تونس نفد صبرها على السلفيين المتـــشددين
حتى وقت قريب ظل السلفيون المتطرفون في تونس متمسكين بالاعتقاد أن بلدهم هي أرض الدعوة وليست أرض الجهاد. وعملت الحكومة الاسلامية المنتخبة بعد ثورة عام 2011 على منحهم حرية نشر اعتقادهم، الأمر الذي جعل أكثرهم تشدداً يرى أنه ليس هناك أي داع للمواجهة مع أحد. ولكن هذا التعايش بين الطرفين انتهى الآن، بعد أن صعدت الحكومة ضد الجماعة السلفية المعروفة باسم «أنصار الشريعة»، وما قاله زعيمها (سيف الدين الرايس) إنه ينبغي حماية الإسلام في تونس تماماً، كما هي الحال في أماكن مثل أفغانستان والعراق وسورية.
ووصل الخلاف إلى أوجه بين الطرفين نهاية الأسبوع الماضي عندما أدت محاولة «أنصار الشريعة» إلى تحدي الحظر الذي فرضته الحكومة على الاجتماع السنوي لها، الأمر الذي نجم عنه اشتباكات عنيفة في إحدى ضواحي مدينة تونس العاصمة، وفي مدينة القيروان الواقعة في وسط البلاد. وأعلن رئيس الحكومة علي العريض يوم السبت الماضي، أن «أنصار الشريعة» لم تكن منظمة شرعية، وعليها أن تمتثل بالقانون أو «يتم إنهاء وجودها» وبناء عليه دخلت تونس مرحلة جديدة من المواجهة بين أنواع عديدة من الايديولوجيات الإسلامية المتنافسة في الدولة الجديدة.
وكما هي الحال في أماكن أخرى في هذه المنطقة، فإن السياسة الرسمية في تونس يطغى عليها حالة الاستقطاب بين الأحزاب الإسلامية الليبرالية مثل النهضة في تونس والإخوان المسلمين في مصر والأحزاب الإسلامية الأخرى السلفية. وفي حقيقة الأمر فإن ثمة أنواعاً مختلفة من السلفية بداية من الذين يتمحور هدفهم الوحيد حول الوعظ بالعودة إلى الإسلام النقي، الى الذين ينشدون القتال في «جهاد عالمي». ومن غير الانصاف أن نضع جميع السلفيين في مركب واحد، كما انه يصعب أحياناً رسم خط واضح بين هذه الجماعات التي تحمل أهدافاً مختلفة.
وفي تونس كانت «حركة النضهة» الإسلامية تأمل أنه عن طريق السماح للجماعات السلفية بالعمل علانية، فإنها ستظل غير عنيفة. ولكن قادتها يؤكدون أنهم لن يقبلوا بالقمع الذي كانوا يتعرضون له خلال حكم النظام السابق. وتعتقد النهضة أن «السلفية الصارمة» كانت غريبة بالنسبة للمجتمع التونسي، ولذلك فإن تأثيرها سيظل محدوداً.
وكما تقول المحللة السياسية آن وولف التي تعيش في تونس وتكتب في صحيفة «ذي ناشيونال» الصادرة من ابوظبي، فإن الاستراتيجية الاساسية للسلفيين تهدف إلى تجنيد الشبان من التونسيين من خلال خدمات الرعاية الاجتماعية التي يقدمونها بحيث يقدمون أنفسهم «جزءاً مكملاً من المشهد التونسي»، وبالتالي فإنها تشكل تحدياً للحزب الحاكم.
وإضافة الى ذلك، وكما لاحظ العديد من الناقدين لحركة النهضة، فإن الحكومة لم تتعامل بحزم مع الذين هاجموا أو ضايقوا الفنانين أو الصحافيين، أو أفسدوا اجتماعات المعارضة العلمانية، الأمر الذي أعطى السلفيين الانطباع بأن الترهيب وسيلة مقبولة.
وبطريقة أو أخرى فإن الاشتباك مع أنصار الشريعة يجري إعداده منذ زمن طويل، حتى ولو ظهرت أولى إشارات الترهيب في سبتمبر الماضي، عندما تم توجيه تهمة الاعتداء على السفارة الأميركية لعدد من أعضاء أنصار الشريعة.
وأسهم السياق الاقليمي في سرعة المواجهة، مع قلق الحكومة التونسية بشأن «تنظيم القاعدة في المغرب» وهي الجماعة المتشددة في شمال افريقيا، التي نمت عشية الحرب في مالي والهجوم ضد منشآت النفط الجزائرية.
وفي الحقيقة، فإن النهضة أصبحت أكثر حسماً إزاء «أنصار الشريعة» بعد محاولة ميليشيات لها علاقة بـ «القاعدة» في المغرب الاشتباك مع جنود تونسيين على طول الحدود مع الجزائر، ما أدى إلى إصابة العديد من الجنود بجروح. ويقولالخبير الأميركي في الجماعات الجهادية آرون زيلين، إن افتقار القوات الامنية للتطور في العثور على هذه الجماعات والاشتباك معها، دفع الحكومة إلى قمع «أنصار الشريعة»، مشيراً إلى أن بعض أفراد هذا الأمن له علاقة بجماعة «القاعدة».
ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في ما يطلق عليه زيلين «الرسالة المزدوجة للأنصار»، فهذه الجماعة كانت تعمل للتبشير في تونس، ولكن في دعم الجهاد خارج تونس والسماح لبعض أعضائها بالقتال مع الجماعات المتشددة في سورية ومالي. ولطالما كانت هذه الازدواجية صيغة خطرة، كما أنها كانت دائماً مصدر استفزاز للمتاعب داخل تونس.