الهجوم الكيماوي يعيد ماهر الأسد إلـى الواجهة
ربما كان قائد الفرقة الرابعة المدرعة ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، بشار الأسد، متورطاً في الهجمات بغاز «السارين» التي تعرض لها مدنيون سوريون الأسبوع الماضي في مناطق يسيطر عليها الثوار بالقرب من العاصمة دمشق.
ظل ماهر مختفياً من الواجهة السياسية أكثر من عام، مكتفياً بالبقاء في الظل، بينما ظل أخوه الرئيس بشار الأسد في الواجهة ممسكاً بزمام الأمور. ولعب ماهر الأسد في كثير من الأحيان أدواراً حاسمة في الحرب الأهلية في البلاد أكثر من أخيه الأكبر، وظل قائداً للفرقة العسكرية الرابعة المدرعة الأكثر شراسة، التي تتولى الدفاع عن دمشق ضد المعارضة الموجودة في ضواحي العاصمة. والسؤال الذي يطرحه العديد من السوريين، بعد الكشف الأسبوع الماضي عن الهجوم بالأسلحة الكيماوية الذي تعرض له مدنيون في مناطق يسيطر عليها الثوار هو: ما دور ماهر الأسد في تلك الفظائع؟
ظل ماهر عضواً بارزاً في اللجنة المركزية لحزب البعث (العربي الاشتراكي) في سورية، وركناً أساسياً من أركان الدولة البوليسية التي على الرغم من ويلات الحرب والتمرد، لاتزال واحدة من أكثر الدول تأثيراً في العالم.
وحيث ظلت الحرب الأهلية في سورية تمضي قدماً على مدار العام الماضي، فإن المكاسب التي غنمتها المعارضة المسلحة في أجزاء من البلاد تأثرت بسبب تقدم النظام في أجزاء أخرى، وظلت الفرقة الرابعة المدرعة التي يقودها ماهر خصماً رئيساً لدى المعارضة أكثر من النظام. وظل ماهر قائداً للفرقة منذ عام 2000، ويقود في الوقت نفسه قوات قتالية رئيسة أخرى، إضافة إلى الحرس الجمهوري. وظلت كلتا الوحدتين في طليعة الحرب منذ أيامها الأولى، وصارتا نشطتين مرة أخرى الأسبوع الماضي عندما شنت القوات الموالية أكبر عملياتها حتى الآن لاجتثاث الثوار من العاصمة.
وخلال تلك العملية تعرض الآلاف من سكان الغوطة الشرقية لما يعتقد الخبراء بشكل متزايد أنه غاز الأعصاب (السارين). وتكثفت جهود الاستخبارات الدولية لتحديد الجهة المسؤولة، وبدت أصابع الاتهام تشير بالفعل إلى الوحدات العسكرية الموالية بوصفها المتهم الرئيس، وظل النظام ينفي باستمرار استخدام ترسانته من غاز السارين لقصف المنطقة.
وظلت الفرقة الرابعة المدرعة محصنة نسبياً من أنشطة الفرار والانشقاقات التي تعرضت لها الفرق الأخرى في الأشهر الـ18 الأولى من الحرب الاهلية. وحتى ذلك الوقت - نحو 18 يوليو العام الماضي - ظل ماهر في الواجهة، وكثيراً ما كان يشاهد مع القوات في المواقع المقدمة، خصوصا في المناطق الساخنة، التي كانت في ذلك الحين تمرداً أكثر منها حرباً أهلية وإقليمية بالوكالة، كما هي عليه الحال الآن.
وقاد شخصياً الفرقة الرابعة في مارس 2011 لحصار درعا، الذي أشعلته شرارة التحدي من قبل مجموعة من تلاميذ المدارس للنظام الحاكم، والذين كتبوا على الجدارعبارات مضادة لبشار تدعوه إلى الرحيل عن السلطة.
أحد مجندي الفرقة الرابعة، الذي هرب إلى اسطنبول في ما بعد، ذكر أن ماهر جاء لزيارتهم في إحدى عطلات نهاية الاسبوع، ويضيف بأنه أمرهم بعدم إطلاق النار على الرجال الحاملين للبنادق «لأنهم كانوا موالين لنا»، وأن يطلقوا النار فقط على الذين لا يحملون أسلحة «لأنهم إرهابيين». ويضيف «استغرق الأمر مني بعض الوقت لاستيعاب ما قال، لأنه أمرنا بأن نطلق النار على قلوبهم ورؤوسهم».
في مخيم الزعتري بالأردن، الذي يبعد فقط تسعة كيلومترات إلى الجنوب من درعا، والذي أصبح الآن يؤوي جزءاً كبيراً من سكان المدينة، يتحدث الناس عن اسم ماهر بغضب شديد. ويقولون إن شقيقه بشار صار دمية لماهر والإيرانيين، ويقول خالد عثمان، الذي كان يعمل في أعمال السباكة في المدينة، وكان يقف بالقرب من إحدى خيام التموين التابعة للأمم المتحدة، «ماهر هو الشيطان نفسه، إنه يحاول إبادتنا فقط لأننا تحديناه، وصار يستمتع بذلك بمساعدة ضباطه المقربين، هل رأيتم الفيديو المسجل عن أفعاله خلال زيارته للسجن؟».
هذه الإشارة إلى السجن غالبا ما تذكرها المجموعات التي تدعم المعارضة السورية، إذ تشير تلك المجموعات إلى التمرد الذي حدث في سجن صيدنايا عام 2008، وطلب النظام السوري من ماهر أن يخمده، وهي مهمة اضطلع بها بكفاءة غاية في الوحشية، ما أسفر عن مقتل العديد من الذين اتخذوا الحراس والجنود رهائن، ثم قام بتصوير الجثث بواسطة كاميرا هاتفه النقال.
وكثيراً ما يعرض مؤيدو نظام الأسد شريط الفيديو كدليل للقوة التي يتمتع بها الشقيقان الأسد، إلا أن أفعال ماهر أفرزت المزيد من الخوف بين رجال الدولة والجيش من وحشية النظام. وكان آخر ظهور له في العلن قبل أسابيع عدة من ذلك الانفجار الذي هز قاعة اجتماعات في وسط دمشق، وأدى إلى مقتل نائب وزير الدفاع العماد آصف شوكت، زوج بشرى، شقيقة الأسد، كما قضى في الانفجار أيضاً في ذلك اليوم وزير الدفاع العماد داوود راجحة، وأعضاء بارزون في النظام (بينهم العماد حسن تركماني ورئيس مكتب الأمن الوطني اللواء هشام بختيار).
وانتشرت شائعات في ذلك الوقت تقول إن ماهر كان أيضاً في القاعة وإنه أصيب. العام الماضي تحدث المسؤول الصحافي السابق في القصر الجمهوري، عبدالله عمر، الذي انشق في سبتمبر الماضي بانه رأى ماهر يزور القصر، وقد بدا واضحاً أنه فقد جزءاً من يده وساقه. لم يتم تأكيد ذلك من مصادر أخرى، بيد أن بعض المسؤولين الأتراك يعتقدون أن الأسد أصيب أيضاً في تلك الحادثة التي تمثل إحدى المرات القليلة التي استطاعت فيها المعارضة الوصول إلى عقر دار السلطة. ويؤكد دبلوماسي تركي بارز أن ماهر «كان على قيد الحياة، ويصرف مهامه كالمعتاد، وأن الفرقة الرابعة لاتزال إحدى أفضل الفرق العسكرية".