كبار مسؤوليها تخلوا عن فكرة استمرار حكم الأسد كأفضل حل

إبتعاد إسرائيل عن النزاع السوري قرار حكيم

صورة «حزب الله» تزعزعت بعد تدخله في الصراع السوري إلى جانب قوات الأسد. رويترز

قبل عامين كان يحكم سورية نظام استبدادي، لكن الأمور كانت مستقرة على كل حال. وبعد حرب أكتوبر عام ‬1973 التي خاضها العرب ضد الدولة العبرية، حافظت سورية على حدود الأمر الواقع بحذر لتكون هادئة دائماً. إلا أن النظام طلب من تنظيمات مسلحة، بما في ذلك «حزب الله» اللبناني، بمحاربة الإسرائيليين والقيام بالمهمة نيابة عنه، في حين كان نظام عائلة الأسد يخزن السلاح والغازات السامة.

وسيكون من الصعب القول إن أي شخص في إسرائيل ينتابه الحنين لتلك الأيام القديمة السيئة، ثم مرة أخرى، فإنه من الصعب العثور على أي شخص يتوقع أياما أفضل في المستقبل.

أولاً: أي مراقب محلي في سورية أو ضابط عسكري كبير سابق سيقول إن الحكومة الإسرائيلية لم تنجح في أن تقرر ما تريد أن يحدث في سورية. الشيء الثاني أن رجلاً كان أم امرأة سيقول إن هذا لا يهم حقا، لا يمكن لإسرائيل أن تؤثر في النتيجة، وجميع الاحتمالات الواقعية تبدو فظيعة.

حالياً، حتى الأمل الضئيل في نظام مستقر في دمشق، مهما كانت معاداته لإسرائيل، يبدو من المثاليات. وإشراك «حزب الله» في هذه الحرب الأهلية بشكل مباشر وعلني لم يغير كثيراً هذه النظرة المتشائمة. كما لم تفعل الوعود الغامضة من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى لإرسال الأسلحة إلى المتمردين السوريين.

صعدت الميليشيا اللبنانية عملياتها الربيع الماضي في سورية بعد أشهر من العمل بعيداً عن الأنظار، لتقدم دعماً ثميناً لنظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، في الوقت الذي كان الثوار قد حققوا تقدماً مهماً على جبهات عدة. وفي نهاية مايو الماضي انضم آلاف المقاتلين التابعين للميليشيا إلى القوات السورية الحكومية في معركة استرداد مدينة القصير، واعترف أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله بدخوله في النزاع بشكل رسمي. ولم تكن المدينة الحدودية وموقعها الاستراتيجي السبب الوحيد الذي يقف وراء دعم الحزب للأسد. فالقصير والقرى التي تجاورها يعيش فيها نحو ‬3000 من الطائفة الشيعية المنتمية إلى الفريق الداعم للنظام، حسب تقرير لمركز «مير آميت» للمعلومات الاستخباراتية والإرهاب، المرتبط بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي.

وعلى الرغم من الانتصار في القصير، فقد أضعفت الميليشيا قدراتها، حسب المحللين الإسرائيليين. وفي ذلك يقول الخبير الإسرائيلي، الأستاذ في جامعة تل أبيب إيال زيسر «عندما تدخل حرباً أهلية لا تعنيك، فأنت تدفع الثمن مقابل هذا التدخل». ويضيف الخبير المتخصص في الشأن السوري، أن «حزب الله يكتشف ذلك حالياً».

أما مدير الأبحاث في مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أنات كورز، فيرى أن المبادئ المعلنة للميليشيا اللبنانية التي قامت على أساس الدفاع عن النفس والدفاع عن لبنان ضد إسرائيل، تزعزعت بعد انخراطها في الحرب الأهلية في سورية. لقد عرض حسن نصرالله صورته في الوطن العربي لضرر كبير، «بأنه بطل حقق إنجازات كبيرة»، الأمر الذي أثر سلبا في محور المقاومة، الذي يضم سورية و«حزب الله» وحركة المقاومة الإسلامية «حماس» وإيران. فقد طالبت «حماس» نصرالله بالانسحاب من سورية. ومن المهام التي أوكلت للميليشيا في سورية تدريب المجموعات العلوية والشيعية المسلحة، استعداداً لسقوط محتمل لنظام الأسد، حسب تقرير مركز «مير آميت»، وهذا لا يعتبر دليلاً على ثقة «حزب الله» في الأسد وإنما توقعا منه بفوضى عارمة ستحدث لاحقاً والتي ستكون بالتأكيد أكبر بكثير من الآن.

