المصريون بحاجة ماسة إلى «عملية سلام» مع بعضهم.. وحكومة مرسي خيبة أمل لهم
مصر تدنو من منزلق خطير
الثلاثاء الماضي زرت أحد المخابز في إمبابة «الحديث للكاتب»، أحد الأحياء الفقيرة في القاهرة، حيث شاهدت زحاماً شديداً من رجال ونساء وأطفال، يتدافعون للحصول على الخبز. ينبغي الوصول إلى هناك مبكراً، لأن الخباز يصنع فقط كمية ضئيلة من رغيف الخبز المدعوم، ويبيع ما تبقى من طحين تقدمه له الحكومة في السوق السوداء، لا سيما للمخابز الخاصة التي تدفع ثمنه خمسة اضعاف سعره الرسمي. ويقول إنه ليس لديه خيار، لأن تكاليف الوقود ترتفع باستمرار. ويمكنك مشاهدة أكياس الطحين المدعوم يجري تهريبها على الأكتاف من الباب الخلفي للمخبز. أخبرني أحد أصحاب المخابز قائلاً، «هذه أصعب مهنة في مصر»، لأن الجميع ينظرون دائماً اليه شذرا، لاسيما أولئك الذين يصطفون في وقت مبكر، لكنهم يرحلون دون الحصول على الخبز.
هذه أيام صعبة على مصر، معينها من العملة الصعبة على وشك النضوب، ولا يتوافر لديها ما يكفي لشراء البنزين والديزل لتشغيل محطات الكهرباء، طوابير طويلة تصطف في محطات الوقود، وتتفاقم الاختناقات المرورية في القاهرة المختنقة اصلاً، وأصبح انقطاع الكهرباء أمراً مألوفاً. وفي شارع غير معبد قريب من المخبز، فتح عدد قليل من الرجال غطاءي احد المجاري كاشفين للعيان طيناً اسود مقزز انتشر على مستوى الشارع تقريباً، مستخدمين قضبانا حديدية طويلة رقيقة في محاولة لفتح انسداد المجرى. ثار الكثير من الجدل حول أفضل طريقة لحل هذه المشكلة. وفي الخلفية، ومن خلال نافذة مفتوحة، تسمع اصوات الأطفال في إحدى المدارس القرآنية يرددون بصوت مرح الآيات خلف معلمهم.
هذه صورة مصغرة لمصر- تراكمت الكثير من المشكلات على مدى سنوات عدة وعلى وشك ان تتدفق نحو الشارع، لا يتفق أحد في الطريقة التي يتم بها علاج ذلك - والأداة الوحيدة التي يستخدمونها تشبه علاقة ملابس طولها 30 قدماً.
وكأنما لم تكن الأمور سيئة بما فيه الكفاية، حيث تزيد الظروف الطبيعية مزيدا من الضغوط على مصر. فضغوط المناخ والماء والطعام والسكان تتشابك وتتوحد مع الضغوط السياسية والاقتصادية بشكل يفرض تحدياً حتى على أفضل القادة، ومصر لديها اليوم قادة أكثر مهارة. إذ شهدت القاهرة الشهر الماضي درجات حرارة وصلت إلى 113 درجة فهرنهايت، بزيادة 20 درجة فوق المعدل اليومي.
سد النهضة الإثيوبي
تحدثت العناوين الرئيسة في صحف القاهرة الأسبوع الماضي عن عزم إثيوبيا بناء أكبر سد في إفريقيا على النيل الأزرق لتوليد الكهرباء. وتدعي الصحف أن من المرجح ان تنخفض حصة مصر من الماء عندما يمتلئ الخزان خلف السد، وحيث إن 85 مليون شخص في مصر يحصلون على 97٪ من المياه العذبة من نهر النيل، فإن هذا السد سيخلق ازمة كبيرة. ويتحدث بعض كبار المسؤولين المصريين عن إمكان القيام بعمل عسكري محتمل لمنع السد من الاكتمال. ويوم الاثنين الماضي تحدث الرئيس محمد مرسي، علناً مخاطباً إثيوبيا: «نحن لا ندعو للحرب، لكننا لن نسمح لأمننا المائي أن يصبح عرضة للتهديد»، ويضيف أن مصر «ستبقي جميع الخيارات مفتوحة». وردت إثيوبيا بتحدٍ، حيث تحدث رئيس وزرائها، هيلي ماريام ديسالين، قائلاً «لا شيء هناك ولا أحد يمكنه ايقاف بناء السد».
