أردوغان تعامل مع التظاهرات بفهــــم خاطئ
قد يكون هناك شيء مشترك بين التظاهرات الأخيرة ضد حكومة رجب طيب أردوغان في تركيا، وتلك التي واكبت ثورات «الربيع العربي» في دول عربية، ألا وهو ردود الفعل القاسية من قبل القادة السياسيين، الذين شعروا بأن هذه التظاهرات تنال من هيبتهم وتختبر قوتهم.
فقد كانت حسابات أردوغان بعيدة عن الصواب منذ البداية، حيث كان متردداً للغاية في فهم تلك التظاهرات الفهم الصحيح وأخذها على محمل الجد، وهذا أمر خاطئ سيندم عليه كثيرا على ما يبدو.
ومن المفهوم أن يشعر رئيس الوزراء التركي بأن استمرار الاحتجاجات بميدان تقسيم في إسطنبول مثل تحدياً سافراً لسلطته، وله الحق في أن يرى أن استمرار هذه الاحتجاجات سيؤدي شيئاً فشيئاً إلى الإضرار باقتصاد البلاد، الذي عمل طويلاً وبشكل دؤوب، من أجل الوصول به إلى هذه المرحلة من الازدهار والنمو.
وأثارت الطريقة التي تعامل بها أردوغان مع المحتجين انتقادات محلية وخارجية، ووصفها بعض المنتقدين بأنها طريقة «قبيحة وغير ذكية»، مشيرين إلى أن أردوغان لطالما عبر عن سخطه جراء استمرار هذه الاحتجاجات، ووصف المحتجين بـ«الرعاع».
وشعر كثيرون في تركيا وخارجها ببارقة أمل، عندما أعلن أردوغان أنه سيجتمع مع قادة الاحتجاجات، مشيرين إلى أن التظاهرات هزت حكومته ومكانته وسلطته، رغم أنه يرأس حكومة منتخبة بصورة ديمقراطية، ولديه نسبة كبيرة من المؤيدين.
وقال بعض قادة المحتجين إنه لا يمكن الوثوق بالشرطة والحكومة في تركيا، بعد كل الذي حدث «ولن نصمت بعد اليوم، وكل ما أردناه قليلاً من الحرية». وقال أحدهم «لا أخشى خسارة عملي وثروتي أو حتى حريتي، غير أنني لا أستطيع عيش حياة مذلة بعد الآن، وإن المتظاهرين وثقوا برئيس بلدية إسطنبول وقائد الشرطة، حينما أكدا لهم أنه لن يتم اقتحام الميدان والمتنزه».
وأطلقت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة على المحتجين، وشعر معظمهم بأن الحكومة لن تفهم أبداً معنى المقاومة، التي تعتمد على «مبدأ اللا عنف»، أو «المقاومة السلمية»، التي نادى بها كل من مارتن لوثر كينغ والمهاتما غاندي.
وأشار أحد الصحافيين إلى أنه خائف اليوم، ليس على نفسه، بل على خطيبته ووالدته وأخته وعلى بلده، بعد أن عاش السنوات الماضية في خوف من التعبير عن أفكاره، ولم يفعل ما هو ضروري لانتقاد أردوغان، لكنه تخلص من هذا الخوف.
وطالب ناشطون يمثلون المحتجين ـ في لقاء مع نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج ـ الحكومة بفتح تحقيق شامل في العنف، الذي تعرض له المتظاهرون، ومحاسبة المسؤولين عنه من ضباط الأمن، والإفراج عن المعتقلين، لإظهار النيات الحسنة لحكومة أردوغان.
ولم تتردد الولايات المتحدة ـ أوثق حلفاء تركيا في الغرب ـ في إبداء قلقها إزاء ما جرى من تظاهرات، وكيفية تعامل الحكومة والشرطة معها، ودعت إلى الإسراع في بدء حوار بين الحكومة والمحتجين، قائلة إنها ترى أن ضمان الحريات الأساسية في التعبير، والتجمع، والتظاهر، والإعلام المستقل، هو الضمان الحقيقي والأكبر لأمن تركيا واستقرارها وازدهارها. وقال أردوغان إنه لابد للمتظاهرين من مغادرة الميدان، وإنه مستعد للقاء ممثليهم وقادتهم، لكنه يرفض بشدة أعمال العنف، ويعتبر التظاهرات جزءاً من مؤامرة ضد حكومته، وأنه لن يتسامح مع المصممين على مواصلة الاحتجاجات.
ووصف مراقبون تهديد رئيس الوزراء التركي للمتظاهرين بأن من قاموا بهذه الاحتجاجات «لن يفلتوا من العقاب»، بأنه «غير لائق»، لأنه تقويض لروح الديمقراطية، التي تكفل حرية التعبير والتظاهر والاحتجاج.
وقال الرئيس التركي عبدالله غول، الذي يعتبر صوت اعتدال في فريق أردوغان، إنه لا يمكن للحكومة أن تتسامح بشأن استمرار الاحتجاجات، وأي أعمال تفسد الحياة اليومية، لكنها مستعدة للاستماع إلى وجهة نظر المتظاهرين ومطالبهم.
ويذهب فريق من المحللين الى أن التظاهرات انفجرت، بسبب التراكمات الناجمة عن سياسات وقرارات حكومة أردوغان، التي تجسد رغبتها القوية في فرض نمط ديني محافظ من الحياة على الشعب، والبلاد التي تسير على قوانين علمانية منذ عقود، غير أن أردوغان ينفي تلك الاتهامات، ويؤكد التزامه بتلك القوانين. كما دعا انصاره إلى الخروج والتظاهر في مختلف المدن والمناطق، لإظهار الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها حكومته المنتخبة بطريقة ديمقراطية، وأن سياساتها وقراراتها تحظى بتأييد وقبول شعبيين كبيرين.