صراع السلطة بين الرئيس وخامنئي يؤثر بعمق في نتائج الانتخابات الإيرانية المقبلة
مشائي «مرشح» نجاد للرئاسة ينشـــد صداقة أميركا وإسرائيل
في 14 من يونيو ستنظم إيران انتخاباتها الرئاسية، وإذا كانت عمليات التزوير التي رافقت انتخابات عام 2009 قد ألقت بظلالها على النتيجة، فإن الصراع الحالي على السلطة، الدائر بين المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والرئيس محمود أحمدي نجاد، سيكون له تأثيره العميق بالتأكيد في نتيجة الانتخابات المقبلة. وعلى الرغم من أن اللوائح المتبعة تحول دون إعادة ترشح نجاد، إلا أنه يرفض ترك منصبه بهدوء، وبدأ يهيئ لمستشاره وصديقه المقرب جداً، اسفنديار رحيم مشائي، ليصبح خليفته المحتمل. ومن المعروف ان خامنئي لا يحب أياً من أحمدي نجاد أو مشائي، وينظر اليهما كجزء من التيار المنحرف الذي يقف في طريق ولاية الفقيه. ولهذا تعتبر هذه الانتخابات شجارا بغيضا ليس فيه أبطال، وبغض النظر عمن يفوز، فإن الخاسر الحقيقي في ايران هو الديمقراطية.
وعليه سيقوم مجلس صيانة الدستور الإيراني بفحص من يصلح ومن لا يصلح للسباق الرئاسي. واعلن مشائي رسمياً ترشحه في الانتخابات، حيث سيبت المجلس خلال 10 أيام في قبول ترشيحه من عدمه.
مشائي، البالغ من العمر 53 سنة، الذي تبدو عليه ملامح الشباب، اكتسب خبرة واسعة داخل الحكومة الإيرانية والمجتمع، فهو مهندس كهربائي بالدراسة، وعمل في قسم الاستخبارات بالحرس الثوري بعد ثورة 1979 في كردستان، ومحافظة غرب أذربيجان الايرانية. كما عمل في وزارة الاستخبارات، رئيساً للقسم الخاص بالتعامل مع كردستان، ومديراً عاماً بوزارة الداخلية، وعمل أيضاً في الإذاعة الحكومية، ومسؤولاً في بلدية طهران، حيث تعرف إلى أحمدي نجاد، الذي كان رئيساً لبلدية المدينة.
مشائي شغل وظائف عدة خلال فترة أحمدي نجاد الأولى، التي امتدت من 2005 الى 2009، حيث تم تعيينه نائباً للرئيس في بداية ولايته الثانية. وأدى ترفيع مشائي إلى هذا المنصب لإثارة احتجاجات من جانب جهات منافسة، تتمثل في السلطات الدينية الأساسية والشيعة الورعين، والفقهاء. في يوليو 2009، طلب خامنئي اقصاء مشائي من منصبه، الا ان نجاد رفض الإذعان، وأصر خامنئي على موقفه، مذكراً نجاد بأن تعيين مشائي «يتعارض مع مصالحكم ومصالح الحكومة وسوف يسبب الانقسام وخيبة الأمل وسط مؤيديكم. ويجب أن تعتبروا تعيينه باطلاً وملغى».
استطاع المرشد الأعلى في نهاية المطاف ان يحصل على مبتغاه، واستقال مشائي. ولم يزل نجاد يسعى وراءه، الى ان عينه مديراً لمكتبه في سبتمبر 2009. ومرة أخرى رفع ما يسمى بالمبدئيين، المتشددين الذين يؤيدون خامنئي، رفعوا أصوات الاحتجاج، الا ان مشائي تمسك بمنصبه.
الا ان مصادمة نجاد ومشائي مع المؤسسة الدينية، لا تعني أنهما يكافحان من أجل الديمقراطية والحكم العلماني. ويعتبر نجاد دكتاتور مثله مثل خامنئي. حيث استطاع ان يخلص حكومته من المبدئيين والمقربين من خامنئي واحداً اثر الآخر، وأن يحيط نفسه بزمرة من المخلصين. ويعتقد المبدئيون أن مشائي هو القوة الدافعة وراء هذا التطهير، ويخشون من أن استعداده لمقاومة المحافظين من النواحي السياسية والثقافية، والاجتماعية يمثل تهديداً خطيراً للجمهورية الاسلامية.
اذن ما التهديد الذي تواجهه المؤسسة الدينية من مشائي؟ يتمثل التهديد أولاً في دفاعه عن القومية الإيرانية على حساب التيار الإسلامي بوصفها القوة الدافعة للبلد، حين ذكر في عام 2004 ان «التيار الإسلامي قد اخذ دورته في البلاد»، وكرر العبارة نفسها في عام 2008. ويعارض أيضا إجبار النساء على ارتداء الخمار في الأماكن العامة. في يناير 2011، تساءل بحدة: «إذا لم يكن هناك حظر على الخمار، فما نسبة السيدات اللاتي يرتدينه؟».
شهد شهر يوليو من عام 2008 واقعة اخرى لمشائي مثيرة للجدل، عندما أعلن أن «إيران اليوم تعتبر صديقة لأميركا وإسرائيل»، وكان يرمي من وراء ذلك التصريح النأي بنفسه عن التيار الرئيس للحياة السياسية للجمهورية الإسلامية. وأثارت هذه المسألة ضجة كبيرة جعلت خامنئي يشير إلى حديث مشائي في إحدى خطبة بعد أشهر عدة من ذلك بقوله، «هذا ليس صحيحاً وليس من المنطق في شيء، من هم شعب إسرائيل؟ هم الذين استولوا على المنازل، والأراضي، والمزارع، والصناعة، هؤلاء هم حثالة الصهيونية ».
