال فالرئيس باراك أوباما أكد ان المشتبه فيه سيمثل أمام محاكمة ستكون مدنية، وهذا يحسب له. إلا أن ذلك لم يغير مساعي أميركية بتعميم سلوك خاطئ على بلدان شعوب بأكملها. وهكذا بدأ تشويه سمعة الشيشان، حتى إن سفير جمهورية التشيك إلى واشنطن شعر بأنه يتعين عليه إصدار بيان يطلب فيه عدم الخلط بين التشيك والشيشان، وأن بلاده لا دخل لها في ما جرى ببوسطن.
في روسيا أيضاً، الفشل قاتل. هجوم الشقيقين تسارناييف يبدو في ظاهره مبرراً لسياسة بوتين القومية في شمال القوقاز، وتضفي نوعاً من الصدقية على حجته بأن روسيا خاضت حربين ضد استقلال الشيشان -الأولى بين 1994 و1996 والثانية في 1999- كانتا تحت ذريعة الأمن القومي. في هذا المعنى، كانت تفجيرات بوسطن هدية دبلوماسية له. ولكن الشيء الوحيد الذي يبدو واضحاً في القضية ان الشبان الذين ينتمون لديانة ما أو عرقية، ويشعرون بالتهميش يمكن أن يتصرفوا بعنف قاتل.
في هذه الحالة، يبدو أن تفجيرات بوسطن تقدم المفارقة. ففي حين أن الأخوين تسارناييف قد اعترضا على الدولة العلمانية بشكل خاطئ، هناك معنى آخر يكمن في كونهما ربما على حق أن روسيا والغرب لا يختلفان كثيراً عن بعضهما بعضا. وكما أن روسيا يجب أن تتعامل مع موجة متنامية من الأصولية التي تغذت بسياسات موسكو نفسها، فإن إدانة إجمالية للمسلمين في أميركا تولد تهميشاً أكثر وقصاصاً من الداخل.
على كل حال، الهجمات على نظام قطارات مدريد في عام 2004، وعلى وسائل النقل العام في لندن في عام 2005، لم تنفذ من قبل مهاجرين سعوديين أو «طالبان»، ولكن من قبل شباب ولدوا ونشؤوا في إسبانيا وبريطانيا. وبعد سنوات من ذلك، لماذا اعتبرت الولايات المتحدة استثناء؟ في بلد شعر فيه هؤلاء الشباب، أياً كان أصلهم، انهم في بلدهم. يجب أن تسهم تفجيرات ماراثون بوسطن، مثل الكثير من أعمال العنف الجماعي في الولايات المتحدة، في الكف عن التفكير بطريقة التعميم ووضع عرق أو ديانة بأكملها في قفص الاتهام، ويتعين أن نفعل ذلك بشكل قاطع.
نينا خروشكيفا مؤلفة وزميلة معهد وولد بوليسي في نيويورك
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news