مع تزايد الدعوات إلى تدخل خارجي لوقف الحرب الأهلية

‬5 أفكـار خاطئة عـن الأسلحة الكيماويـــة في سورية

إحدى الصور التي تظهر سوريين يعانون آثاراً مرضية تدل على استخدام أسلحة كيماوية. أ.ب

في وقت تتزايد فيه الدعوات إلى تدخل خارجي في سورية لوقف الحرب الأهلية الدائرة هناك منذ أكثر من عامين، تتحدث بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عن مدى جدية وصدقية التقارير التي تحدثت عن استخدام القوات الحكومية السورية الأسلحة الكيماوية، ولفهم هذا الموضوع على نحو أفضل لابد من توضيح بعض الأفكار الخاطئة والخرافات بهذا الشأن:

أولاً: شهود العيان يبلغون عن استخدام الأسلحة الكيماوية

نظراً إلى أن سورية لم تسمح لمحققي ومفتشي الأمم المتحدة بدخول أراضيها، فإن معظم المعلومات والأدلة المتاحة عن استخدام الأسلحة الكيماوية تعود إلى شهود العيان. وذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية، الأسبوع الماضي، أنه «لا دخان من دون نار، كما انه ليست هناك أي إشارة إلى أنه تم استخدام أي غازات سامة على الرغم من ظهور بعض الأعراض، كالسعال المستمر والعنيف والحكة والحرقة في العيون ومعاناة صعوبات في التنفس».

والمشكلة في مثل هذه المعلومات والتقارير أنها لا تحدد بدقة أي نوع من الأسلحة الكيماوية تم استخدامه، وما إذا كانت الغازات السامة التي تم استخدامها تعتبر أسلحة، وهذا ضروري لتقرير كيفية الرد. وتعمل وزارة الخارجية الأميركية من أجل تنظيم لقاء بين فنيين ومهنيين في مجالي الطب والتمريض، قالوا انهم شاهدوا أدلة على هجمات بالأسلحة الكيماوية في سورية، ومحققين من الأمم المتحدة في تركيا، إضافة إلى أنه سيتم فحص وتحليل عينات من الدم والبول من الضحايا وعينات من التربة من المناطق التي تمت فيها الهجمات. ومن شأن بقايا وآثار المواد الكيماوية الصناعية زيادة صعوبة تقرير ومعرفة ما حدث، ولا سيما وأن الانفجارات قرب بعض المنشآت الصناعية، ربما تكون قد أدت إلى تمزق وتدمير صهاريج للمواد الكيماوية ما أدى إلى تسرب غازات سامة.

ثانيا: استخدام الأسلحة الكيماوية يغير قواعد اللعبة

واجه الرئيس الأميركي، باراك أوباما، انتقادات لعدم متابعته العملية والجادة لما أعلنه في مارس الماضي، من أن استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية سيكون عاملاً كبيراً وحاسماً من عوامل تغيير قواعد اللعبة. وحاول أوباما، في أبريل الماضي، تقديم توضيح لملاحظاته، بالقول انه كان يقصد أنه «ليس بالأمر اليسير بالنسبة للولايات المتحدة، وإن كان كذلك بالنسبة للمجتمع الدولي، وإنه تم إرساء أعراف وتقاليد دولية ووضع قانون دولي». نعم، هناك قوانين دولية، فاتفاقات جنيف لعام ‬1925 تعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية خروجاً على القانون الدولي، كما يحظر قانون الأسلحة الكيماوية الذي بدأ تطبيقه في عام ‬1997 انتاج أو تطوير وتخزين واستخدام الغازات السامة. غير أن الأسلحة الكيماوية لا تغير قواعد أي لعبة سياسية بصورة دائمة ومستمرة. فمحققو الأمم المتحدة الذين حققوا في استخدام هذه الأسلحة في الحرب العراقية الإيرانية، وجدوا آثار غاز الخردل في الـتربة، وشـظايا قـنابل وذخائر، واكتشفوا الأعراض الصحية الدالة على استخدام هذا الغاز لدى فحص عشرات الجنود، وتوصلوا إلى انه تم استخدام غاز سام مرات عدة ضد إيران، لكن في ظل القطيعة في العلاقات بين طهران وواشنطن، فإن تعاطف الأخيرة مع العراق كان قوياً بوضوح ما حال دون معاقبته.

كما كانت الأسلحة الكيماوية أحد مبررات توجه الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، وحليفه رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، إلى غزو العراق في ‬2003. واليوم فإن معلومات وتقارير استخبارية خاطئة، وغير دقيقة جعلت الولايات المتحدة أكثر تردداً في الإعلان عن تغير قواعد اللعبة.

