مقاتل معارض للأسد يحمل الراية الإسلامية خلال معارك ضد القوات النظامية في محافظة إدلب. رويترز

الحرب في سورية كشفت نفاق الغــرب

كان من المفترض ألا يستمر الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم. فمنذ بداية الانتفاضة في 2011، ساد الانطباع في الدوائر الإعلامية والسياسية الغربية انه سيتم الإطاحة بالأسد أو ينتهي الأمر بقتله، وبعدها يتولى الحكم قيادة جديدة أوتوقراطية مقربة من الولايات المتحدة، وهذا لم يحدث. نعلم جيدا أن مصالح أميركا وروسيا تختلف كثيرا في هذا الصراع، وعبرت أستراليا عن الاتجاه الأميركي في هذا النزاع، على لسان وزير الخارجية بوب كار، الذي قال، «يبدو هذا (الصراع) وحشياً ومن دون مشاعر، وربما تكون عملية اغتيال (الأسد) يصاحبها انشقاقات معتبرة في جيشه، هو ما يجب الوصول إليه، ثم وقف إطلاق نار ومفاوضات سياسية».

وعلى الفور دينت تصريحات المسؤول الأسترالي، الذي أغفل بدوره حقيقة مهمة في الصراع السوري، وهي أن البيت الأبيض وحلفاؤه يدعمون المتشددين بحجة إلحاق الهزيمة بالقوة الشريرة الرئيسة المعادية للغرب (إيران).

كما أن تنظيم القاعدة ينتعش بشكل لافت في المنطقة، وحالات الإعدام التي يرافقها عنف طائفي كبيرة في تصاعد أيضاً، الأمر يشبه دعم المجاهدين في أفغانستان (خلال الحرب مع الروس)، الذي تحول إلى في النهاية إلى دعم تنظيم القاعدة الذي تزعمه أسامة بن لادن.

في يونيو الماضي، قال كار إنه يقبل وجود الأسد الذي يراه «ضرورياً» في أي مفاوضات سلام ناجحة. وحثت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب على «تسوية تفاوضية» في فبراير الماضي، لكنها رفضت أن تدين دور الجماعات الجهادية المدعومة من الغرب.

وفي الوقت نفسه، يتواصل تدفق المقاتلين الأجانب على سورية، ولقد أصبح هؤلاء من أشرس وأنجح المقاتلين ضد نظام الأسد. ويتحدث المسؤولون في الولايات المتحدة عن تحول البلاد إلى ملاذ للعناصر المتطرفة.

وتحدث جهاديون «زرق العيون» جاؤوا من أوروبا أخيراً، لمجلة «فورين بوليسي»، وأكدوا أنهم ملتزمون بإقامة دولة إسلامية. وقال (أبوسلمان)، وهو اسم مستعار، «إنهم (الولايات المتحدة) يعطون الأسلحة لأسوأ جماعات فحسب، هذه المجموعات تعمل تحت لواء الجيش السوري الحر، لكنها لا تقاتل من أجل الديمقراطية، وإنما لمجرد سرقة المال».

وهناك بضع مئات من الاستراليين الذين يشاركون حالياً في القتال، الأمر الذي أدى إلى توتر مذهبي بين الطائفتين الشيعية والسنّية في سيدني.

تحدثت مع عدد من المسلمين وقالوا ان كلا الطرفين ليس لديه إدراك صحيح لما يحدث، فالمؤيدون للأسد يتجاهلون الفظاعات التي يرتكبها النظام في سورية، ومساندو المتمردين ينفون ما آل إليه الدعم للمقاتلين المتشددين من توسع نطاق العنف واستياء عام في الشوارع وعلى مواقع الشبكة العنكبوتية.