ربما يصبح غزو إثيوبيا الخيار الوحيد المفتوح امام مرسي. فقد شكلت حكومته خيبة أمل كبيرة بالنسبة لكثير من المصريين. العديد من غير الإسلاميين صوتوا لمرسي، وكانت تلك هي الطريقة الوحيدة التي اصبح من خلالها رئيساً منتخباً - لأنهم شعروا بأنه لا يمكنهم التصويت لمصلحة مرشح يفضله أنصار الدكتاتور السابق حسني مبارك، وأيضاً لأنهم صدقوا وعده لهم بأنه سيشرك الجميع في حكومته. وهذه المجموعة من غير الاسلاميين المؤيدة لمرسي يطلق عليها الشعب المصري «عصارو الليمون»، وهو تعبير ينطبق على الشخص الذي يكون مضطراً لأكل شيء لا يحبه، فإنه يقول في هذه الحالة «سأعصر عليه ليمون اولاً».
عندما تتحدث لعصاري الليمون هذه الأيام - الليبراليين، والمحافظين، والقوميين الذين يشكلون المعارضة - تحس منهم كرهاً واضحاً حيال جماعة الإخوان المسلمين، وأنهم تعرضوا للسرقة من هذه الجماعة. وهناك شعور قوي ايضاً بأن جماعة الاخوان المسلمين خدعوا عصاري الليمون والفقراء ليصوتوا لمرشحيهم، وفشلوا الآن في إصلاح البلاد أو السماح لبقية الشعب المشاركة في السلطة، بل أصبحوا مشغولين بمحاولة فرض المعايير الدينية. هذه المعارضة استطاعت أن تنظم حملة وطنية شاملة حصلت على 10 ملايين توقيع بشأن الدعوة لتنحي مرسي عن الحكم، والدعوة الى انتخابات جديدة. وفي 30 يونيو ستصل حملتهم إلى ذروتها في تظاهرة مناهضة لمرسي على مستوى الدولة. ولايزال مرسي يتمتع بدعم في المناطق الريفية الأكثر تقليدية.
ما الذي يجب القيام به بشأن هذه الفوضى؟
وفي محاولة للإجابة عن هذا السؤال قمت بشيء مختلف في هذه الرحلة. لم أتحدث إلى أي سياسي، وركزت بدلاً عن ذلك على مجموعة صغيرة من الناشطين في مجال البيئة شارك العديد منهم في انتفاضة 2011 التي أطاحت بمبارك. ركزت عليهم لأنني أعتقد أنه في حين أنهم قد لا يعرفون ما هو كاف لإصلاح مصر (ومن الذي يستطيع أن يفعل ذلك؟)، فإنهم يعرفون ما هو ضروري لذلك:
مصر بحاجة إلى ثورة
أليس هذا ما حدث قبل عامين؟ لا لم يكن الأمر كذلك، فقد اتضح الآن أن ما حدث قبل عامين لم يكن سوى لعبة كراسي وليس ثورة. أولاً استغل الجيش طاقة المتظاهرين الذين يقودهم الشباب في ميدان التحرير، لخلع مبارك، ثم أطاحت جماعة الإخوان المسلمون بالجيش، والآن تحاول المعارضة طرد الاخوان المسلمين. كل واحد من هؤلاء يعول على سياسة الأكثرية القديمة، الفائز يأخذ كل شيء، والخاسر لا يحصل على شيء.