ثالثاً: الأسلحة الكيماوية ليست أسلحة دمار شامل

يتفق النقاد والخبراء المختصون على التقليل من خطر الأسلحة الكيماوية، مشيرين إلى أن الهجوم بغاز السارين في ‬1995 على أحد الأنفاق في طوكيو لم يوقع إلا ‬13 ضحية، وهو عدد قليل، وأن مجمل استخدامات ذلك الغاز السام أسفرت عن ‬1٪ من مجموع عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى، لكن توخياً للدقة فإن كل شخص يشم أو يستنشق أو يلامس أقل كمية من غازات الأعصاب (السارين)، سيموت خلال دقائق، ما لم يتم الإسراع إلى تداركه بالعلاجات وأنواع الترياق اللازمة. ويعمل غاز الخردل على إحراق وتجفيف الرئتين والجلد، ويخلف ضعفاً مزمناً طوال الحياة لكل من يصاب به اذا لم يقتله على الفور. وفي مجمل الأحوال، فإن الأسلحة الكيماوية ليست مدمرة أو فتاكة كالأسلحة النووية، ولكنها تشتمل على عناصر التدمير الشامل والحقيقي. فالهجوم العراقي على حلبجة في عام ‬1988 ادى إلى قتل ‬5000 كردي وإصابة اكثر من ‬7000 آخرين. وهناك تفسيرات منطقية لتدني عدد ضحايا الأسلحة الكيماوية مقارنة بالأسلحة النووية، فالانتشار السريع والواسع لأقنعة الغاز خلال الحرب العالمية الأولى نزع فاعلية وحدة الفتك الشديد لها، ولم يزد عدد ضحاياها على ‬90 ألفاً، مع أن هناك العديد من الهجمات بهذه الأسلحة لم يسفر عن سقوط ضحايا. وفي الهجوم على نفق طوكيو على سبيل المثال، استخدم المهاجمون كمية صغيرة من غاز السارين ذي القوة الضعيفة والمحدودة. ويتساءل بعضهم : لماذا لم يقع ذلك العدد الكبير من القتلى نتيجة استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية؟ ربما لأنه تم استخدام كميات ضئيلة من الغاز السام بسرعة، ولعبت الرياح في إبعاد إثارها، أو لأن لدى سورية عوامل كيماوية مخالفة أو ليست مطابقة للمواصفات ما يفقدها الفاعلية.

رابعاً: الرد الأفضل على التهديد بالأسلحة الكيماوية عسكري فقط

تستمر الجهود الإقليمية والدولية لدفع الجهود الدبلوماسية باتجاه عقد مؤتمر «جنيف ‬2» للسلام في سورية، وسط دعوات متزايدة ومتعالية لتسليح المعارضة السورية، وإقامة منطقة حظر جوي فوق سورية. ورفع الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي الحظر الذي كان يفرضه على شحنات الأسلحة، بينما بقيت مخاوفه قائمة بشأن احتمالات وقوع هذه الأسلحة بين أيدي جماعات تابعة لتنظيم القاعدة. كما أن إقامة منطقة الحظر الجوي ستسحب القنابل والقذائف الجوية من معادلة التوازن، لكنها لن تشل فاعلية صواريخ وقذائف الغازات السامة. وأثناء الأزمة التي سبقت الحرب على العراق في عام ‬1992، وزعت إسرائيل على سكانها أقنعة الغاز. ويمكن للولايات المتحدة أن تحشد الدول لتزويد الأطباء السوريين بالعلاجات وأنواع الترياق الخاصة بغازات الأعصاب، وكذلك تزويد مسلحي المعارضة بأجهزة تحسس ورصد الأسلحة الكيماوية. وتحتاج أقنعة الغاز، التي يحتاج السوريون إلى ارتدائها، إلى تعليمات واضحة باللغة العربية حول كيفية استخدامها وصيانتها.

خامساً: الأسلحة الكيماوية لا تشكل تهديداً إلا في سورية

بعد تدمير ‬80٪ من مجمل مخزون العالم من الأسلحة الكيماوية في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بقيت بعض الدول المنبوذة والمعزولة تحتفظ بكميات من هذه الأسلحة وتتعامل بها، وهو عمل يعد على نطاق دولي واسع «عملاً قذراً».

ونشهد في المستقبل مزيداً من الصعوبات والشرور في رصد الأسلحة الكيماوية وتتبع مصادرها وجهاتها، بسبب التقنيات التي طرأت على التصنيع والتخزين والنقل والاستخدام وزيادة انتشار المنشآت ذات الأغراض والاستعمالات المتعددة، ما يسهل إخفاء برامج انتاج الغازات السامة، ويغري بعض الدول لإخفاء كميات من هذه الغازات والأسلحة في أماكن سرية. كما أن الخطر لايزال ماثلاً في إمكانية وصولها إلى أيدي جماعات متطرفة ومنظمات خارجة على القانون قادرة على إلحاق الأذى بأكبر عدد ممكن من المدنيين.

آمي شميثسون - باحثة في مركز «جيمس مارتن» لدراسات حظر انتشار الأسلحة الكيماوية والنووية

تويتر