الحكومة المصرية أنشأت نقاط تفتيش على طول القناة
تحدي أمني متزايد لتأمين قناة السويس
تعرضت السفينة «كوسكو آسيا»، المملوكة للصين، والتي ترفع علم بنما، لهجوم خلال عبورها قناة السويس في فترة ما بعد الظهرفي 31 أغسطس. وتقول السلطات المصرية إنها اعتقلت ثلاثة من المشتبه فيهم يعتقد أنهم شاركوا في الهجوم الذي جرى في منتصف المسافة تقريباً بين بورسعيد والإسماعيلية. ويعتقد أن المشتبه فيهم ينتمون إلى جماعة متشددة مقرها بير رمانة في شبه جزيرة سيناء. ويعتقد رئيس هيئة قناة السويس، مهاب مميش، أن القصد من وراء الهجوم هو التأثير في تدفق حركة المرور في القناة، لكنه قد فشل تماماً، مشيراً إلى أن الهجوم لم يسفر عن أي ضرر للسفينة أو حمولتها.
هذا الهجوم ضد السفن العابرة للقناة يعد تطوراً جديداً، وينبغي التعامل معه بكل جدية، بسبب تأثيره المحتمل في التجارة العالمية. فقد ظلت حركة المسلحين الجهاديين في سيناء نشطة جداً على مدى العقد الماضي، فشنت سلسلة من هجمات قاتلة ضد المنتجعات السياحية بين عامي 2004 و2006، لكنها تحولت في الآونة الأخيرة إلى الهجوم على قوات الأمن المصرية. وأطلقت أيضاً هجمات صاروخية من شبه جزيرة سيناء إلى موانئ البحر الأحمر مثل إيلات في إسرائيل، والعقبة في الأردن.
تحديات إغلاق القناة تعرضت قناة السويس للإغلاق من قبل خلال (العدوان الثلاثي) في عام 1956 بعد غرق نحو 40 سفينة في القناة. وظلت مغلقة نحو ستة أشهر إلى أن تم إجلاء السفن من القناة، ومع ذلك، فإن الاختطاف سيكون مهمة صعبة جدا لمجموعة من الميليشيات. وخلافاً لمساحات المياه الممتدة في المحيط الهندي، حيث يستطيع القراصنة الصوماليون مطاردة واختطاف السفن، فإن قوات الأمن المصرية تستطيع الاستجابة بسرعة كبيرة جداً لأي أعمال قرصنة قد تحدث في القناة. أيضاً، يمكن استخدام تكتيك وتدابير مكافحة القرصنة المستخدمة في مكافحة القراصنة الصوماليين لحماية السفن التي تمر عبر قناة السويس. أغلقت قوات الأمن المصرية أيضاً الجسور التي تعبر القناة في بعض الأحيان في الماضي، بسبب تهديدات محتملة باستخدام المتفجرات لتدمير الجسور وإسقاطها على القناة، إلا أن هدم الجسر يستغرق وقتاً وخبرة في التدمير. |
وتعرضت قناة السويس في الماضي للإغلاق بسبب الحرب، وظلت مغلقة أشهراً بين أواخر عام 1956 ومطلع عام 1957، ولمدة ثماني سنوات بين الـ1967 و1975، لكن حجم البضائع التي تمر عبرها اليوم أصبح أعلى بكثير مما كان عليه الحال في خمسينات وسبعينات القرن الماضي. وتؤكد التقارير الصادرة عن هيئة قناة السويس أن حمولة البضائع التي تمر عبر القناة ارتفعت إلى أكثر من الضعف في غضون السنوات الـ12 الماضية، من نحو 368 مليون طن متري في 2000 إلى 740 مليون طن متري في عام 2012. وتمر عبرها الآن نحو 8% من التجارة البحرية العالمية، وفي الثالث من سبتمبر وحده مرت عبرها 45 سفينة تحمل 2.7 مليون طن متري من البضائع.
وتعد قناة السويس أيضاً النقطة الثانية الأكثر أهمية بعد مضيق هرمز لنقل النفط والغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا وأميركا الشمالية. هذا التدفق الكثيف للبضائع يعني أن أي إغلاق ولو مؤقتاً للقناة يمكن أن يؤثر بشكل كبير في التجارة العالمية.
القناة هدفاً
القناة هي مجرى مائي ضيق جداً، ولا يبلغ عرضها في كثير من الأماكن إلا نحو 300 متر، وهذا يعني أن حركة المرور عبر القناة تسير في بعض الأحيان في اتجاه واحد ولفترات طويلة بسبب ضيق القناة. ويتم تمرير السفن في ثلاث قوافل منتظمة يوميا (اثنتان تتجهان جنوباً وواحدة شمالا) في أوقات محددة، وهناك بعض الطرق الجانبية التي تسمح للقوافل بالمرور بجانب بعضها بعضاً، ما يجعل المرور عبر القناة أكثر كفاءة. ومع ذلك، فإن هذا النظام المروري يجعل من السهل جدا العثور على الهدف من موقع هجوم يتم انتقاؤه بسهولة، كما يمكن تعقب السفن في القناة عبر الإنترنت.
