التعددية وإمكانية تعايش العلمانيين والإسلاميين جذبتا اهتمام الغرب

تونس تستحق الدعم لإنقــــاذ الديمقراطية

الجيش التونسي بقي محايداً وبعيداً عن الحياة السياسية ولم يبد اهتماماً في الخلافات الايديولوجية بين الإسلاميين والعلمانيين. غيتي

يبدو الوضع العام مشوشاً في تونس لاسيما في المجالين السياسي والأمني، ففي الأول هناك اتهامات متبادلة بين حركة النهضة الإسلامية والحكومة الائتلافية التي تقودها وأحزاب المعارضة بالتحريض ضد الآخر، وإلقاء المسؤولية على ضعف الالتزام بالديمقراطية واحترامها.

وفي المجال الأمني تتهم قوى المعارضة الحكومة وحركة النهضة بالمسؤولية عن اغتيال اثنين من زعماء المعارضة والتضييق على الآخرين، وزيادة القمع ضد الشعب بشكل عام بينما تدافع الحكومة عن موقفها بالقول، إنه لا يمكنها التفريط في الأمن الوطني في تونس أو التهاون مع المجرمين وعصابات الخارجين على القانون.

وفي ظل هذا المشهد ترتفع أصوات داخل تونس وخارجها لتقول إنها تستحق الدعم الخارجي لتعزيز مسارها نحو تكريس احترام الديمقراطية، لأنها الدولة العربية الوحيدة التي تمكنت حتى الآن من الانتقال بنجاح من النظام السلطوي إلى التعددية السياسية من دون أن تحيد عن مسار التغيير الإيجابي، على الرغم من كل ما يثار من جدل عن ضعف ملحوظ في الالتزام بالممارسة الديمقراطية وانتقادات لبعض ممارسات الحكومة.

التجربة التونسية

تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تمكنت حتى الآن من الانتقال بنجاح من النظام السلطوي إلى التعددية السياسية، وبينما ينظر البعض إلى الأوضاع في  مصر وليبيا وسورية على أنها اكوارث سياسيةب، فإن تجربة تونس في التعددية وإمكانية تعايش العلمانيين والإسلاميين جديرة باهتمام الغرب على الرغم من تزايد المؤشرات إلى تراجع التأييد للديمقراطية.

وبينما ينظر البعض إلى الأوضاع في  مصر وليبيا وسورية على أنها «كوارث سياسية»، فإن تجربة تونس في التعددية وإمكانية تعايش العلمانيين والإسلاميين جديرة باهتمام الغرب على الرغم من تزايد المؤشرات إلى تراجع التأييد للديمقراطية.

ومنذ أن أشعل بائع الخضار الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه منذ نحو ثلاث سنوات مفجراً انتفاضة شعبية توجت بـ«ثورة الياسمين»، كان مسار تونس مليئاً بالعقبات والصعوبات، فالأحزاب العلمانية والليبرالية تقول إن القوى الإسلامية بقيادة حركة النهضة اختطفت الثورة وقطفت ثمارها من دون أن تدفع الثمن، كما أن المتطرفين الإسلاميين يشنون حرباً ثقافية على المؤسسات والهيئات والأحزاب العلمانية، وبلغ بهم الأمر إلى حد التمرد المسلح على الحكومة.

ومنذ سبعة أشهر اغتال مسلحون زعيماً للمعارضة التونسية، ما تسبب في أزمة سياسية أطاحت برئيس الوزراء حمادي الجبالي، بينما أدى اغتيال زعيم ثان للمعارضة في يوليو الماضي إلى تصاعد معارضة العلمانيين للحكومة.

كما أن محاولات القوى السياسية الانتهاء من صياغة الدستور التونسي الجديد الذي سيمهد الطريق أمام إجراء انتخابات جديدة تعثرت على ما يبدو في ظل استمرار الخلافات والتناقضات. ولم يخف الاتحاد التونسي للشغل استياءه من تعثر صياغة الدستور واستمرار الخلافات السياسية  والتوترات الامنية في البلاد، فقد قال رئيس الاتحاد حسين العباسي، إنه «تم إهدار وتبديد وقت طويل وثمين في الاستقطاب السياسي والخلافات التي زادت من تعميق أزمة الثقة، ولا بد من ملاحظة أن صبر الشعب قد نفد».

وعلى النقيض من مصر وسورية اليمن، بقي الجيش التونسي محايداً وبعيداً عن الحياة السياسية ولم يبد اهتماماً بالمشاركة في الخلافات الايديولوجية  بين الإسلاميين والعلمانيين، وعلى الرغم من الخلاف بين الأطراف السياسية، تحلى التونسيون بقدر كبير من التروي والحكمة والتعقل. وتشير استطلاعات حديثة للرأي إلى تراجع التأييد للإسلاميين غير أن التأييد للمعارضة انخفض أيضاً، في حين أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة « بيو» البحثية أن 54% من التونسيين يؤيدون الديمقراطية بانخفاض 9% عن العام الماضي، وأن الانخفاض الأكبر في تأييد الديمقراطية كان في أوساط الطبقة المتوسطة التي تعرضت لضغوط مادية شديدة خلال الاعوام القليلة الماضية.

وعلى ما يبدو فليس هناك الكثير من التأييد والحماسة في تونس لانتهاج المسارالذي سارت فيه مصر أخيراً، والمتمثل في الإطاحة بالرئيس والحكومة، غير أن هذا لم يمنع حركة النهضة، التي تشعر بالقلق، من بذل جهود كبيرة لرص صفوف مؤيديها من حولها، واتخاذ كل الاجراءات الممكنة للحيلولة دون تكرار ما حدث في مصر.

ومع كل ما يثار من جدل وانتقادات، فإن تجربة تونس في الانتقال إلى الديمقراطية والتعددية تبقى جديرة بالاحترام، ما يعني أنها تستحق الدعم الخارجي لأنها بحاجة ماسة للاستثمارات الغربية لإنعاش اقتصادها، بالإضافة إلى دعم مؤسساتها السياسية الوليدة.

تويتر