استقالة وزير العدل حولت المعركة بين السلطة والقضاة إلى سجال يومي

مرسي أمام الصدام مع حزبه أو مواجهـــة القضاة

مكي تقدّم باستقالته لمرسي احتجاجاً على محاصرة متظاهرين إسلاميين دار القضاء العالي مطالبين بتطهير القضاء. أ.ف.ب

أثار استقبال الرئيس المصري محمد مرسي، أعضاء المجلس الاعلى للقضاء وتأكيده على حضور مؤتمر العدالة بدار القضاء العالي، تساؤلات في الشارع المصري، حول النتيجة النهائية لمعركة القضاة ورجال الحكم، فقد حولت استقالة وزير العدل، المستشار أحمد مكي، من منصبه، المعركة بين السلطة والقضاة الى سجال يومي، يحاول فيه كل طرف تقديم مبررات إقصاء الاخر. القضاة يعتبرون ان السلطة تجهز لمذبحة كبرى ضدهم، بينما يوجه مسؤولون كبار في الدولة اصابع الاتهام الى قضاة تجاوزوا مهمتهم القانونية ويعملون بالسياسة، وآخرين متهمين بتلقي رشا ولا يحاسبون من قبل التفتيش القضائي، وقال سياسيون إن السلطة تستخدم الشارع لإرهاب القضاة قبل سن تشريع يمكّن جماعة الاخوان المسلمين من الهيمنة على السلطة القضائية.

وقال المستشار أحمد عثمان لـ «الإمارات اليوم»، إن المستشار مكي قدم استقالته عندما تأكد أن الرئيس مرسي أخلّ بوعده له بعدم إصدار أي تشريعات تمس السلطة القضائية، إلا من خلال مجلس النواب المنتخب وليس مجلس الشورى الحالي.

وأضاف أن الهتافات التي طالبت بإقالة مكي في تظاهرات جماعة الإخوان، الشهر الماضي، أظهرت ضيق الرئاسة و«الإخوان» برفض مكي الاقتراب من القضاة ومحاولة تطويع أحكامهم، مشيراً الى أن قانون السلطة القضائية الذي يعده الآن مجلس الشورى، يتضمن خفض سن القاضي في الاحالة الى التقاعد الى ‬60 عاماً، وهو ما يعني إحالة جميع قضاة المحكمة الدستورية ورؤساء الاستئناف الى التقاعد، مؤكداً أن رؤساء المحاكم هم من يقوم بتوزيع القضايا على الدوائر وجماعة الاخوان تسعى للهيمنة على هذه المناصب. وحذر عثمان من أن التخلص من القضاة يعد له تحت غطاء قانوني وتحت شعار مساواة القضاة بكل فئات المجتمع.

وكان المستشار أحمد مكي تقدم باستقالته رسمياً، احتجاجاً على التظاهرات التي قام بها اعضاء التيار الإسلامي، وحاصروا خلالها دار القضاء العالي، للمطالبة بتطهير القضاء. وقال في نص الاستقالة: «إن القضاء هو حصن مصر، وما يحدث أمام دار القضاء هدم لهذا الحصن، وأنا أتخلى عن موقعي وزيراً للعدل، لأنني عجزت من موقعي التنفيذي كوزير عن صد الاتهامات عن القضاء».

والتقى مرسي في القصر الجمهوري بممثلي جميع الهيئات القضائية، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر للعدالة لاصدار تشريع جديد ينظم عمل السلطة القضائية بعد الثورة.

وقال المحامي الاخواني، محمد طوسون، لـ«الإمارات اليوم»، إن المستشار مكي لا يمكن أن يبرر استقالته برفضه مشروع قانون السلطة القضائية، لانه لم يكن ضد إصدار تشريع جديد ينظم اعمال القضاء، مشيراً الى انه تقدم لمجلس الشعب المنحل من قبل بمشروع قانون لاستقلال القضاء. وأضاف أن الدستور المصري يساوي بين جميع المصريين، ولا يمكن ان يحال أساتذة الجامعات الى التقاعد في سن الـ‬60، بينما يحال القضاة في سن الـ‬70 عاماً.

وأكد أن «الثورة قامت لاجل المساواة وليس لتقنين مكاسب غير مشروعة»، واعتبر طوسون، أن من يرفضون قانون السلطة القضائية اليوم هم من يريد تسييس القضاء، لان القضاة يعملون وفقاً للدستور والقانون وليس وفقاً لآرائهم الشخصية.

وقال طوسون إن هناك عشرات القضاة الذين يصدرون احكاماً ويعتلون منصة القضاء متهمون بتلقي رشا وتزوير انتخابات والتربح بسبب الوظيفة، مشدداً على أن محاربة الفساد الذي دمر مصر لن يكون له اي فائدة من دون البدء بمنصة العدالة.

أما المحامي في «التحالف الشعبي اليساري»، سيد دردير فقال إن لقاء مرسي ومشاركته القضاة مؤتمرهم مجرد مسكّن للأزمة، وليس حلاً، مؤكداً لـ«الإمارات اليوم»، أن المزايا التي حصل عليها القضاة في عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، تحولت الى جزء من استقلال القضاء في نظر النخبة والقضاة أنفسهم، وفي نظر الكثير من أبناء الشارع، مضيفاً ان أي تشريع يقترب من هذه المزايا «سيشعل الازمة من جديد».

وأضاف أن الرئيس اصبح امام خيارين، الصدام مع حزبه والموالين له الذين يرغبون في تطهير القضاء، أو الصدام مع القضاة «وهو خاسر في كلا الاختيارين».

واعتبر الباحث والناشط في «الجمعية الوطنية للتغيير»، صابر عبدالرحمن، أن جماعة الاخوان تعلم ان القضاء هو الدرع الاخيرة للشعب في محاولة الهيمنة على البلاد.

وقال لـ«الإمارات اليوم»، إن مرسي نجح في تحييد الجيش وبعض الاجهزة الامنية، كما ان الاعلام أثبت عدم قدرته على مقاومة «الأخونة» بمفرده، وإنه اداة لا يمكن ان تعمل إلا من خلال عمل الاخرين، موضحاً ان القضاء وجّه ضربات حقيقية للسلطة وللاخوان، عبر اصداره احكاما بادانة مسؤولين كبار في السلطة، على رأسهم رئيس الوزراء هشام قنديل الذي صدر ضده حكم بالحبس لمدة عام، وحارس نائب المرشد العام لجماعة الاخوان خيرت الشاطر، ونائب الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي للإخوان، عصام عريان، ونائب رئيس «حزب الوسط» (الإسلامي) عصام سلطان.

وقال عبدالرحمن إن مرسي يحاول استباق حكم قضائي متوقع بحبسه وتجريده من منصبه بتهمة الهروب من السجن، مشيراً الى أن المعركة بين الطرفين لا تحتمل حلاً وسطاً، وهي معركة على البقاء وتكسير عظام.

وكانت اتهامات موسعة ساقها انصار التيار الاسلامي ضد القضاء، على رأسها إصدار احكام بالبراءة في جميع القضايا التي اتهم فيها أنصار النظام السابق بقتل المتظاهرين، فيما اطلقوا عليه «مهرجان البراءة للجميع»، وفي المقابل اصدار أحكام مشددة ضد متهمين ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين، واعتبروا تلك الاحكام مسيسة ولا تستند إلى القانون.

تويتر