يجب على الغرب أن يعطي حسن روحاني فرصة
يبدو انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران أمراً مثيراً، مثل أي لحظة من الماضي القريب، الذي عرف بـ«الربيع العربي»، وكان أمرا غير متوقع، وبالطبع فإن إيران ليست دولة عربية، وهي تتمتع بمحاولة طويلة في ترسيخ الديمقراطية، التي تعرضت للإحباط في الماضي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقبل ظهور النتائج، انتقد كثير من المراقبين الانتخابات، وقالوا إنها نوع من التجميل، وإنها عديمة الفائدة، إذ أعرب 35 مليون إيراني عن رفضهم الشديد لواقعهم، وعبروا بوضوح عن رغبتهم في التغيير، وكان الوضع الكارثي للاقتصاد متشابكا في عقول الناخبين مع السياسة الخارجية الفاشلة، لدرجة أن الاثنين أصبحا قضية واحدة.
وربما تؤدي الجمهورية الاسلامية، المتجسدة في القائد الأعلى آية الله خامنئي ومجلس صيانة الدستور، إلى إثارة استغراب الأجانب، عن طريق عدم التدخل وعدم قبول النتيجة، ويمكن أن يكون لدى المتشددين بعض الاستغراب، لكن الحماسة للسيد حسن روحاني باتت ظاهرة، سيصعب على النظام تجاهلها، وكان المعلقون الغربيون قد تجاهلوا السيد روحاني، باعتباره «محافظاً معتدلاً وجزءاً من النظام»، لكن حملته كانت صريحة وشجاعة، فقد هاجم المتشددين، ورجال المخابرات الذين يوقفون الناس في الشوارع، كما دعا إلى إطلاق سراح الأسرى السياسيين، وقبل أيام في أول مؤتمر صحافي له، دعا روحاني في المجتمع من أجل «لئم الجراح مع الولايات المتحدة».
ويشير المتشككون في صدق الرجل، إلى أن السيد روحاني لا يسيطر على العديد من روافع السلطة، إذ أنه لا يسيطر على ميليشيا الباسيج، أو حراس الثورة، وليست له سلطة على القضاء، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان بالنسبة له الإيفاء بوعوده في ما يتعلق بالسجناء السياسيين. ومع ذلك، فإن كلا الرئيسين الإصلاحيين السابقين محمد خاتمي، ورافسنجاني شجعا الناخبين على التصويت له.
ويمتلك السيد روحاني الخبرة في عدد كبير من المجالات في الجمهورية الاسلامية، إذ كان عضوا في جمعية رجال الدين الخبراء، ومجلس الأمن الوطني، ونائب رئيس مجلس الشعب، ونائب قائد القوات المسلحة، وأحد المفاوضين في القضية النووية، ومن الميزات الإيجابية بالنسبة له، أنه يحظى بثقة كل من خاتمي وآية الله خامنئي.
وينبغي إخضاع صدق الرجل للبرهان بالطبع، كما أنه من الحكمة دائما التعامل الحذر مع إيران، لكنّ ثمة أخطاراً حقيقية في المبالغة في الحذر والتشكك، كما أن الفرصة الناجمة عن هذه الانتخابات لن تستمر لوقت طويل، وسيكون الموقف كارثيا إذا كانت ردة فعل الغرب على روحاني، شبيهة بما كانت عليه الحال على سلفه خاتمي، الذي قدم المساعدة على غزو أفغانستان، وفي المقابل وجد بلاده تصنف في «محور الشر»، وفشل خاتمي في تغيير إيران بصورة جزئية، بسبب المعارضة الداخلية، لكن أيضا بسبب انعدام التشجيع من الغرب، وهو لايزال يلقي باللائمة على عناد العالم الغربي في فشله.
وليس كافيا من الغرب تقديم العرض الحالي في ما يتعلق بالقضية النووية، والقول أنه لايزال ينتظر روحاني لقبوله، وكان مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو برجنيسكي قد حث الغرب على أنه يجب ألا يضغط على إيران فقط، إذ إنه وحسب اتفاقية الحد من الأسلحة النووية من حقها تخصيب اليورانيوم على أرضها.
والسمة التي تلائم السيد روحاني، أنه نفسه كان مفاوضا في المسألة النووية، في ظل حكم الرئيس خاتمي، ويعرف القضايا جيدا، وكانت ايران، في ظل وجوده، قد أوقفت تخصيب اليورانيوم، ويدرك روحاني أن مؤيديه ينشدون وبتعطش حلا للمسألة النووية، وأن الاقتصاد لن يتطور دون التوصل إلى هذا الحل.
وأصبحت القضية النووية أكثر صعوبة، في ظل تورط ايران مع «حزب الله» في سورية، ويبدو أن ذلك في طريقه إلى الزيادة، وترى ايران نفسها أنها تقوم بحماية مصالحها الوطنية.
وربما تكون إيران دولة دينية على الصعيد الداخلي، لكن السياسة الخارجية تقودها إلى حد كبير المصالح الوطنية، والهم الأمني أكثر من الدين، ولو كانت الحال غير ذلك، لما ارتبطت إيران بعلاقات وثيقة مع أرمينيا المسيحية.
ويمكن ألا يكون هناك حل سياسي للمسألة السورية من دون إيران، وبناء عليه يتعين على الغرب أن يدعو إيران للمشاركة في المحادثات المتعلقة بسورية، وإذا تم عزل دولة من 70 مليون نسمة، ومحاول إبعادها عن العالم الخارجي، فإنه لن يكون من المستغرب أن تقوم بتشكيل أحلاف مع لاعبين غير الدول العربية بالمنطقة.
وبالطبع، فإن تشديد العقوبات لن يفيد روحاني في إقناع الآخرين بالتخلي عن الشك في العالم الغربي، ويحذر آية الله خامنئي من أن الحوار مع الولايات المتحدة سيتم استخدامه من أجل تقويض الجمهورية الاسلامية. ومع ذلك فقد خول التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، وقال إنه ليس من المحتوم أن تظل الولايات المتحدة عدوة لإيران. وأظهرت هذه الانتخابات مرة ثانية أن الجمهورية الاسلامية ليست متعصبة ومتشددة بالمجمل، وكان نظام الاتحاد السوفييتي قد أنتج أمثال ميخائيل غورباتشوف، الذي قالت عنه مارغريت تاتشر «إنه الرجل الذي نستطيع التعامل معه»، وينطبق ذلك أيضا على روحاني، بيد أنه بحاجة إلى مساعدة الغرب، للقيام بما يريد القيام به، والبداية الجيدة، والاشارة الجيدة، تكون بإعلان حكومة بريطانيا فتح سفارتها في طهران.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news