أوباما أبدى قليلاً من الاهتمام بالتدخل في سورية.. رويترز

تقاعس أوباما عن التدخل يحمّله مسؤولية إبادة مرتقبة في سورية

في أبريل عام ‬1994، شهدت رواندا كابوس المجازر والإبادة ضد الإنسانية، التي راح ضحيتها أكثر من ‬100 ألف من أفراد قبائل «التوتسي»، ومعتدلي قبائل «الهوتو».

وفي الوقت الذي يمعن فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما، وكبار مستشاريه، التفكير في مزيد من الأدلة حول استخدام الرئيس السوري بشار الأسد أسلحة كيماوية ضد شعبه، فإنه سيكون أمرا إيجابيا منه أن يتذكر لحظات العار في رواندا.

وبدأت حكاية إدارة أوباما مع الأسلحة الكيماوية السورية في ديسمبر الماضي، حينما أبرق القنصل الأميركي في إسطنبول إلى واشنطن عن مقابلات تفصيلية، تمت مع ضحايا هجوم تعرضت له مدينة حمص قبل أعياد الميلاد، واستخدمت خلاله القوات السورية على ما يبدو الأسلحة الكيماوية. وتضمنت معلومات البرقية تفاصيل أن معاناة الضحايا من أعراض الشلل والعمى والهلوسة والاضطرابات، وغيرها من الأعراض، وأن عملية العلاج أظهرت وجود آثار غاز الأعصاب (السارين)، لكن هذه المعلومات لم تقنع المسؤولين. وفي يناير الماضي، قال مسؤولون أميركيون إن الحكومة السورية استخدمت مادة لمكافحة الشعب، لكنهم لم يحددوا ماهية هذه المادة.

ولم ترغب إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون في الاعتراف بالإبادة الجماعية، التي وقعت في رواندا، لأن الولايات المتحدة كانت ملزمة بالتدخل، لوقف ما يحدث، بموجب توقيعها اتفاقات جنيف عام ‬1948.

كما أن إدارة أوباما لا تريد الاعتراف بأنه تم استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، لأن الرئيس أوباما حذر النظام السوري في أغسطس الماضي من أن استخدام هذه الأسلحة سيدفعه إلى تغيير حساباته، وسيغير «قواعد اللعبة».

ولكن لسوء الحظ، فإن تغيير قواعد اللعبة يبدو أمراً صعباً، فعلى الرغم من توصيات ومقترحات مستشاريه، إلا أن أوباما أبدى قليلا من الاهتمام بالتدخل في سورية، واكتفى بتزويد المعارضة السورية بأسلحة غير فتاكة واستمرار الجهود الدبلوماسية مع روسيا والامم المتحدة، ومحاولة توحيد فصائل المعارضين السوريين.

غير أنه يتعين على البيت الأبيض أن يعترف بأن اللعبة قد تغيرت بالفعل، لتضع صدقية الولايات المتحدة على المحك. ومقاوما كل الإغراءات بالتدخل في سورية، فقد تمترس أوباما خلف سابقة قرار غزو العراق على أساس زعم امتلاكه أسلحة دمار شامل، الأمر الذي تبيّن كذبه لكنه يدرك مدى حجم الضرر الذي سيلحق بلاده ومكانته السياسية والتاريخية، حال استمرار فشله وعجزه عن التحرك بشأن سورية، بل يجب عليه أن يفهم أن الضرر العميق والحقيقي وقع، حينما أصبحت الفجوة بين أقوال السياسيين الأميركيين وأفعالهم، أكبر من ان يتم تجاهلها.

وتعاني أميركا سرطان انعدام الثقة والسخرية والكراهية، الذي يغلب على نظرة الدول العربية والاسلامية إلى الولايات المتحدة. ومهما كانت إنجازات أوباما فإن شعبه، وغيره، سيظل يتذكره على أنه الرئيس الأميركي الذي أعلن عن بداية صفحة جديدة مع العالم الإسلامي. وثمة واحدة من خطوات حماية سورية من نظام (الرئيس) بشار الأسد هي «تحرك الولايات المتحدة وأوروبا بسرعة ودعم المعارضة السورية»، وتقديم السلاح اللازم لها للتصدي لطائرات الأسد، كما يتطلب ذلك تشكيل حكومة مؤقتة فاعلة في المناطق السورية المحررة، إضافة إلى تدمير القوة العسكرية السورية ودفاعاتها، وربما تكليف قوات خاصة بتأمين الأسلحة الكيماوية أو إتلافها، كما يجب أن يكون هناك هجوم استخباراتي، واستخدام تكتيكات شبيهة بتلك التي استخدمت ضد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي والصربي سلوبودان ميلوسوفيتش، إضافة إلى ضرورة إبداء المعارضة وحلفائها حرصا على الحصول على ضمانات لحماية الأقليات في سورية، ومواجهة روسيا دبلوماسياً.

ويبدو ان العالم لا يلاحظ تعقيد الحسابات في البيت الأبيض، وأن صعوبة تحقيق أي نتائج إيجابية في سورية حتى من خلال التدخل ستلحق الضرر بالأجندة المحلية لأوباما، إذا غرق في صراع آخر في الشرق الأوسط، سواء في سورية أو غيرها، لكن واقع الحال يقول إن العالم سيرى المدنيين السوريين، وهم يتساقطون أرضا ويعانون أعراضاً مرضية مختلفة، والرغوة البيضاء تخرج من أفواههم ويتلوون من الألم، قبل أن يموتوا بالمئات أو الآلاف، والولايات المتحدة تتفرج أو تعلن عن زيادة حالة الاستعداد. السيد الرئيس أوباما كم من سلاح كيماوي يلزم استخدامها، وبأي كمية حتى نقول إنه تم تجاوز الخط الأحمر بهذا الشأن في سورية؟ نعم يجب أن تكون في وضع يسمح لك بالاجابة عن هذا السؤال، نعم يجب ذلك.

 

آن ماري سلوترمديرة التخطيط السياسي السابقة في وزارة الخارجية الأميركية

 

الأكثر مشاركة