استخدام الأسد «الكيماوي» يضعه في دائرة الخطر
تبدو الصورة كأنها حالة انتقامية، أحد الأطفال يجاهد كي يتنفس وسط بحر من الجثامين، وطفل آخر يصرخ بحثاً عن عائلة لم تعد على قيد الحياة، فإذا ثبت أن الرئيس السوري، بشار الأسد، استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، فإن الصراع في سورية سيكون قد بلغ حداً من الوحشية لم يعهده العالم منذ أن استخدم الرئيس العراقي السابق، صدام حسين الأسلحة السامة ضد آلاف الأكراد قبل 25 عاماً.
معاهدة استخدام السلاح الكيماوي، التي وقعت عليها جميع الدول عدا خمس منها، تعتبر أحد أعظم إنجازات القانون الدولي الحديث. حيث دفعت تلك الاتفاقية بعض الدول التخلص من ترسانتها من الأسلحة الكيماوية، وعلى الرغم من أن سورية من الدول القلائل التي لم توقع على تلك المعاهدة، فإن انتهاكها هذا المبدأ الذي تتبناه كل دول العالم من شأنه أن يجعل القرن الـ21 يموج بالأسلحة الكيماوية.
قبل عام من الآن تعهد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بعدم التهاون في استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، بيد أن تهديداته على ما يبدو ذهبت أدراج الرياح. وعودة إلى أبريل الماضي رفض البيت الأبيض ادعاءات ساقتها المخابرات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية مفادها أن الأسد استخدم غاز الأعصاب، فكلما تردد أوباما في اتخاذ الاجراء المناسب بدا «شرطي العالم» أكثر ضعفاً ليس فقط أمام الأسد، وانما أيضا أمام إيران وروسيا.
وبدا القنوط واليأس يسيطران على كبار المسؤولين في الحكومة البريطانية، الذين ظلوا طوال عامين يطالبون أوباما بالتدخل من دون جدوى. وصارت ذكريات مذابح رواندا تقض مضجع وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، ونائب رئيس الوزراء البريطاني، نيك كليغ، والتي نتجت عن فشل الرئيس الاميركي السابق، بيل كلينتون، في الحيلولة دون التطهير العرقي الذي حدث في تلك البلاد عام 1994، كما صاروا يشيرون في أحاديثهم إلى نجاح حملات حلف شمال الاطلسي (ناتو) في كوسوفو عامي 1998 و1999.
ويعتقد هؤلاء المسؤولون أن على الغرب توفير المساعدة والأسلحة «للثوار المعتدلين» بالقدر نفسه الذي يتم فيه توفير مثل هذه التسهيلات لأي مجموعة من هذه الميليشيات المتصارعة، حيث يثور جدل بأن «المعتدلين» هم المجموعة الوحيدة التي لا تتلقى الكثير من المساعدة من القوى الدولية. وتساند روسيا وإيران نظام الأسد بالأسلحة الثقيلة، في انتهاك صريح للحظر الدولي المفروض على سورية. كما أن النظام يتلقى الدعم من «حزب الله» المدعوم من قبل إيران، وتساند السعودية وقطر المجموعات الثورية الإسلامية، وهذا من شأنه أن يضعف موقف القوى الأقل تطرفاً المقبولة لدى الغرب.
وعلى الرغم من ذلك فإن إلقاء المزيد من الأسلحة في أتون المعركة أمر في غاية الخطورة، فأميركا مترددة في إرسال أسلحة مباشرة للمعتدلين لأنها قد تنتهي في أيدي الميليشيات الجهادية.
في يونيو وعدت الولايات المتحدة بإرسال مساعدات عسكرية مباشرة إلى الثوار، لكن يبدو أن ذلك الوعد جاء متأخراً جداً، فقبل عامين عندما كان الأسد في وضع أضعف مما هو عليه الآن، كان من المحتمل أن يؤدي تسليح الثوار إلى نتيجة موجبة، أما الآن فإن معظم المعتدلين قضوا في تلك المعارك، وقبل فترة قصيرة لقي أحد قادة الجيش السوري الحر، كمال حمامي، حتفه على يد مجموعة منافسة من الثوار ترتبط بـ«القاعدة». وكلما كسبت تلك المجموعات المتشددة مزيداً من القوة زاد الجدال المناهض للتدخل.
لم يتضح بعد ما إذا كان رحيل الأسد سيؤدي إلى سلام. وهناك إرهاصات بأن بعضاً من الأغلبية السنية التي تساند الثورة سيضطرون لمؤازرة النظام الذي تقوده الاقلية العلوية، لأن معظم السوريين العاديين يخشون من أن يكون بديل الأسد أسوأ من الأسد نفسه.
