كبار جنرالات الجيش يزدادون ولاءً للأسد
منذ اندلاع الانتفاضة في سورية، قبل أكثر من عامين لقي 90 ألف شخص حتفهم، وتشرد الملايين، وتحول الجزء الأكبر من البلاد إلى خراب. ومع ذلك، فإن معظم كبار ضباط الجيش السوري ظلوا موالين للرئيس بشار الأسد. وظن بعض المراقبين في البداية أنه عندما يتعامل النظام مع المتظاهرين بالبطش والقسوة، فإن العديد من الضباط سيحذون حذو زملائهم في تونس ومصر وينضمون للمعارضة المسلحة، إلا أن ذلك لم يحدث أبداً. وفي الواقع فإن الدعم المستمر الذي يتلقاه النظام من قبل الأغلبية العظمى من الضباط كانت أمراً متوقعاً تماماً، ويفرض هذا بالتالي احتمال فشل الانتفاضة، إضافة لذلك فإن التدخل الخارجي لن يغير حسابات هؤلاء الضباط، بل على العكس، سيجعلهم أكثر تأييداً للأسد، وهو ما يعني أن واشنطن ستصاب بخيبة أمل لوضع نهاية سريعة للحرب.
وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ باندلاع الانتفاضات، فإنني أستطيع أن أؤكد أمراً واحداً مهماً جداً، وهو أن هذه الانتفاضات عندما تبدأ لا يمكنها الاستمرار من دون دعم الجهات المؤثرة في النظام، خصوصا الجيش النظامي، وأيضا موقف الجنرالات من الثورة.
في استجابته لأي ثورة، فإن الجيش يعتمد في معلوماته على أربعة مصادر مميزة، أهمها هو تقييم الجنرالات لتماسك وتركيبة القوات التي تعمل تحت إمرتهم، وما إذا كانت هناك انقسامات على أسس عرقية، أودينية، بين وحدات النخبة والوحدات النظامية، أوبين فروع القوات المسلحة، وبين المتطوعين والمسؤولين الرسميين لهذه القوات.
ثانياً: يقيم الجنرالات النظام الحاكم، ومعاملته للقوات المسلحة، وسجله الحوكمي، وتوجيهاته للجيش خلال الثورة. ثالثا: يضع القادة العسكريون المجتمع في الاعتبار، خصوصا العلاقات بين القوات المسلحة والمجتمع، ومدى شعبية الانتفاضة، والخصائص الرئيسة للاحتجاجات، مثل حجمها وتكوينها. وأخيراً: يهتم الجيش بالوضع الدولي، بما في ذلك التهديد بالتدخل الأجنبي.
هذه العوامل ليست في وضع متساوٍ، إذ إن البعض منها يذهب أبعد من غيره في شرح موقف القوات المسلحة بشأن الثورة. وعلاوة على ذلك، فإن المتغيرات التي قد تكون مهمة للغاية في حالة إحدى الدول ـ مثل الانقسامات الطائفية داخل سلك الضباط ـ قد تكون تافهة في بلدان أخرى. وفي حالة «الربيع العربي»، فإن استشراف دور الجيش لم يكن صعباً على الاطلاق، كما أن التوقع بدعم الجيش التونسي للثورة كان أقل احتمالاً، لكنه لم يكن أبعد احتمالاً، بالنظر إلى أن الجيش التونسي يتمتع بدرجة عالية من الاحترافية ولا يتعاطى أبدا مع السياسة، على الرغم من أنه كان عنصراً مهمشاً في المؤسسة الأمنية للرئيس السابق، زين العابدين بن علي، وأن النظام كان يحظى بقليل من الشرعية في أعين جنوده ومواطنيه، وبأن الانتفاضة كانت شعبية للغاية.
إذآً فكيف يمكن تطبيق مثل هذه الحالات على سورية؟ في هذه الحالة يمكننا أن نصل الى استنتاج بأن دعم الجيش للزعماء لا يشكل تحدياً من نوع خاص، وإنما يأتي التحدي من التكوين الطائفي للقوات المسلحة السورية، فعلى الرغم من انضمام آلاف الجنود وضباط من الرتب الأدنى إلى الانتفاضة، فإن كبار ضباط الجيش ـ مع وجود استثناءات قليلة ـ وأغلبية الضباط لايزالون يقفون إلى جانب النظام.
وتدرك القيادة السورية جيداً، ربما أكثر من أي دولة عربية أخرى، أنها ظلت عرضة للإطاحة بها، إذ إنه بين عامي 1949 و1970، تعرض نظام دمشق لما لا يقل عن 10 انقلابات، في كثير من الأحيان من فصائل عسكرية مختلفة يقاتل بعضها بعضا. وكان الرئيس السابق، حافظ الأسد، الذي عمل ضابطا في القوات الجوية، أحد المشاركين في ثلاثة على الأقل من هذه الانقلابات في الأعوام (1962، 1966، 1970)، وأدرك ضرورة تحصين نظامه ضد الانقلابات. وبمجرد استيلائه على السلطة، جعل الأسد القوات المسلحة شغله الشاغل، ونجح في توحيد الفصائل المختلفة من الضباط، وأنشأ عدداً من تنظيمات الأمن الداخلي ـ تخضع له مباشرة ـ وتتجسس على بعضها بعضاً وعلى القوات المسلحة النظامية في محاولة لضمان ولاء الجيش. وفي واقع الأمر فإن آل الاسد ظلوا على استعداد طيلة حياتهم السياسية لانتفاضة شعبية.
