معظم أجزاء المدينة تحول إلى خرائب بسبب القتال

تمزق النسيج الاجتماعي في حلب بعد هرب تجارها

أصحاب صناعة النسيج في حلب أسسوا متاجر وورشاً في الدول المجاورة. أ.ف.ب

كان التاجر الحلبي ينظر بحزن إلى عدد من الورش والأعمال الصغيرة في مدينة غازي عنتاب الصناعية التركية التي فرو إليها منذ بضعة أشهر مع عدد من التجار. وقال بتفاخر حتى في مثل هذه الظروف «لو كنا نتقن اللغة، ونعرف أساليب التعامل لكنا سيطرنا على الجميع». وأدت الحرب الى تدمير مجتمع الأعمال في حلب وتشتيت مالكي المصانع الصغيرة الحجم، والتجار الذين يشكلون عمودها الفقري.

وتعتبر حلب قلب سورية الاقتصادي الأكثر أهمية من دمشق، إذ إن حلب كانت مركزاً اقتصادياً وصناعياً على طريق الحرير بعيداً عن السلطة السياسية، لكن معظم أجزاء المدينة تحول الآن إلى خرائب بسبب قتال الجيش السوري وفصائل المعارضة للسيطرة على المدينة.

ونظرا لعدم وجود نهاية قريبة لهذا الصراع، قام العديد من تجار حلب بتأسيس متاجر وورش في الدول المجاورة، حيث يتعلمون كيفية العيش من دون العادات المميزة لمجتمعهم الحلبي، وعلاقات الثقة التي قامت عليها ثقافة الأعمال في حلب. وعلى الرغم من أن مصدر القلق في حلب له علاقة بالنظام، إلا أن معظم مشروعات الأعمال في حلب كانت صغيرة، وتعتمد على آليات وشبكات غير رسمية من أجل بقائها في ظل عقود من الادارة البعثية للاقتصاد.

ويخشى عدد من المحللين من أن حلب لن تكون قادرة على استعادة وضعها التاريخي كمركز اقتصادي قوي بعد أن تمزق المجتمع الحلبي الذي لطالما ظل متماسكاً بسبب الحرب والاغتراب.

ويقول الخبير الاقتصادي سمير عبود من مركز كارنيجي للأبحاث في الشرق الاوسط «ليس أمام رجال الأعمال ما يحفزهم على العودة، وأعتقد أن النسيج الاجتماعي للمشهد الصناعي قد تمزق، وربما لن يتم إصلاحه من جديد».

وتعتبر مدينة غازي عنتاب، التي تبعد ساعتين بالسيارة عن مدينة حلب، الوجهة المفضلة بالنسبة للحلبيين الذين يفرون من المدينة، لكنهم يريدون البقاء على ارتباط بها، لكن التحديات التي يواجهها هؤلاء حتى بعد تركهم حلب تسلط الضوء على تميز ثقافة الأعمال التي تركوها خلفهم، وصعوبة الحفاظ عليها في الاغتراب في ظل استمرار الحرب.

وكما هي الحال بالنسبة لمعظم رجال الاعمال الحلبيين، أمثال التاجر الذي قدم نفسه باسم أبوأحمد، فإنهم يعملون في مجال النسيج، حيث يستوردون موادهم من آسيا من أجل شركات صنع الملابس المحلية. ويعمل في الشركة التي تديرها عائلة أبوأحمد ستة عمال، وعندما اندلعت الحرب، أدرك أبوأحمد أن عليه اتخاذ القرار، إما أن يستأجر رجلا للحراسة أو ينتمي الى إحدى الجماعات المسلحة، لكنه قرر المغادرة للحفاظ على اسمه «نظيفاً»، وهو يعتقد أن واحداً من متاجره على الاقل تعرض للنهب. ويقول «المال يأتي ويذهب لكن إذا خسر المرء سمعته فإنه لن يتمكن من استرجاعها مرة ثانية».

ويرغب معظم المغتربين الحلبيين في بدء أعمالهم في مصر كما يقول أبوأحمد «لأن الحياة فيها رخيصة، وليس هناك حاجز اللغة»، لكن بالنسبة لأبوأحمد فإنه يشعر بأنه يمكنه القيام بالأعمال في مدينة غازي عنتاب التركية، لأنه يتمتع «بسمعة طيبة» هناك مع رجال الاعمال الاتراك، وقلة من زبائنه في حلب انتقلوا الى هذه المدينة، ولكن الفائدة الاقتصادية للأعمال في مدينة غازي عنتاب أقل مما هي في حلب، لأنه يتعين عليه ان يدفع المزيد من الجمارك على الاستيراد، كما يقول. وهو يشعر بالقلق من احتمال إلزامه بتشغيل عمال أتراك بتكاليف أكبر (السلطات المحلية أنكرت أنها تنوي القيام بذلك) ويقول أبوأحمد «إنه أفضل من عدم القيام بأي شيء».

وهو يعمل بجد كي يعتاد على الزبائن الذين يدفعون بالشيكات، إذ إن التعامل في مجتمع الاعمال في حلب يتم بالسيولة النقدية، ولهذا فإن السمعة والعلاقات الشخصية مهمة جداً. وثمة رجل أعمال آخر يعيش في غازي عنتاب قال ضاحكاً، انه وضع ‬150 ألف دولار في يد صبي في الـ‬17 من عمره، ولم يره مرة ثانية بعد ذلك. وبعض رجال الاعمال يتحولون الى أعمال أخرى. ويقول الصناعي أبومحمد، إنه «خسر كل شيء» في حلب. وإنه لا يستطيع تحمل المنافسة مع الصناعة التركية ذات التمويل الافضل، ولذلك فإنه يفكر في افتتاح مطعم. ويقول ضاحكاً «إذا لم أنجح في هذا المشروع فإنني سأبيع الفاكهة في الشوارع».

وكما هي الحال لدى الآخرين فإن أبومحمد يجد من الصعوبة بمكان التكيف مع تحوله إلى موضع شفقة وعطف من قبل زملائه من رجال الاعمال الاتراك الذين كانوا يبدون له الاحترام. وحتى اندلاع الحرب الأهلية، كانت مدينة غازي عنتاب تعتبر شقيقة صغرى لجارتها الأضخم والاكثر شهرة في طريق الحرير حلب، كما أن تغير الاحوال يعتبر مؤلماً لكرامة الحلبيين. ويقول أبوعبده الذي دمر مصنعه خلال القتال في حلب «إذا دخل رجل أعمال تركي الى هذا الفندق فإن الجميع سيقفون مرحبين به، لكن يمكن أن يدخل رجل أعمال سوري أكبر منه لكن دون أن يدري به أحد».

ويقول أحد الأكاديميين الباحثين، الذي درس ثقافة الأعمال في سورية، إن هذا «الاعتداد بالنفس» الذي يتمتع به رجال الأعمال الحلبيون يمكن أن يساعدهم على إعادة بناء أعمالهم من جديد. وأضاف «يمكن لبعض الاعمال أن تنتهي الى الأبد، لكن بعضها الاخر يمكن إعادة بنائه، ولكن هذه الروح التي يتمتع بها رجال أعمال صناعة النسيج في حلب هي التي ستساعدهم على ترميم أوضاعهم».

تويتر