حاجات الشباب التركي لن يستطيع أردوغان تلبيتها. أ.ب

أردوغان لايزال مصمماً على قيادة القطار

عندما كان رجب أردوغان عمدة إسطنبول، أواسط التسعينات، كان مسؤولا ناجحا تمكن من تحسين ظروف المعيشة في مدينته، التي أصبحت خالية من النفايات والاختناق المروري، كما أصبح هواء إسطنبول نقيا بفضل المواصلات الصديقة للبيئة، وكان دائما يردد في مكتبه أمام الصحافيين، حينها، أنه يعمل مثل «القطار.. تقوده إلى أن يصل إلى الوجهة التي يقصدها ثم تتنحى جانبا».

مثل هذه القصص قد تفسر أسباب التظاهرات ضد رئيس الوزراء التركي خلال الأيام الماضية، أردوغان الذي ينحدر من ضاحية متواضعة في إسطنبول، يعلم جيدا مفهوم التركي البسيط للديمقراطية، لم يحدد يوما «الوجهة» التي تسير إليها الآلة الديمقراطية في بلاده، وبعد ‬15 عاما، بات أكثر الأتراك يعتقدون أن السيد أردوغان ينوي التنحي عن القطار، بعد أن يكتسب سلطة لا يمكن لأي قوة سياسية أن تضاهيها.

نشأ حزب العدالة والتنمية، الذي يقوده رئيس الوزراء منذ ‬2001، بعد انشقاق مجموعة من الشباب الإصلاحيين عن الحركة الإسلامية في تركيا، وحينها كان أردوغان يعمل مع رفقاء لا يقلون عنه أهمية، مثل عبدالله غول الذي يشغل منصب رئيس الجمهورية، ولا يمارس السياسة بشكل فعلي الآن، ومع مرور الوقت أصبح أردوغان هو الحزب، وبات الحزب هو أردوغان، وهذا أمر لا يهتم به الأتراك كثيرا، فالحزب يحتكر الأغلبية في البرلمان منذ ‬2002.

حديقة ميدان تقسيم، كانت القطرة التي أفاضت كأس أزمة سياسية عميقة، تمخضت عن ‬10 سنوات من الحكم، بالنسبة للكثير من المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع، أخيرا، فإن أردوغان أخطأ منذ البداية، أما مناصرو حزب الشعب الجمهوري، الذي يضم النخبة «الأتاتوركية» العنيدة والطائشة التي لا تمتلك رؤية سياسية، وأتباع الحزب الديمقراطي الاشتراكي، فهم يعارضون حزب العدالة من حيث المبادئ.

وتقول تقارير إن يساريين ومعارضين للرأسمالية انضموا إلى الاحتجاجات، كما شوهدت مجموعات تنتمي إلى أحزاب صغيرة، ليس لها نفوذ سياسي، تحمل الأعلام التركية في الميدان الشهير، ومع ذلك، فالغضب ذهب أبعد من المصالح الحزبية المعتادة.

لقد كان رد فعل رئيس الوزراء غاضبا، مهددا بجلب ملايين المؤيدين إلى الشوارع، قد يكون أسلوب الزعيم التركي مؤسفا، لكنه كان محقا في الإشارة إلى ملايين المؤيدين لسياسته، وعندما حقق حزب العدالة والتنمية نصرا غير مسبوق بفوزه بـ‬47٪ من الأصوات في ‬2007، حصل رئيس الوزراء على دعم وتأييد شريحة واسعة من الشعب التركي، التي تتكون من متدينين وأكراد وليبراليين ورجال أعمال، ومواطنين بسطاء شهدوا تحسنا في مداخيلهم خلال ولاية أردوغان الأولى. وبفضل هذا الدعم الشعبي الكبير مضى أردوغان قدما في إحداث تغييرات كبيرة بالاقتصاد والسياسة، متجاهلا الانتقادات، وكانت له اليد الطولى في اعتقال وإسكات خصومه السياسيين السلميين، الأمر الذي أحدث صدعا في الائتلاف الذي يقوده، إذ تنحى الليبراليون وانسحب الأكراد، في حين شعر رجال الأعمال وأصحاب الشركات بالخوف من حكومة قوية، أثبتت أنها على استعداد لمعاقبة الشركات التي لا تظهر الولاء لرئيس الوزراء وحزبه.

مع ذلك لجأ أردوغان إلى الترهيب والتكتيكات الاستبدادية الأخرى، وحقق انتصارات انتخابية مثيرة للإعجاب، في يونيو ‬2011، أعاد الناخبون رئيس الوزراء وحزبه إلى السلطة بواقع ‬50٪ من الاصوات، وحتى اليوم، مع استمرار الغاز المسيل للدموع في التطاير، ليس هناك شك في أن أردوغان سيفوز في الانتخابات المقبلة، ومن الصعب أن نرى كيف يمكن للمعارضة المحتضرة الاستفادة من عثرات أردوغان.

وعلى الرغم من أن أنصار حزب العدالة والتنمية يراقبون التطورات الحالية بشيء من الذعر، إلا أنه ليس في نيتهم إلغاء بطاقات عضويتهم، وذلك بسبب، سجل أردوغان الحافل بالإنجازات، عندما كان عمدة لمدينة إسطنبول، كما أنه قام بأشياء كثيرة خلال فترة رئاسته للحكومة، لجعل حياة الأتراك أفضل بشكل ملحوظ، فقد شهدت البلاد في عهده تقدما في وسائل النقل، والرعاية الصحية، والفرص الاقتصادية ذات ألاهمية البالغة لنمو الطبقة الوسطى، التي تكافئ ذلك بالأصوات الانتخابية.

لقد حقق رئيس الوزراء إنجازات كبرى لتركيا، إذ جعلها القوة الاقتصادية رقم ‬17 في العالم، وسدد جميع ديونها الخارجية التي وصلت إلى ‬34 مليار دولار عندما تولى حزبه الحكم، ورفع مستوى الدخل الفردي ثلاثة أضعاف، وحقق الاقتصاد التركي في عهده نسبة نمو معتبرة.

والمشكلة بالنسبة لأردوغان، على الرغم من جهوده الجيدة، أن القطار الذي أشار إليه عندما كان عمدة إسطنبول توقف عند ميدان تقسيم، حيث بعث كثير من الأتراك إشارات بأنهم لم يعودوا يسمحون بالديكتاتورية التي يمارسها.

ستيفن كوك خبير دراسات الشرق الأوسط

الأكثر مشاركة