موسكو تخشى انتقال التطرف إلى أقاليمها الإسلامية ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصـادية

اختلاط المبدأ والبراغماتية في الدعـم الروسي لسورية الأسد

قاعدة طرطوس العسكرية الروسية مرفق دعم تقني صغير له قيمة استراتيجية ضئيلة. رويترز

هل يمكن أن تكون هناك أسباب وجيهة، من الناحية العملية والأخلاقية، وراء إصرار روسيا على دعم الرئيس السوري بشار الأسد؟ لقد قامت روسيا بتسليح ديكتاتور وحشي لم يتردد في استخدام ترسانته الضخمة، بما في ذلك السلاح الكيماوي، ضد الثوار والمدنيين في نزاع سقط فيه أكثر من 100 ألف ضحية إلى الآن، لماذا؟

تقول التقارير إن موسكو زودت نظام دمشق بأسلحة بمليارات الدولارات على مدى أربعة عقود، وإنها تخشى أن تفقد آخر قاعدة عسكرية لها خارج بلدان الاتحاد السوفييتي السابق والموجودة في طرطوس، وربما كان سلوكها رد فعل نابعاً من الحرب الباردة لمواجهة الولايات المتحدة.

تلك هي بالكاد الدوافع الروسية، لكن سواء أخذنا بعين الاعتبار أحد تلك الدوافع أو جميعها، فإن تلك الظروف لا تكفي لشرح سياسة روسيا في سورية، فمبيعات الأسلحة إلى دمشق، على سبيل المثال، هي جزء صغير من مبيعات الأسلحة العالمية، وليست أساسية لصناعة الدفاع الروسية.

أما قاعدة طرطوس، فهي مرفق دعم تقني صغير له قيمة استراتيجية ضئيلة، والقاعدة قادرة على استيعاب عدد قليل فقط من السفن الصغيرة في وقت واحد، قد تكون سورية حليفا استراتيجيا مهما، إلا أنها ليست حليفا رئيسا. ومثل الشرق الأوسط ككل، تقع سورية في أدنى أولويات السياسة الخارجية لموسكو، وقد تكون روسيا عازمة على مواجهة ما تعتبره تصميم أميركا على فرض هيمنتها، لكن ينبغي ألا يتم رفض هذا الموقف كونه رد فعل يعود إلى الحرب الباردة بين البلدين، فالعديد من البلدان الأخرى تشاطر موسكو هذا الرأي.

لقد كانت موسكو دائما حازمة في الدفاع عن مبدأ سيادة الدولة، بالمعنى التقليدي، وعدم تدخل قوى خارجية في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، وهو مبدأ تعتبره أساس النظام العالمي والقانون الدولي.

ربما تعترف موسكو بمبدأ الأمم المتحدة، الذي ينص على «مسؤولية حماية» السكان المدنيين من الأعمال الوحشية، والتدخل إذا كان البلد المعني غير قادر أو غير راغب في القيام بذلك، الأمر الذي قد يحد من السيادة، بطبيعة الحال، لكن روسيا تصر في الوقت نفسه على أن هذا المبدأ لا يمكن اللجوء إليه إلا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث تتمتع بحق النقض فيه، وليس من حق أي دولة أن تلجأ إلى هذا المبدأ بشكل منفرد، حسب ما يرى الروس.

وعلاوة على ذلك، تدعي موسكو أن الولايات المتحدة دائمة الاستهزاء بمسألة السيادة، وتسيء استخدام مبدأ «مسؤولية الحماية» لخدمة أهدافها الجيوسياسية، في أكثر الأحيان، على حساب روسيا. على سبيل المثال، كما ترى موسكو، مولت واشنطن ودربت مجموعات محلية، لخوض الانتخابات والاطاحة بالرئيس اليوغوسلافي السابق، سلبودان ميلوسيفيتش، المناهض لأميركا والموالي لروسيا، عام 2000، في حين وظفت المبدأ نفسه في دعم قادة في جورجيا عام 2003، وأوكرانيا عام 2004، وهما من المناهضين للكرملين والمؤيدين لواشنطن.

وبالنسبة للحالة السورية، تقول موسكو إن الولايات المتحدة تريد استخدام «مسؤولية الحماية» للإطاحة بأنظمة لا تريدها، وليبيا هي المثال الأول. وتصر موسكو على أن البيت الأبيض تجاوز تفويض مجلس الأمن منذ البداية، الذي نص على حماية المدنيين، لتصبح جنباً إلى جنب مع الثوار لإسقاط نظام معمر القذافي، وكذبت بشأن نياتها لإقناع موسكو بالامتناع عن التصويت، بدلا من استخدام حق النقض حيال تحرك أممي في ليبيا، لتتعهد موسكو بإحباط سيناريو مماثل في سورية، وبالتالي فهي تدافع عن مبدأ السيادة.