ومع ذلك، فإن تصعيد «حزب الله» في سورية وضع أخيراً حداً لفكرة قيل إنها راودت بعض كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية في بداية الحرب: إنه سيكون من الأفضل هزيمة المتمردين على نظام الأسد لأن الأخير هو «الشيطان الذي نعرفه».

ولكن الأسد في ‬2013 ليس هو نفسه المعروف قبل اندلاع الحرب. إذا بقي على قيد الحياة واستطاع أن يمنع نظامه من السقوط، وقال انه يمكن أن يكون أكثر ولاء لموكله سابقا-حزب الله-، وإلى راعي المصالح المشتركة بينهما، إيران، فقد يكون من الصعب عليه أن يمنع الميليشيا الشيعية، على سبيل المثال، من استخدام الأراضي السورية لشن هجمات ضد إسرائيل من أجل استعادة مكانتها بوصفها تنظيما مهمته «مقاومة» العدو الإسرائيلي.

بسبب الانهيار الطائفي الكامل للمجتمع السوري، والثأر الذي تمخض عن الحرب، فإن أي انتصار للأسد من المرجح أن يكون جزئياً ومنقوصاً، وستترك أجزاء من البلاد تغلي خارج سيطرة الحكومة. ويمكن أن يقلل ذلك أيضا من قدرة النظام على المراقبة والتحكم في المجموعات المسلحة القوية من استخدام الحدود السورية كقاعدة لمهاجمة إسرائيل. وكما يشير كورز، بالقول «الآن، معنويا لا يمكن القبول أن فكرة بقاء الأسد في السلطة هي الحل الأفضل»، مضيفاً «لقد أثبت أنه كبير الشياطين».

المعضلة في الموضوع تكمن في استحالة معرفة ماذا سيعني «انتصار المتمردين». فقد ظهرت المشاعر «البدائية» والولاءات والانقسامات، وتم تجزئة المعارضة إلى مجموعات باتت تعارض بعضها بعضا أيضاً. والبعض، مثل أنصار الجهاد العالمي، لديهم التزامات خارج حدود سورية. وسقوط النظام يمكن أن يكون نهاية الفصل الأول وبداية فصل آخر من سنوات الحرب الأهلية. وحتى إن كان التدخل الأميركي أو الدولي أدى إلى ما يشبه نقل السلطة عبر التفاوض «يمكن أن تتحول سورية إلى بلد مثل العراق المجاور، حيث هناك رسمياً حكومة ولكن الحرب مستمرة»، حسب كورز.

إذا كان الاختيار بين هذه الاحتمالات يبدو مستحيلاً، فإسرائيل لديها عزاء واحد: أي خيار تتبناه يبقى نظريا. وإسرائيل عمليا ليس لديها القدرة على التحكم أو التأثير في النتيجة، كما يقول المحللون.

في الواقع، تعليق الأستاذ في جامعة تل أبيب إيال زيسر، حول ارتفاع تكاليف التورط في حرب أهلية في بلد آخر يمكن قراءته بأن المحصلة كانت كارثية لمحاولة إسرائيل تحديد نتائج الصراع الداخلي في لبنان في الثمانينات. القرار السياسي الأكثر حكمة بالنسبة لتل أبيب الآن، هو ردع أي رغبة في التورط في النزاع الدائر في سورية، حتى ولو تعرضت لاستفزازات من فصيل محلي أو خارجي من خلال اشتباك على الحدود أو إطلاق صواريخ، في محاولة لجرها للحرب.

ولم تعد حدود سورية، كما يشار اليها في الخرائط اليوم دلالة على مساحة الدولة، بل علامات تشير إلى أبعاد الحريق، والعيش في جوار بلد يحترق بحرب أمر مرعب ومخيف على حد سواء.

الإغراء الإسرائيلي، كقوة إقليمية، هو التفكير بأنها يمكن أن تفعل شيئاً. ومع ذلك، فإن أفضل شيء يمكن القيام به هو تسليط الفخر وتذكر أنها عاجزة في أن تؤثر في ما يحدث وراء الحدود. وعلى إسرائيل، التي تعتبر قوة إقليمية مهمة، أن تدرك أن باستطاعتها فعل شيء، وأفضل شيء يمكن أن تفعله حالياً التخلص من كبريائها وتتذكر جيداً أنها عاجزة على التأثير في مجريات الأمور خارج حدودها.

غيرشوم غورنبيرغ محلل سياسي ومؤرخ أميركي إسرائيلي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

 

تويتر