تخشى خوض حرب غير مضمونة في الشرق الأوسط
تراخي أميركا الحالي بشأن سورية أفضل من التدخل
يحق للرئيس الأميركي باراك أوباما مقاومة الضغوط المتزايدة عليه من أجل التدخل العسكري في سورية، وأرى انه على صواب في ذلك. فمثل هذا التدخل لن يجعل الوضع في سورية أفضل، بل بالتأكيد سيزيده تعقيداً وسوءاً.
وهذا التقدير يمكن أن يتغير، وسيكون من المنطقي النظر في إمكانية التدخل لحماية المصالح الحيوية للأمن القومي الأميركي أو لمنع مجازر وعمليات إبادة جماعية ضد الإنسانية كبيرة وخطيرة من حجم تلك التي شهدتها رواندا في عام 1994، وفي الوقت الحالي فإن أياً من هذين المبررين غير موجود، على الرغم من مقتل ما لا يقل عن 70 ألفا منذ بدء صراع غير متكافئ بين النظام السوري الذي يتمتع بتسليح جيد ومعارضيه.
كما أدى النزاع الى تشريد وتهجير اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري وتحويلهم الى لاجئين خارج سورية ونازحين داخلها. ويشير تفجير السيارة الذي استهدف محاولة اغتيال رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي في دمشق أواخر الشهر الماضي، الى بعض اوجه الضعف في السيطرة الأمنية لقوات النظام على العاصمة، وأن اختراقه أمنياً أمر ممكن.
ولدى المسؤولين الأميركيين حالياً اعتقاد بأن نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد ربما يكون قد استخدم الأسلحة الكيماوية أكثر من مرة ضد قوات المعارضة، لكنهم يقولون إنهم ليسوا متأكدين من ذلك. وسبق للرئيس أوباما أن حذر من أن هذا خط أحمر يتعين على الأسد ألا يتجاوزه.
وقال إن ثبوت استخدام الاسد غاز الأعصاب (السارين) من شأنه أن يغير قواعد اللعبة، ويساعد في تسريع تحرك دولي ضد النظام.
وأضاف أوباما «لا يمكننا الوقوف صامتين بانتظار استخدام الاسلحة الكيماوية وغيرها ضد الشعب السوري».
ويبدو من الواضح تماماً أن أوباما ليس راغباً في خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهو ما يتمناه وينتظره منتقدوه ليخفف من معاناة الشعب السوري. وليست هناك مظاهر تشابه كثيرة بين أودية سورية وجبالها وقراها ومدنها التاريخية القديمة والصحراء الشاسعة في ليبيا، حيث كانت غارات الطائرات الأميركية في إطار تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) كافية لهزيمة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وقواته.
وتقع سورية في قلب العالم العربي، ولديها حكومة راسخة وجيش حسن التسليح وتحظى منذ وقت طويل بدعم قوى كبرى مثل روسيا ودول قوية مثل ايران، ويمكن القول ان احداث العامين الماضيين أضعفت نظام الأسد، لكنه مازال بعيداً عن الهزيمة والانهيار. ولا يخفي المسؤولون الأميركيون رغبتهم في تنحي الأسد ورحيله، ولكن إذا كان الربيع العربي قد علم العالم شيئاً فهو انه في حال إسقاط الطغاة فإن من يتسلم السلطة من بعدهم أمر لا يقل أهمية. وفي حالة سورية التي تستأثر بموقع استراتيجي، فإن من سيخلف نظام الأسد أمر في غاية الأهمية.
ويبدو جلياً أن الإسلاميين يسيطرون بشكل متزايد على جيش المعارضة السورية ويظهرون قدراً كبيراً من الانضباط وحسن التنظيم والفاعلية في أرض المعركة. ويبدي المسؤولون في الاردن قلقاً متزايداً من احتمال سيطرة مقاتلين إسلاميين مرتبطين بتنظيم «القاعدة» على مناطق من سورية، حيث حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، خلال زيارته لواشنطن أخيراً من تنامي وجود تنظيمات «إرهابية» في المجتمع السوري. وبالطبع فإنه سيكون من الخطأ المساعدة في إنقاذ نظام ديكتاتوري وقمعي معزول مثل نظام الأسد بسبب نشاطه وفاعليته في إسكات مسلحين إسلاميين، ولكن بالمقابل سيكون ضرباً من الجنون تزويد الثوار المعارضين للأسد بأسلحة فتاكة وتوفير فرص التدريب لهم مع وجود مخاوف متزايدة من تهديدهم لمصالح أميركا وأمنها وحلفائها.
وتبدو الأمم المتحدة ضعيفة وعاجزة عن فعل شيء لحل الأزمة السورية بسبب استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) ضد أي قرارات بشأن هذه الأزمة ما يمنع أي محاولة للتدخل الدولي.
وهذا يعني أنه ليس أمام الولايات المتحدة فرصة للتدخل في سورية إلا لوحدها منفردة أو من خلال حلف (الناتو) أو تحالف دول راغبة من الحلف وخارجه غير أن الرغبة لا تبدو متوافرة بشكل تسهل ملاحظته من الناحية العملية. وهناك من يتساءل: هل يساعد التدخل الأميركي على إنقاذ أرواح المدنيين؟ ربما، ولكن إذا ما رد نظام الأسد على فرض منطقة حظر جوي فوق سورية من جانب الاميركيين باستخدام دباباته وعرباته بشن المزيد من الهجمات الوحشية على المدنيين الأبرياء في المدن والقرى، فما الذي يمكن ان يفعله الأميركيون حينئذ؟ هل يباشرون شن غارات بطائرات من غير طيار على مناطق تجمع قوات الأسد وتمركزها على أمل تدميره أو إخراجه أو قتله أو أسره؟ أو بداية لتورط أميركي جديد؟ احتمالات كل منها كارثة لا يمكن تصورها. ما تشهده سورية حالياً يكفي في حد ذاته لتحطيم قلب أي شخص، ولكن في الوقت الحالي، فإن الأمر الصحيح الذي يمكن عمله هو البقاء بعيداً عن سورية وعدم التدخل.
يوجين روبنسون كاتب ومحلل سياسي أميركي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news