متاعب أردوغان تهدد اتفاق السلام مع الأكراد
يعد حل المشكلة الكردية في تركيا مسألة صعبة بكل المقاييس، وتفاقمت هذه الصعوبة مع اندلاع الاضطرابات السياسية الكبيرة، وأصبحت تركيا مرة ثانية في حروب سياسية غير محسوبة، كما أن الدولة تعيش متاعب عميقة، ويمكن أن تتغير الاحداث بسرعة، لكن حتى الآن يبدو أن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان في وضع التحدي أمام جميع الاحزاب السياسية المعارضة. وحتى الآن فإن أردوغان يبدو غير متساهل، ويواصل تصوير الاحتجاجات على أنها «مؤامرة» قام بها العديد من الارهابيين «الاعداء الداخليون والخارجيون، والعديد من أكياس المال».
والبعض قرأ أن اليهود مقصودون بذلك، ويخطط أردوغان الآن لإقامة تظاهرات أضخم وأكبر في اسطنبول وأنقرة، ويبدو أن تركيا في طريقها نحو الانقسام، إلا إذا غير أردوغان تكتيكه، ويمكن أن تؤدي هذه التطورات إلى إنهاء أول جهود جدية، لكن صعبة جداً لحل القضية الأكثر صعوبة في تركيا والمتمثلة في مستقبل الأكراد.
ومنذ وصوله الى السلطة عام 2002، قام أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية» بخطوات مهمة على صعيد القضية الكردية، بدءاً بفتح محطة تلفزيون باللغة الكردية وانتهاء بالسماح بتعليم برامج اللغة الكردية في الجامعات. وأهم من كل ذلك أن أردوغان وضع القضية في الصدارة، وبدأ الرجل أيضاً بمفاوضات مع رئيس حزب العمال الكردستاني الموجود في السجن عبدالله أوجلان لإنهاء ثلاثة عقود من التمرد، والتي كلفت أكثر من 40 ألف ضحية. وحتى الآن فإن تركيا تقطف ثمار عملية السلام، وتوقف العنف أخيراً بعد أن أعلن «حزب العمال» وقف إطلاق النار وبدأ بسحب قواته من تركيا.
وخلال عملية انسحاب حزب العمال الذي يمثل انعطافاً كبيراً في تاريخ الصراع الطويل، تجري عملية الاصلاحات في الإدارة المحلية والتعليم وقوانين الانتخاب ومكافحة الإرهاب. ويتطلب ذلك دستوراً مدنياً جديداً، لكن الانتفاضة وموقف أردوغان منها أثار التساؤلات بشأن مستقبل عملية السلام، التي تتطلب قبل كل شيء مزيداً من الديمقراطية. وإضافة الى ذلك، فإن هذه الأحداث يمكن أن تسبب أضراراً لأردوغان وتمنعه من القيام بالخطوات الصعبة السياسية والضرورية والتغيرات التي لا تحظى بالشعبية في الدستور من أجل حل القضية الكردية الى الابد.
خلال فترة الانتفاضات الحالية، كان الحفاظ على عملية السلام في قمة أولويات الحركة السياسية الكردية. وعلى الرغم من أن أكثر من 60 إقليماً قد شملتها الاحتجاجات، إلا أن هدوءاً نسبياً ساد في المدن الكردية الرئيسة. وعلى الرغم من أن أحد أعضاء البرلمان من الأكراد منع ماكينة الحفر من قلع الأشجار في حديقة جيزي ووضع حجر الأساس للاحتجاجات الضخمة، إلا أن الحركة السياسية الكردية كانت متشككة إزاء الاحتجاجات. وهنا يمكن أن يعزا ذلك الى عدم وجود الكثير من الساخطين منهم على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ومن الواضح أن الأحزاب السياسية الكردية لا تنوي المخاطرة بعملية السلام عن طريق إثارة غضب أردوغان. وكان قادة حزب العمال الكردستاني أعربوا عن تضامنهم مع المحتجين ضد رئيس الحكومة «الدكتاتوري»، لكنهم أعربوا عن قلقهم بأن التظاهرات المستمرة يمكن أن تتحول ضد عملية السلام. ويعتقد بعض الأكراد أن إضعاف أردوغان يجعله عاجزاً عن القيام بالتغييرات السياسية الضرورية من أجل حل القضية الكردية، لكن إذا تمسك أردوغان بخطه المتشدد، سيصبح من الصعوبة أكثر على الأكراد بالبقاء بعيدين عن التظاهرات، لكن تصريحات الزعيم الكردي عبدالله أوجلان التي امتدح فيها المحتجين، وطالب الاكراد بعدم ترك الشوارع للقوميين وداعمي «الدولة العميقة»، يمكن أن تكون إشارة إلى تورط أكبر في الانتفاضة.