ولكن الحقيقة هي أن أي فصيل من الشباب، أو الجيش، أو الإخوان المسلمين، يعتقد أن في إمكانه حكم مصر وحده ويعمل على تغييب الآخرين إنما يخدع نفسه. (كما هي عليه الحال في سورية واليمن والعراق وليبيا)، لأن مصر عبارة عن حفرة عميقة، وأن الإصلاحات اللازمة تحتاج إلى عمل مؤلم للغاية، ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا إذا شارك الجميع في تحمل المسؤولية، في المرحلة الانتقالية من خلال حكومة وحدة وطنية. وفي إطار هذا المفهوم فإن المصريين اليوم في حاجة ماسة إلى «عملية سلام» - ليس مع إسرائيل، ولكن مع بعضهم بعضا.
على الجميع أن يتحمل المسؤولية العامة، بدلاً من تحمل المسؤولية الخاصة بهم. وهذه هي الثورة الثقافية الحقيقية، التي يجب أن تحدث في مصر من اجل التجديد. وهنا تكمن الميزة التي يتفوق بها رجال البيئة على السياسيين، لأنهم يفكرون دائماً في المشاركة، وهي مشاركة الموارد. الموارد العامة في مصر - الجسور، والطرق، والحدائق، والشعاب المرجانية - كلها تتداعى.
أنا هنا أبحث عن كيفية مساهمة الضغوط البيئية في الصحوة العربية، كجزء من فيلم وثائقي لشوتايم: «سنوات العيش تحت الخطر» هذا الأسبوع سافرنا إلى مرسى علم، على البحر الأحمر، مع أحمد الدروبي، احد اعضاء حملة السلام الأخضر في مصر، وعمرو علي، رئيس حماية البيئة في الغردقة، وهي جماعة معنية بالحفاظ على البحر الأحمر، والنظر في كيفية الصيد الجائر وارتفاع درجات حرارة المياه، التي ادت إلى تبييض بعض الشعاب المرجانية الخلابة على البحر الأحمر. وعندما شرعنا في الغوص لمعاينة هذه الشعاب، حاول الدروبي أن يشرح لي المشكلة المحورية التي تعانيها مصر، مشيراً إلى أن حركة المرور في القاهرة هي واحدة من أسوأ حركات المرور في العالم، حيث يهتم كل سائق بنفسه دون مراعاة الآخرين.
ما يحدث في شوارع القاهرة يحدث أيضا على طول ساحل البحر الأحمر. كل صاحب فندق يعمل لنفسه، في حين تشيح الحكومة الفاسدة بوجهها في الاتجاه الآخر. بعض أصحاب الفنادق، يعمل على توسيع مساحاته من الارض أو يسعى لكسب بعض الشاطئ، الأمر الذي يسبب ضغطاً على الشعاب المرجانية، كما أن الأنشطة البحرية غير منظمة، وتسبب ازعاجاً للدلافين في المناطق الخاصة باستراحتها لتكون في مأمن من أسماك القرش. الصيادون يلجأون للصيد المفرط - خصوصاً صيد أسماك القرش، التي تباع لحومها وزعانفها - ويستخدمون الديناميت والشباك التي تساعد على قتل أسماك الشعاب المرجانية متعددة الألوان، جنباً إلى جنب مع سمك الهامور. ونتيجة لذلك، أصبح النظام البيئي للشعاب أقل قدرة على التكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري.
الاختلاف الذي شعرت به في مصر، رغم ذلك، هو أنها تغص بالشباب الموهوبين الذين يفهمون أن مصر بحاجة إلى خطة شاملة، وطويلة الأجل، ومستدامة للتجديد الوطني. هؤلاء الشباب يفهمون أيضاً أن أولئك الذين يقولون إن العرب حاولوا كل شيء - الناصرية، الاشتراكية، الشيوعية، البعثية، الليبرالية، والإسلاموية - ولم يظفروا بشيء، هم مخطئون. هناك أمر واحد لم يجربوه من قبل وهو حماية البيئة. الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها مصر ودول الصحوة الاخرى الحصول على ديمقراطيات واقتصاديات مستدامة هي الارتفاع بالممارسات البيئية الى مستوى التفكير السياسي. ومن دون ذلك، فإن الأمر لن يعدو ان يكون سوى لعبة كراسي.
توماس فريدمان - صحافي أميركي مهتم بالشرق الأوسط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news