مواجهة وشيكة مع الإسلاميين في ليبيا
اشتد التوتر في ليبيا، أخيراً، بسبب التحركات المكثفة للميليشيات غير النظامية في مناطق مختلفة من البلاد، في حين تحاول جماعات مناوئة للسلطة المركزية وقف تصدير النفط إلى الخارج. وتتزايد المخاوف في الوقت الذي تشهد فيه مصر المجاورة مواجهة مفتوحة بين قوات الأمن وجماعة الإخوان، واختارت مجموعات مسلحة ليبية الاستيلاء على موانئ بحرية رئيسة يتم من خلالها نقل النفط الخام إلى العواصم الأوروبية والعالمية، من أجل الضغط على حكومة طرابلس. ويأتي ذلك في الوقت الذي يدرس فيه زعماء في إقليمي برقة وفزان الانفصال عن الوسط، في حين يقوم المسلحون بحشد المناصرين والمؤيدين في أرجاء متفرقة من ليبيا. ومع تراجع صادرات النفط الليبية بنسبة 70%، هددت الحكومة باستعادة الموانئ بالقوة، الأمر الذي قد يؤدي إلى نشوب نزاع مسلح بين الميليشيات المسلحة وقوات الأمن، النزاع الذي قد يشعل حرباً أهلية في بلد تسودها الأعراف القبلية.
وفي غضون ذلك، يسود العاصمة الليبية توتر شديد، وبات سماع دوي الرصاص أمراً مألوفاً في الآونة الأخيرة. ويراقب الدبلوماسيون كما هي حال الليبيين البسطاء، الوضع بقلق شديد، خصوصاً بعد استدعاء رئيس المؤتمر العام، نوري أبوسحمين، ميليشيات للانتشار في أنحاء طرابلس، لإحباط أي محاولة للانقلاب، حسب ما قاله قادة تلك المجموعات المسلحة. ودفع هذا الإجراء حزب المعارضة الرئيس - تحالف القوى الوطنية - لمقاطعة اجتماعات المؤتمر، تلته أحزاب عرقية صغيرة، تاركة حزب العدالة والبناء على رأس الحكومة على وشك الانهيار. ويقول دبلوماسي في طرابلس ان «المؤتمر انهار أساساً». وقبل أيام، استقال وزير الداخلية محمد خليفة من منصبه، متهماً رئيس الوزراء علي زيدان بعدم تقديم الدعم الكافي له للقيام بمهامه. وساهمت استقالة الوزير التي تلت استقالة نائب رئيس الوزراء عوض البراسي، في إضعاف الحكومة وسلطتها بشكل كبير. وتبنى زيدان سياسة حازمة مع المسلحين الغاضبين، وحذر من استخدام القوة لإجبارهم على مغادرة الموانئ الحيوية، كما حذر زيدان الشركات الأجنبية بأن سفنها ستتعرض للقصف إذا اشترت النفط من المجموعات المسلحة، وقال «إذا اقتربت أي سفينة، لم تبرم عقداً مع شركة النفط الوطنية، من الموانئ فسيتم قصفها من الجو والبحر».
يقول المسلحون الذين يحتلون موانئ في إقليم طبرقة، التي تصدر أغلب النفط الليبي، انهم سيتصدون لأي هجوم من قبل القوات النظامية. إلا أن تهديد الحكومة بقصف الناقلات الأجنبية أثار غضباً في الأوساط الغربية والدولية. وفي ذلك يقول المحلل المتخصص في شؤون النفط، جون هاملتون، «انه أمر مزعج للغاية بالنسبة للشركات الدولية التي لديها مصالح في ليبيا، إنها مشكلة». وتعود جذور الخلاف الجاري إلى مطالبة مجلس طبرقة الانتقالي، الذي يقوده قريب الملك الليبي السابق الشيخ أحمد السنوسي، بالاستقلال الذاتي. وكان ممثلون عن الإقليم غادروا طرابلس في وقت سابق. وتواجه ليبيا احتمال حصار شامل لمواردها النفطية بعد دعم قادة إقليم فزان - الواقع جنوباً - لمطالب طبرقة. وفي سياق متصل، قام ناشطون من البربر، غرب ليبيا، بقطع أحد الأنابيب الثلاثة التي تنقل النفط إلى الشمال، ويرجح سكان الجبال الغربية هذه الخطوة إلى عدم تلقيهم الدعم المالي من حكومة طرابلس ويهددون بقطع الإمداد بشكل كامل. ويقول ممثل عن قبيلة طوبو حضر اجتماعا في إقليم فزان، لم يكشف عن اسمه، «لا نريد أن نتعامل مع حكومة يقودها حاليا (الإخوان المسلمون)»، مضيفا، «نحن بصدد إنشاء تحالف مع طبرقة لأن لدينا اشياء مشتركة معهم».
ويتهم حزب العدالة والبناء بإنشاء قوة «درع ليبيا» بالموازاة مع الجيش النظامي. ويأتي ذلك في الوقت الذي يعارض فيه أغلب الليبيين قانون العزل، الذي يهدف لاستبعاد مسؤولي عهد (الزعيم الراحل معمر) القذافي من الجيش والشرطة والحكومة، في الوقت الذي تترد فيه شائعات بأن عناصر من الإسلاميين هم الذين سيحلون مكان الموظفين المستبعدين. وحتى ولاء جيش ليبيا الصغير ليس مؤكداً، فمن غير المرجح أن يقبل قادته إنهاء خدماتهم. وفي غضون تزايد التوتر بين الأطراف المختلفة لا تمتد سلطة طرابلس إلى أكثر من 100 كيلومتر غرباً، أي تتجاوز مدينة مصراته الساحلية بقليل. أما سكان طرابلس فقد بدأوا يشعرون بالإنهاك بسبب تواصل الاشتباكات الليلية والنزاع الشرس على السلطة.
ويسعى علي ترهوني، الذي ترأس وزارة النفط التابعة للثوار، التوسط بين الفصائل المتنازعة من أجل إيجاد صيغة توافقية ترضي جميع الأطراف. ويقول ترهوني الذي يقيم في الولايات المتحدة، «لدينا أزمة، والأمن يجب أن يكون أولوية الحكومة الآن». وحذر محللون الحكومة الليبية من الإخفاق في إدارة عجلة الحكم، كما دعوا إلى الإسراع لإيجاد أرضية مشتركة وطريقة حكم مناسبة، لأن ليبيا الجديدة تبنى من لا شيء، في ظل غياب المؤسسات والهيئات الضرورية على مدى 40 عاماً من الحكم الدكتاتوري. ويقول المدير التنفيذي لشركة الاستشارات الأمنية «هندرسون ريسك»، دانكن بولفنت، إن «المجتمع المدني ضعيف، فالدكتاتورية لا تشجع على ازدهاره، لذا فإن التوصل إلى آليات يمكن الاعتماد عليها وإدارة المجتمع بواسطتها يعتبر أمر في غاية الصعوبة». وتأتي هذه الأزمة الحالية في الذكرى الثانية لانتهاء الثورة في 2011، عندما سقطت طرابلس بيد قوات المتمردين بمساعدة حلف شمال الاطلسي.
ومع ارتفاع معدلات البطالة، فإن الإحباط سيبقى السائد في جميع أنحاء البلاد. ويعود ذلك لفشل الإسلاميين وتحالف القوى الوطنية في العمل معاً. كما أن وعود تجسيد الدستور الجديد فشلت، وسط خلافات حول سلطة الأقاليم ودور الشريعة في صياغة القوانين الجديدة.