أما بالنسبة للسبب البراغماتي، فروسيا تركز على نتائج الصراع في سورية حتى الآن، وتنظر إلى الآمال الأميركية بإحداث إنجازات ديمقراطية بنوع من الاستهزاء. وعلى مستوى منطقة الشرق الأوسط، فإن العنف الطائفي قد استفحل بشكل غير مسبوق، في وقت تغيرت فيه أنظمة عربية، وفاز فيه التيار الإسلامي بأصوات الناخبين في عدد من البلدان. ويعتقد المسؤولون الروس أن تقدم التيار الراديكالي في الوطن العربي من شأنه أن يشجع المنظمات والجماعات المتشددة، التي تمثل تهديدا مباشرا للفيدرالية الروسية، حيث يمثل فيها المسلمون نسبة 10 - 15%، من مجموع السكان. وعلى الرغم من حديث الغرب عن انتفاضات الجمهوريات الإسلامية ضد الاستعمار الروسي، تصر موسكو على أنها كانت تحارب المجموعات الراديكالية في حربي الشيشان، خلال الـ20 عاما الماضية.

وترى روسيا أن الراديكالية في العالم الإسلامي، والفقر المتزايد، والإحباط الاقتصادي، وراء حالة عدم الاستقرار المتنامية في شمال القوقاز. ويعبر الكرملين عن قلقه حيال فرضية أن تفوق الإسلام الراديكالي في العالم العربي سينعش قوى مشابهة، يمكنها أن تهدد الأنظمة العلمانية الهشة في آسيا الوسطى.

وتعتبر موسكو هذه المنطقة ذات دور حيوي لضمان أمنها القومي، وتخشى أن يكون الفكر الراديكالي قد بدأ بالفعل يتغلغل تدريجيا إلى الأقاليم الحيوية بالنسبة لروسيا، مثل إقليمي تتارستان وبشكورتوستان، الغنيين بالموارد الطبيعية، ويعد الإقليمان همزة وصل بين روسيا الأوروبية وسيبيريا من جهة، وبين الأخيرة وأقصى شرق الفيدرالية من جهة أخرى.

إذا، المبدأ والبراغماتية يقفان وراء رفض موسكو فرض أي إجراء لمجلس الأمن، يمكن أن تفسره الولايات المتحدة على أنه إذن باستخدام القوة ضد بشار الأسد.

هذا لا يعني أن موسكو متشبثة به، عوضا عن ذلك، تصر موسكو أن الاطاحة به، إذا دعت الضرورة لذلك، يجب أن تكون نتيجة عملية سياسية سورية، التي تمثل فيها جميع القوى السورية الشرعية، وهذا هو السبب الذي يجعل موسكو تؤيد عقد مؤتمر دولي ثانٍ في جنيف، للعمل على وضع إطار لعملية الانتقال السياسي في سورية. مثل هذا النهج يحترم سيادة سورية، وموسكو واثقة من هذه الطريقة، لتضمن أن الإسلاميين الراديكاليين لن يتمكنوا في نهاية النزاع الجاري من السيطرة على هذا البلد.

لكن هل جمع المبادئ بالبراغماتية يمكن أن ينتج سياسة «جيدة»؟.. بالتأكيد هناك سبب للشك في رغبة موسكو، وقدرتها على المساعدة في تحقيق نهاية عادلة للصراع السوري، وما هي الحكمة من محاولة إبعاد قوات تغيير مزدهرة في العالم العربي، وقد تعودت موسكو على القيام بذلك. ولكن، على الأقل، موقف موسكو يبدو منطقياً، وعوضا عن شيطنة موسكو، باعتبارها أول من سمح بحصول المجازر في سورية، كما فعلت واشنطن في مناسبات عدة، يتعين على الأميركيين أخذ الموقف الروسي على محمل الجد، من أجل تقديم حجج مضادة عندما يكون بالإمكان فعل ذلك، والتفكير مليا في المسألة السورية، ومعرفة ما هو على المحك بالنسبة للولايات المتحدة والمنطقة. والنتيجة لا يمكن أن تكون إلا سياسة أميركية أفضل وأكثر فاعلية.

توماس غرهام  زميل معهد جاكسون للشؤون الدولية متخصص في الشأن الروسي، ومدير سابق في المجلس الأميركي للأمن القومي




 

تويتر