دلالات فوز روحاني في سياسة إيران الخارجية
جاء الفوز الحاسم من الجولة الأولى للإصلاحي المعتدل حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الايرانية الاخيرة مفاجئاً، الى حد كبير، للكثيرين داخل إيران وخارجها. وبالإضافة الى ان فوز روحاني كان خسارة وانتكاسة لقوى المحافظين الايرانيين، فإن فوزه كذلك ترتب عليه اكثر من مجرد تعديل على توازن ميزان القوى على الساحة الداخلية في ايران، ليتعدى ذلك الى تعزيز روح التسامح الوطني، وتقبّل الاختلاف والرأي الآخر، والانتقاد البناء والمتبادل، والحفاظ على الثقة العامة في النظام الانتخابي في إيران، بعد أن اهتزت هذه الثقة بقوة، بعد الجدل الذي تبعته احتجاجات وتظاهرات شعبية كبيرة عقب انتخابات عام 2009.
وعلى الرغم من المساحة المحدودة للمنافسة السياسية في ايران، وحصرها بالقوى الاصلاحية المعتدلة نسبياً، والقوى المحافظة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، إلا أن هذا لم يمنع من اعطاء حيوية سياسية وملامح ديمقراطية للنظام الانتخابي العام في ايران، وتعزيز الثقة السياسية فيه من جانب اغلبية الايرانيين.
وجاءت الانتخابات الرئاسية الاخيرة نزيهة وصحية، وتعكس قدراً كبيراً من الشفافية، واقبالاً كبيراً من الناخبين، ما أسهم في اضفاء قدر كبير من الامن والاستقرار والثقة في النظام السياسي الايراني. ومن المتوقع ان تتم ترجمة هذه المزايا والامور الايجابية على ارض الواقع، والعمل على تحسين التسامح السياسي داخلياً، وتعزيز الثقة في النفس، على صعيد التعامل مع معطيات السياسة الخارجية لإيران. كما سيتم تحديد اتجاهات السياسة الخارجية الايرانية، من خلال عمل وأفضليات النخب السياسية الفاعلة على الساحة الداخلية، والقيود الخارجية. وقد وعد روحاني بانخراط ايران وتفاعلها ايجابياً مع العالم الخارجي، من خلال انتهاج سياسة خارجية رشيدة ومنطقية، ومحسوبة الخطوات والحركات، تراعي معطيات النظام السياسي في إيران وتوازناته، ومن خلال الفهم الصحيح لفكرة ان تغيير الرئيس لا يستتبعه بالضرورة تغيير سياسي متطرف، داخلياً او خارجياً. وحتى خلال حكم الاصلاحيين المعتدلين منذ منتصف التسعينات وحتى ما بعد عام 2000 بسنوات قليلة، لم تشهد السياسة الداخلية او الخارجية في ايران تحولات متطرفة، وإن كانت بعض الامور التي استجدت في بعض مجالات السياسة الخارجية وحقولها واضحة المعالم. وهناك من يتساءل: هل يكون روحاني خاتمي ثانياً؟
هذا يتوقف على كيفية نظرته لمختلف القضايا على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكيفية نجاحه في اتخاذ القرارات التي تحدث تأثيراً ملموساً في معالجة تلك القضايا. وثمة طريقة اخرى للحصول على إجابة واضحة عن هذا السؤال، وهي تحديد معالم نهج روحاني محلياً وخارجياً، وعناصره ومكوناته، ومقارنة ذلك بمكونات نهج خاتمي الذي أدى فوزه الكاسح في الانتخابات الرئاسية في 1997 الى صعود كبير ومهم لحركة الاصلاح الايرانية.
ورغم التشابه الكبير بين الحالتين إلا ان هناك أوجه اختلاف بينهما، منها ان فوز خاتمي أثار الخوف في نفوس المحافظين، بينما لم يحدث فوز روحاني خوفاً مماثلاً في نفوسهم.
ومن المتوقع ألا يواجه روحاني الذي يتمتع بتأييد المرشد الإيراني الاعلى آية الله علي خامنئي مقاومة كبيرة من القوى المحافظة في تحقيق وعوده الانتخابية، على خلاف ما واجهه خاتمي.
وثمة اختلاف آخر بين روحاني وخاتمي، وهو ان الاخير أدار حملته على اساس وعود بإيجاد وتوفير بيئة افضل للحريات المدنية والسياسية في الداخل، وتطبيع العلاقات الخارجية لإيران، والتركيز على التوازن في التنمية، بحيث لا تكون اقتصادية وحسب، بل سياسية واجتماعية ايضاً، في حين ان روحاني أطلق حملته وأدارها على أساس وعود بإدارة اكثر فاعلية للاقتصاد، واندماج وتفاعل بناء، وأكثر إيجابية مع العالم الخارجي، اضافة الى دفاعه عن ضرورة توفير بيئة سياسية واجتماعية داخلية مريحة.
وهذا قد يفسر أسباب التوقعات بأن روحاني سيواجه تحديات اقل من دوائر المحافظين، مقارنة بما واجهه خاتمي في تنفيذ خططه، وقد يفسر اسباب تسابق المرشحين لانتخابات الرئاسة، الى انتقاد السياسة الخارجية للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، خصوصاً موقفه من ملف البرنامج النووي الايراني.
كما يؤشر فوز روحاني الى الادراك الشعبي العام، بأنه سيكون اكثر كفاءة من منافسيه المرشحين المحافظين في التعاطي مع الاحتياجات الفورية على الساحة المحلية، وكذلك في السياسة الخارجية.
بعض وسائل الإعلام الايرانية كتبت عقب اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة تقول، إن هزيمة المرشحين المحافظين كانت ضرورية، وتفوق في ضرورتها توافر الخبز اليومي، وانه يتعين على المحافظين ان يفهموا ان الايرانيين يتوقون الى حياة افضل، اكثر من أي شيء آخر. وعقب فوزه أعلن روحاني انه سيباشر سلسلة من الاجراءات والخطوات لبناء الثقة، منها وقف نشاطات تخصيب اليورانيوم لاكتساب ثقة المجتمع الدولي، في الطبيعة السلمية لبرنامجها النووية. وسيحاول روحاني توظيف الازمة بين إيران والغرب حول برنامجها النووي، لتقوية الاقتصاد الايراني وتحصينه ضد الازمات، والعقوبات والضغوط، من خلال جملة من التدابير الاقتصادية، لتقليل الاعتماد على عائدات النفط، والحد من الواردات غير الضرورية.
أبوالقاسم بينات - محلل سياسي مستقل متخصص في شؤون السياسة الخارجية الإيرانية