وكما يبحث السوريون العاديون عن نظام أقل شراً كذلك ينبغي أن يكون دأب الغرب. وتدعو فرنسا للتدخل العسكري، إلا أنني في الشهور القليلة الماضية لم أجد مسؤولاً في القوات المسلحة البريطانية يحبذ هذا الاتجاه. كما أن فرض حظر على الطيران في مناطق معينة، على سبيل المثال، سيكون أكثر صعوبة مما كانت عليه الحال في ليبيا، إذا وضعنا في الاعتبار دفاعات الأسد الحديثة. وربما أدى ذلك إلى وقوع ضحايا غربيين، وربما تم استدعاء القوات البرية السورية، وعلينا أن نفترض أيضاً أن مثل هذا التصعيد للقوة العسكرية من قبل الغرب سيستقطب فعلاً مماثلاً ومناهضاً من قبل روسيا وإيران.
الوسيلة المنطقية الوحيدة هي أن نحاول إجبار الأسد على الجلوس على طاولة المفاوضات للوصول إلى نوع من التسوية على غرار اتفاقية دايتون في البوسنة عام 1995. وللحقيقة المرة يبدو أن الأسد قد استعاد بعض الدعم الشعبي، ومع ذلك فإن الرئيس السوري ومؤيديه وأعداءه سيكونون على استعداد للتفاوض فقط إذا اعتقد أي منهم بأنه لن يستطع الانتصار. وهذا من شأنه أن يمهد لنا طريقاً لدعم من تبقى من «المعتدلين»، إذا كانت هناك بقية منهم. كما أن من شأنه أيضاً أن يمهد الطريق لضربات انتقائية على أهداف أساسية.
حتى الآن لايزال البيت الأبيض يعتمد سياسة الإنهاك، بمعنى أن ينهك الثوار الاسلاميون وقوات الحكومة بعضهما بعضاً من دون أن تضطر أميركا الدخول في صراع قد يشعل المنطقة.
فإذا استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية فإن ذلك من شأنه أن يغير المعادلة، فبالإضافة إلى محنة الشعب السوري فهناك جريمة استخدام ما يعتقد بأنه من أكبر ترسانات الأسلحة الكيماوية في العالم، ولكي يتعايش أوباما مع خطابه فعليه أن يأمر بعدد محدود من الضربات الجوية التي سترسل رسالة من دون توريط القوات الأميركية في الحرب. وأفضل طريقة لأداء ذلك هي تسديد ضربات انتقائية بواسطة صواريخ كروز على اهداف كيماوية وغيرها من الأهداف، وعلى المطارات التي يستخدمها الأسد لشن هجمات على شعبه.
الامل الوحيد لإنهاء الصراع لم يكن أبداً أوباما، وإنما الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فمن دون الدعم المالي والعسكري الروسي، واستعداد روسيا لإفشال اي قرار من مجلس الأمن ضد سورية (تؤازرها في ذلك الصين) فإن الأسد سيجد صعوبة في إبقاء قبضته على السلطة.
قبل 17 يوماً ألغى أوباما قمته مع بوتين بعد أن منحت روسيا اللجوء السياسي للعميل الاميركي السابق، إدوارد سنودين، وتبخرت جراء ذلك فرصة كان من المفترض أن يحث البيت الابيض روسيا من خلالها لممارسة ضغط سياسي على الأسد. ولكن إذا ثبت أن الأسد استخدم بالفعل الاسلحة الكيماوية ضد شعبه، كما تعتقد لاهاي، فإنه سيكون بذلك ورط نفسه بنفسه. ويبدو أن النداء الذي أطلقه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أول الإرهاصات على أن روسيا أصبحت مستعدة للعب دور بناء في هذا الخصوص. وبما أننا ينبغي ألا نتوقع أن يشعر بوتين بوخز الضمير جراء تورطه في مذابح الأسد يمكننا أن نتوقع بأنه سيلعب دور الوسيط في الوقت الذي أصبحت أميركا ضعيفة.
تجري بالفعل على أرض سورية حرب بالوكالة بين قوى خارجية، ويبدو أن أوباما أذكى من أن ينجر إلى ساحة هذه الحرب، ولكن إذا ثبتت مزاعم استخدام أسلحة كيماوية فإن صدقية أميركا ستكون على المحك، ويتطلب منها الأمر التدخل للسيطرة على مسرح القتال.
ضربات أميركية محدودة من شأنها أن تحذر الأسد وبقية القادة بأنهم لن يفلتوا من العقاب. والحقيقة المرة أمامنا هي أنه ليس هناك مخرج من هذه الورطة سوى العمل على إطالة الحرب الأهلية التي يبدو أن جميع أطرافها أشرار.
كاميليا كافيندش محللة سياسية