تغيير الوضع في إيران يحتاج إلى أكثر من مرشحين جدد
الطريق الذي يمر به السباق الرئاسي الإيراني من أجل اختيار مرشح لخلافة الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، تعتريه الدسائس والفتن وتعتوره التقلبات، وعلى الرغم من ذلك تبذل المجموعات السياسية المختلفة قصارى جهدها للترويج لمرشحيها، وتعزيز قوائمها، وتأسيس منابرها. ولكي لا يعتقد أي شخص ان إيران تتنافس بطريقة مشرفة داخل إطار ديمقراطي حقيقي لاختيار الرئيس المقبل، نقول إن للنظام الايراني الكثير من الوسائل التي يستطيع ان يضمن من خلالها انتخاب مرشحه المفضل. وفي نهاية المطاف، فإن القرار حول من سيحكم ايران من المرجح أن يتم اتخاذه في الغرف الخلفية للجمهورية الإسلامية بدلاً من صناديق الانتخابات. ولكن لايزال هناك مرشحان مختلفان جداً عن بعضهما بعضاً، هما الثائر القديم، (والرئيس السابق) أكبر هاشمي رفسنجاني، والمناهض للمؤسسة الدينية، اسفنديار رحيم مشائي، حيث يعتقد الرجلان أن في وسعهما قلب نظام الحكم بطريقة أو بأخرى.
ومنذ صعوده لمنصب المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية في عام 1989، يصر آية الله علي خامنئي على أن مهمة الدولة هي التمسك بالقيم الدينية، والحيلولة دون ان تعمل الضغوط الشعبية على تغيير الهيكل الاستبدادي للنظام. وكان دائماً يأمل في أن تصبح إيران دولة تعج بالسياسيين الذين يرضخون لمشيئته من دون أي اعتراض، ويشاركونه قيم التحجر الفكري، وينظرون اليه على انه الجهة النهائية التي تبت في جميع مجادلاتهم.
ولم يخالفه في مشيئته أي رئيس، سواء من شيوخ رجال الثورة أو من قبل الإصلاحيين، مثل محمد خاتمي، الذي شغل منصب الرئاسة لمدة ثماني سنوات متقلبة. وفي بحثه عن ربيب مطيع اختار آية الله خامنئي، أحمدي نجاد، تلك الشخصية التي لم تكن معروفة إلا لماماً، لكنه واجه - أي المرشد الاعلى - تحدياً آخر لسلطته. كما أن الناخب الإيراني، الذي يعتبر هو الاهم في هذه المعادلة، والذي لديه معايير واضحة للرئيس المقبل، عليه ايضاً الالتزام من غير تردد بإملاءات آية الله.
وخلال معظم العام الماضي، بدا النص الرئاسي يعكس بوضوح ما سيسفر عنه السباق الرئاسي، والذي يتشكل من قائمة متواضعة من شخصيات الصف الثاني من الوزراء والبرلمانيين ورؤساء البلديات الذين اصطفوا من اجل الحصول على الجائزة المتمثلة في المنصب الرئاسي، ثم جاءت فترة التسجيل الفعلية ودخول مرشحين على غير ما هو متنبأ به من قبل، أحدهما سياسي استقطب الكثير من الدهشة والاثارة في البلدان الغربية، وهو رفسنجاني. ومثل هذا الاهتمام أمر مألوف بالنسبة لرجل ملقب بـ «القرش»، كما انه كان دائماً أكثر شعبية في العواصم الغربية منها في شوارع طهران. وبوصفه سياسياً حاضراً عند تأسيس الجمهورية الإسلامية، ومعروف بصلاته القوية بالمجتمع الديني، وله ارتباطاته بطبقة التجار، فهو غالباً ما يعتبر أفضل زعيم يستطيع الابحار بسفينة الدولة في المياه الهائجة. ومع ذلك، فإن قراءة العالم الغربي لرفسنجاني كانت مبنية على فهم غير مكتمل خلال فترة ولايته في السلطة.
وخلال فترة رئاسته فقد لمس الحاجة إلى التغيير، لكنه عندما واجه مقاومة من المحافظين تراجع بسرعة وتخلى عن مبادئه المعلنة، ويرى ان التنمية تعتبر أمراً إلزامياً، ويتردد في بناء دولة فعالة، ويدعو إلى سياسة خارجية واقعية، لكنه يظل يكرس الارهاب كأداة من أدوات فن إدارة الحكم. ويفعل والد القنبلة النووية الايرانية الكثير من اجل تعزيز البرنامج النووي الايراني، لكنه يتحدث في الوقت نفسه لغة الاعتدال.
وعلى العكس من ذلك فإن مشائي على ما يبدو يشكل منبراً أكثر جاذبية. فهو سياسي انخرط في قضايا قومية، وأساء للحوزة الدينية عن طريق الإيحاء بأن الإسلام لا يعرف الوساطة الكهنوتية بين الله والمؤمنين، ومعروف انه مكروه من قبل خامنئي، وربما لهذا السبب يبدو مرشحاً شعبيا مثالياً. الا ان ارتباطه مع أحمدي نجاد وفترة رئاسته الكارثية لابد أن يقللان من جاذبيته السياسية.
وفي نهاية الامر فإن المرشحين اللذين من المحتمل ان يهزا السباق الرئاسي قد يتعثران بسبب التناقضات الخاصة بهما. وحتى لو حصلا على الفرصة للانضمام للسباق الرئاسي فمن غير المرجح أن يمارسا الكثير من التحدي لمرشح المؤسسة في نهاية المطاف (المرشد الديني). والسبب في ذلك ان ايران لم يعد من الممكن إصلاحها من خلال أحكامها الدستورية، أو العمليات الانتخابية.
ومن الصعب أن نشير في هذه المرحلة الى الشخص الذي سيختاره آية الله خامنئي ليصبح الرئيس التالي. فربما يستقر رأيه على مفاوضه النووي، سعيد جليلي، المعروف عنه الخنوع للمرشد، ومعروف عنه ايضاً تنظيره الجاد، ومحدودية ذكائه. وفي هذا المجتمع السياسي المشوه الذي خلقه آية الله خامنئي، فإن مثل هذه المؤهلات تعتبر اوراق اعتماد مثالية للترويج لمنصب الرئاسة.
راي تقي - زميل في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news