امتد الخلاف أيضاً إلى المجال الديني، اذ يعتبر رجال الدين في إيران أنفسهم انهم يتولون زمام الأمور في البلاد نيابة عن الإمام الـ12، وفقاً لمبدأ ولاية الفقيه، الا ان مشائي يصر على أنه هو أيضا على اتصال مباشر معه. ولا يحب رجال الدين من ينافسهم على هذا المنصب، لذلك اتهموا مشائي بالشعوذة، زاعمين انه يعمل بأوامر من الجن الشيطاني، وانه سحر نجاد. في منتصف عام 2011، ألقي القبض على 25 من معاوني مشائي بتهمة ممارسة السحر والفساد الاقتصادي وإرسالهم إلى السجن.
وإزاء هذه الخلفية، بدأ نجاد قبل اشهر عدة يدفع قدماً بترشيح مشائي، ففي ديسمبر 2012، كلف مشائي برئاسة الأمانة العامة لحركة عدم الانحياز، واصفاً إياه بأنه «موحد، مؤمن، نقي، ذو قلب وعقل شفافين، محب وملتزم بالقيم الإلهية ولكل إنسان على وجه الأرض». صنع هذا التعيين ضجة كبيرة في طهران، طالما انه جاء كدعم علني من قبل الرئيس لمشائي. وعلى الرغم من ان هذا المنصب الذي اضطلع به مشائي ليس كبيراً في حد ذاته الا ان نجاد استغله كفرصة للإشادة بمشائي وان يوضح للجميع أن مشائي خليفته المختار، ما أثار اعتراضات واسعة النطاق من قبل المحافظين الذين شعروا بأن الرئيس استغل منصبه لهذا الغرض.
واستمر نجاد ومشائي يصوران المعارضين لهما بأنهم خصوم للجمهورية الإسلامية والحكم الديني، ويبدو أن الاثنين يعتقدان ان مثل هذا التوصيف قد يساعدهما على استقطاب الحركة المؤيدة للديمقراطية في البلاد والطبقة الوسطى الحضرية.
الا ان الرجلين ليست لديهما قاعدة صلبة عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية وحقوق الإنسان. قد تكون الطبقة الوسطى الحضرية ومعارضي ولاية الفقيه راضين عن هذا الاقتتال بين الرئيس والمؤسسة الدينية، وان نجاد وقف علنا في وجه المرشد الأعلى وتجاهل العديد من أوامره، الا ان الطبقة الوسطى والمعارضين يدركون ايضا مدى الضرر الذي تسبب فيه نجاد لإيران. فقد اصبحت البلاد تحت نجاد ومشائي منبوذة دولياً اكثر من ذي قبل. إذ استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني، بنيامين نتنياهو، جميع الشعارات التي اطلقها نجاد ضد اسرائيل ليحشد الغرب كله ضد إيران، ويحثه على توجيه ضربة عسكرية ضدها.
كيف سيكون الصراع على السلطة اذن؟ فإذا وجد مشائي فرصة لترشيح نفسه، وتمكن من الفوز، فقد يميل نجاد إلى اتباع نهج بوتين ـ ميدفيديف، او لعبة تبادل المناصب، تماماً مثلما تنازل «الرئيس الروسي» فلاديمير بوتين من قبل لـ«رئيس الوزراء الحالي» ديمتري ميدفيديف ليصبح رئيساً، ويصبح هو رئيساً للوزراء، ثم انعكس الوضع ليصبح ميدفيديف رئيساً للوزراء وبوتين رئيساً. وعلى هذا الأساس فإن نجاد سيدع مشائي يصبح رئيساً ثم يستعيد السلطة منه.
ولكن من المؤكد تقريباً أن يتم استبعاد مشائي من معركة الترشح. ونتيجة لذلك، فإن نجاد قد يختار الوقوف في وجه خامنئي وينهي خدمات وزير الداخلية (المسؤول عن تنظيم الاستحقاقات الانتخابية)، معلناً أن الانتخابات لن تجرى، أو يستقيل بدلاً عن ذلك من منصبه.
فإذا حاول نجاد إلغاء الانتخابات، فإن خامنئي سيتدخل مباشرة ويأمر بانعقادها. ومن غير المرجح أن يراهن حكام المحافظات المسؤولون عن الانتخابات في محافظاتهم، والمعينون مباشرة من قبل خامنئي، على الحصان الخاسر (نجاد) ويغامرون بمستقبلهم السياسي خلال هذا الصراع.
وربما يحاول نجاد التوصل إلى نوع من التسوية مع خامنئي، ما يستلزم خضوعه لمطالب المرشد الأعلى، وإجراء الانتخابات من دون مشاركة مشائي، وتنحيه عن السلطة في نهاية ولايته. فإذا فعل ذلك، فإن خامنئي قد يمتنع عن معاقبته هو وحلفائه لعصيانهم اوامره.
حتى ولو حصل مشائي على فرصة للترشح، فإن جميع اوراق اللعب ليست في صالحه، ولهذا السبب سيدعم نجاد مرشحاً آخر تتقاطع مصالحه معه، الا ان خامنئي لن يسمح ابدا لإصلاحي أو لأحد حلفاء نجاد بأن يصبح رئيساً.
أكبر غنجي - صحافي إيراني، ومنشق تعرض للسجن في طهران من 2000 إلى 2006، وكتاباته محظورة في الوقت الراهن في إيران
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news