ضيق القناة يعني أن السفن التي تبحر في وسطها تكون في كثير من الاحيان على بعد نحو 150 متراً من أي من ضفتي القناة، وتقع هذه المسافة ضمن المدى المؤثر لمعظم أنظمة الأسلحة الأكثر فعالية، بما في ذلك المدافع الرشاشة وقاذفات القنابل الصاروخية، التي تم استخدامها في الهجوم على السفينة «كوسكو آسيا». وينبع الهاجس الأمني من حقيقة طبيعة القناة الضيقة في معظم أجزائها (يبلغ أقصى عمق لها 24 متراً) بحيث يمكن لسفينة كبيرة مثل «كوسكو آسيا» أن تغرق في منتصف القناة عند نقطة ضيقة جداً، ما يوقف بشكل فعال حركة المرور عبر القناة إلى أن يتم نقل السفينة خارجها. وبما أن مصر تتلقى نحو خمسة مليارات دولار سنوياً رسوم عبور للقناة، فيعد هذا المعبر المائي مصدراً مهماً للدخل والعملات الأجنبية للحكومة المصرية، وبالتالي، تصبح القناة هدفاً محتملاً للمتشددين الذين يسعون لإلحاق الأذى بالحكومة المصرية.
في الأسابيع الأخيرة، تلقت هيئة قناة السويس تهديدات من جماعات مجهولة تزعم انها ستستهدف القناة، وأدت هذه التهديدات إلى تكثيف الإجراءات الأمنية على طول القناة، إلا أن ذلك التكثيف الأمني لم يكن كافياً لإحباط هجوم يوم السبت ضد «كوسكو آسيا» باستخدام الأسلحة الخفيفة. وتمتد القناة إلى نحو 190 كلم (نحو 120 ميلاً) من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر، لهذا فإن حماية كل شبر من هذا الامتداد الطويل يعد مهمة أمنية صعبة للغاية.
وفي أعقاب ذلك الهجوم الفاشل، أنشأ الجيش المصري نقاط تفتيش تبعد الواحدة عن الأخرى 20 كلم على طول القناة، وزاد عدد الدوريات الأمنية المتنقلة، وركب مزيداً من الكاميرات الأمنية، ونشر مروحيات إضافية للجيش لمراقبة القناة، وأصبح شن هجوم على سفينة عابرة للقناة الآن أكثر صعوبة وغير ذي مغزى.
هجوم
ليس مستغرباً إذا كان الهجوم بالأسلحة الصغيرة ضد «كوسكو آسيا» لم يتسبب لها في كثير من الضرر، حتى ولو كان المهاجمون يستخدمون قذائف صاروخية، لأن الأسلحة الخفيفة ليست كافية لاستهداف سفينة شحن يبلغ طولها نحو 350 متراً وتزن نحو 114 ألف طن متري. ومن أجل صورة أقرب لـ«كوسكو آسيا» فإن حجم هذه السفينة أكبر قليلاً من حاملة الطائرات «يو اس اس رونالد ريغان»، التي تعمل بالطاقة النووية.
هذه السفن ليست فقط كبيرة جداً، وإنما أيضاً بنيت بشكل جيد للغاية بحكم الضرورة من أجل التعامل مع الشحنات الضخمة التي تحملها في البحار الهائجة. وكما رأينا في الهجمات ضد «المدمرة كول» في أكتوبر 2000، والهجوم في أكتوبر 2002 ضد ناقلة النفط «ليمبورغ»، قرب السواحل اليمنية، فمن الصعب جداً أن تتعرض السفن الكبيرة والحديثة للغرق، حتى عند مهاجمتها بقنبلة قوية تحتوي على مئات عدة من الارطال من الشحنات الناسفة العالية الطاقة التفجيرية. قد تؤدي مهاجمة مثل هذه السفن بمدفع رشاش خفيف أو قذيفة صاروخية إلى جرح أو قتل بعض أفراد الطاقم (السفن الحديثة لديها طواقم صغيرة جداً، تتطلب إصابتها قدراً كبيراً من المهارة أو الحظ)، لكن من غير المحتمل أن تتسبب تلك القذائف في أضرار كبيرة للسفينة نفسها.
وفي حين أن القناة طويلة، ويصعب تأمينها تماماً، وأن السفن العابرة تسير على مسافة قريبة نسبياً من الشاطئ في بعض الأحيان، ويمكن التنبؤ بإبحارها، فمن الصعب جداً شن هجوم من شأنه أن يغرق سفينة ويغلق القناة. أيضاً من السهل نسبياً الوصول إلى ضفة القناة بمدفع رشاش خفيف، إلا أن تركيب قارب يحمل متفجرات، كالذي تم استخدامه في مهاجمة «كول وليمبورغ» يتطلب جهداً لوجستياً كبيراً، وربما لا يحالف ذلك الهجوم النجاح.
إضافة إلى ذلك، فإنه نظراً لأهمية قناة السويس وإمكانية تعرضها للهجمات، أنشأت الحكومة المصرية منطقة أمنية على طول القناة، تغطيها دوريات منتظمة على الأرض، وفي الجو وفي الماء، ومن الملاحظ أيضا أن حركة القوارب الصغيرة في قناة السويس أخف بكثير، ويمكن السيطرة عليها بشكل أقوى مما هو عليه الحال في المرافئ الفوضوية مثل عدن في اليمن، لذلك سيكون الوضع أكثر صعوبة لإطلاق قارب تفجيري في قناة السويس من دون اكتشاف الامر.
هناك أيضاً تهديد محتمل لاختطاف سفينة في القناة بقصد اغراقها لإغلاق القناة.
سكوت ستيوارت - نائب رئيس ستراتفور للاستشارات الأمنية والاستراتيجية
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news