وفي الوقت نفسه، تسيطر أقلية الطائفة العلوية ـ التي ينتمي اليها الأسد ـ على فيلق الضباط السوريين منذ عام 1955، عندما سيطر العلويون على الجناح العسكري لحزب البعث. واليوم نجد أن ما يقرب من أربعة أخماس فيلق الضباط، فضلا عن العديد من قادة أجهزة المخابرات، ينتمون إلى الطائفة العلوية. لا تستأثر الطائفة وحدها بفيلق الضباط بالطبع، لكنّ العلويين يسيطرون على كل المواقع الحساسة والمهمة تقريباً. هناك ما يقرب من 10 وحدات شبه عسكرية في البلاد، جميعها تحت إمرة مقربين من أسرة الأسد، وتتشكل من مقاتلين متحفزين موالين للنظام، ويقود شقيق بشار الأسد، ماهر الأسد، وهو برتبة عميد، الحرس الجمهوري، فضلاً عن نخبة الفرقة المدرعة الرابعة في الجيش، وهذه الوحدات الخاصة، جنبا إلى جنب مع الشرطة السرية في سورية، تشكل النواة لقـوات الأمن في البلاد.
لنأخذ مثالا آخر، فعلى الرغم من أن معظم طياري سلاح الجو السوري كانوا من السنة، فإن قوة الدفاع الجوي التي تسيطر على الخدمات اللوجستية والاتصال يسيطر عليها ضباط علويون، والتي تمنع الطيارين من استغلال سلطتهم.
علاوة على ذلك، فإن العديد من الفرق التي تتألف أساسا من الجنود السنة، فإنها إما تقلصت في الحجم بسبب انشقاق المجندين، أولا يتم نشرها لقمـع الانتـفاضة، وبـدلا من ذلك فإن النظام يعتمد بشكل متزايد على الفرقتين الثالثة والرابعة من الجيش، والقوات الخاصة، والجنود غير النظاميين، الذين يطلق عليهم اسم الشبيحة، والمنتمين بشكل كبير الى الطائفة العلوية، أوينتمون إلى أقليات أخرى متعاطفة مع النظام.
وكما هي الحال في جيوش الدول الاستبدادية، فإن الجيش السوري يخضع بشدة إلى غسيل دماغ ـ العالم السياسي، كينيث بولاك، في كتابه «العرب المتحاربون»، يعتبر الجيش السوري أكثر جيش مسيس في العالم العربي ـ والولاء للنظام غالبا ما يتفوق على الجدارة المهنية في تحديد من يحصل على ترقية. ونتيجة لذلك، فإن كبار الضباط ينظرون إلى نظام الأسد وحزب البعث على أنهما شرعيان تمامـاً، ويـدركون جيدا أنهم قد يواجهون الأسـوأ، إذا استطاعت المعارضة في نهاية المطاف السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد، وعلاوة على ذلك، قد يكون الجيش على ثقة، كما يعتقد بعض المعلقين، بأن الانتفاضة لا تمثل الإرادة الشعبية.
ووفقا لمقال بقلم الكاتب موسى الغربي، في العدد الأخير من مجلة «ميدل ايست بولسي»، فإن الأٌغلبية الساحقة من السوريين مترددة حيال المعارضة، أوتعارضها تماماً. وبعبارة أخرى، فإن العلويين ـ وغيرهم من مؤيدي حكم الأسد ـ ليس لديهم ما يكسبونه وإنما سيخسرون كل شيء إذا انهارت الحكومة، وبالتالي فإنهم سيقاتلون حتى النهاية، كما أعلنوا ذلك مرارا وتكرارا.
من حيث الوضع الدولي، فعلى الرغم من أن سورية لديها الكثير من الأعداء في المنطقة، وبعضهم يقدم مساعدات للثوار، فإنها ليست بأي حال دولة منبوذة، مثل ليبيا في عهد (الزعيم الراحل معمر) القذافي.
وقد أثمرت علاقتها الوثيقة مع الذراع العسكرية لـ«حزب الله» في لبنان مساعدات عسكرية كبيرة، كما أن تحالف سورية مع إيران قد يكون الأكثر ديمومة في الشرق الأوسط. ولم يعكف الحرس الثوري الايراني، وقوات النخبة في فيلق القدس، فقط على تدريب الجنود السوريين، لكن هذه القوات خاضت أيضا معهم القتال. وتعهد كل من «حزب الله» والحرس الثوري على مواصلة القتال ضد الثوار في سورية، حتى لو أطيح بالأسد. ولنـظام الأسد صداقة مع روسيا تمتد لعقود طـويلة، والتي جـنبا إلى جنب مع إيران، واصلت تزويدها بالأسلحة والعتاد، بما في ذلك أنظمة صواريخ جديدة متطورة.
قرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة بتسليح المتمردين السوريين من غير المرجح أن يؤثر تأثير كبيرا في جنرالات الأسد وكبار ضباطه، فقد كانوا يشاركون بعمق في حماية النظام، وإن تبديل ولائهم بعد أكثر من عامين من القتال الضروس لن يكون خياراً جذاباً.
وفي الواقع، فإن قرار واشنطن سيعمل جيدا على تعزيز التزام كل من الضباط السوريين وحلفاء دمشق لإنقاذ نظام الأسد، لهذا السبب، فمن المرجح أن تستمر الحرب الى أجل غير معلوم.
زولتان باراني أستاذ بجامعة تكساس مؤلف كتاب «الجنود والدولة المتغيرة»