في الوقت الراهن، فإن السيطرة السياسية لأردوغان ومعجزته التركية قد اهتزت، وربما ينهار «جدار الخوف» في المجتمع، وعندها فإن الشعب ربما يصبح أكثر استعداداً لرفع صوته ضد الإجراءات التي تتخذها الحكومة أو السياسات التي لا يحبونها، الأمر الذي من شأنه جعل عملية تغاضي الحكومة عن المعارضة العامة مسألة أكثر كلفة، وسقطت الصورة الدولية لأردوغان، الأمر الذي يمكن أن يضعف قدرته على تنفيذ سياسات جذرية وغير شعبية (كالتغيير المهم في الدستور، ومنح الحكم الذاتي لبعض الاقاليم، وربما تغييرات في وضع سجن أوجلان) من أجل حل المشكلة الكردية.
وحتى الآن فإن أردوغان لايزال صلباً أمام المحتجين، ورفض محاولات نائبه بولنت ارينج، ورئيس الجمهورية عبدالله غول تهدئة الجماهير الغاضبة، وأعلن انه سيواصل خططه في إزالة حديقة جيزي وإنشاء مجسمات عن الثكنات العثمانية مكانها. وبدلاً من إظهار الليونة والقلق من المحتجين الذين يواصل نعتهم «باللصوص والمتطرفين»، فإنه يرجع الى قاعدته الانتخابية، ويمكن أن يكلفه هذا التحدي ثمناً سياسياً باهظاً.
وأدى أسلوبه في تحدي المتظاهرين إلى إثارة الغضب حتى في أوساط حزبه، ويمكن أن يعمق الانقسام في داخله، خصوصاً مع الرئيس غول. لاسيما أن هذه العلاقة متوترة أصلا، وتجلى ذلك للمرة الاولى عام 2012 عندما قام المدعي العام في اسطنبول باستدعاء رئيس المخابرات هاكان فيدان من أجل التحقيق في قضية كردية، لكن أردوغان تدخل لمنع ذلك. وعلى الرغم من أن الطرفين يحاولان التغطية على تدهور علاقاتهما، إلا أن التوتر يظل ظاهراً. وبالنظر الى أن غول مؤثر في أوساط قوات الامن والقضاء ووسائل الاعلام التابعة لهما، وإنه كان متردداً بالنسبة لموضوع السلام مع الاكراد، فإن ذلك ينعكس سلباً على أردوغان الذي تتزايد قوته وتفرده بالسلطة.
وسيظل حزب العدالة والتنمية هو المسيطر، لكن من المبكر قول أي شيء محدد بشأن المدة التي سيواصل فيها أردوغان سيطرته السياسية، وقدرته الفريدة في تنفيذ التغييرات الثقافية والسياسية والاجتماعية من دون مواجهة المزيد من التحديات.
لكن مصير عملية السلام مع الأكراد ستظل مرتبطة مع أردوغان وتأثيره، ولن تحدث من دونه. ومن المهم الإشارة الى أن جهوده الكردية لم تكن تحظى بالشعبية، ولذلك إذا تضاءلت ثروته السياسية، فإنه سيواجه صعوبة أكبر لتقديم التنازلات الضرورية للأكراد، الأمر الذي يؤدي الى تخفيض احتمال التوصل الى اتفاق.
وتشير الاحتجاجات إلى أن أردوغان يمكن أن يجبر على بناء إجماع أكبر عبر الجماعات السياسية والمدنية، على الرغم من قوة حزبه في البرلمان، من أجل وضع دستور جديد، والأكثر أهمية أن جهوده لكتابة دستور جديد يضمن حقوق الأكراد يمكن أن تزداد صعوبة، ويمكن أن تقع عملية السلام الصعبة أصلاً، ضحية متاعب أردوغان السياسية وتضاءل سمعته.
مورتون إبراموفيتس عمر زاربلي سفير أميركي سابق في تركيا باحث تركي