يبدو أن ضحايا العنف من القتلى الذين تجاوز عددهم 100 ألف وحشود النازحين الذي توافدوا بغزارة على البلدان المجاورة باتوا طي النسيان في وقت اشتد فيه الخلاف حول مستقبل سورية بعد الحرب. والسوريون في المنفى والمهجر منقسمون أكثر من أي وقت مضى، ووصل الخلاف بين الأطياف إلى حد لم يعرفه مسقط رأسهم من قبل. ويتميز الداعون لإسقاط الأسد بالعدوانية تماماً مثل المدافعين عنه. وكما رأينا في العراق، فالطائفية الخارجة عن السيطرة، والتي يتم تغذيتها من قبل جهات أجنبية، لا تؤدي إلا إلى الفوضى العارمة. تساءل السفير السوري السابق في استراليا، تمام سليمان، الذي يشغل حالياً منصباً رفيعاً في وزارة الخارجية في دمشق، في مقابلة حصرية، عن صمت الغرب حيال «الإرهاب الذي يمارسه المتمردون»، واعترف المسؤول الذي يتوقع أن يلتحق بالسفارة السورية في كوريا الشمالية قريباً، أن النظام السوري ارتكب أخطاء، لكنه شدد على عزم حكومة الأسد التام على تحقيق النصر، وقال «انطباعنا العام هو ان المعركة لن تنتهي قريباً».

حاولت التطرق إلى حقوق الانسان والتقارير التي تشير إلى تعرض المدنيين لمذابح على أيدي قوات النظام، فأجاب سليمان بأن «الولايات المتحدة تتحدث عن ضرر غير مقصود»، وقال «لا نريد قتل المدنيين، هم الذين بدأوا الحرب».

في الواقع، قلت لسليمان، إن الاحتجاجات كانت سلمية في محافظة درعا، في مارس 2011، وتم قمعها بوحشية من قبل قوات الأسد، كيف لنظام أن يتحدث عن الديمقراطية في الوقت الذي يتم فيه تعذيب وقتل المدنيين على يد الجنود الموالين للنظام؟ لم يكن لدى سليمان الكثير ليقوله في ما يخص هذه النقطة الجوهرية، إلا أنه قال - وهي الحقيقة - إن الحرب في سورية كشفت نفاق القوى الغربية، «أولئك المسؤولون الغربيون بمن فيهم الأستراليون، لا يقولون أي شيء، لأنهم سيزعجون حلفاءهم في قطر والسعودية»، وأضاف «قلت لممثل الفاتيكان في دمشق، أخيراً: لا أستطيع أن أفهم كيف تقف أوروبا الكاثوليكية إلى جانب السعودية، في الوقت الذي لا يمكن فيه لمسيحي أن يحتسي البيرة في الرياض»، وأردف المسؤول السوري قائلاً، «ابتسم ممثل الفاتيكان ولم يقل شيئاً».

وأصبحت سورية مسرحاً لحرب قبيحة تدار بالوكالة عن قوى خارجية لا تعد ولا تحصى، ولا أحد منها تقريباً يهتم بمحنة الشعب السوري، وإعلان نظام الأسد أن شركات الأمن الخاصة يمكنها الآن أن تعمل داخل البلاد يعتبر أيضاً نذير شؤم ينبئ بأن الإرهاب غير الخاضع للمساءلة سيواصل مسلسل الرعب في الشوارع. كان يمكن لأستراليا أن تلعب دوراً صغيراً، لكنه مهم من خلال النظر بوضوح في إخفاقات السياسة الغربية تجاه سورية منذ حالات التذمر الأولى والمعارضة الكبرى ضد النظام، ينبغي على القيادة السياسية في كانبيرا أن تحث جميع الأطراف على إخماد فتيل الحرب، وليس تسليح أو تدريب أو دعم أي من الجانبين. اذا كانت الحكومة الأسترالية قلقة للغاية من وصول الإرهاب إلى شواطئها، ينبغي أن تتوقف عن دعمه في سورية.

أنطوني لونشتاين كاتب ومحلل سياسي أسترالي

الأكثر مشاركة