أنشطة التجسس زادت المخاوف لدى البلدان الصاعدة

انعدام الثقة بين البرازيل وأميركا

صورة

من المعروف أن دبلوماسية الولايات المتحدة ترحب بصعود قوى جديدة وتريد أن تستمر في النمو، خصوصاً إذا كانت تلك الدول تتبنى نهجاً ديمقراطياً. وقد كرر الرئيس الأميركي باراك أوباما مراراً وقوف بلاده إلى جانب هذه البلدان، أثناء زياراته للهند وجنوب إفريقيا والبرازيل. وعلى الرغم من التصريحات الأميركية، لا يبدو الجانب الآخر مقتنعاً بالنيات الأميركية الحسنة. وتعمقت حالة عدم الثقة بين البلدان الصاعدة وأميركا، في الآونة الأخيرة، بعد الكشف عن تجسس وكالة الأمن القومي على منشآت حيوية في البرازيل، الأمر الذي جعل رئيسة البلاد ديلما روسيف تلغي زيارتها إلى واشنطن. وبالنسبة للمتخوفين من المؤامرات الجديدة التي تحيكها الإمبريالية الأميركية، فإن تسريبات عميل الاستخبارات المنشق إدوارد سنودن حول نشاطات تنصت أميركية على منشآت برازيلية، تؤكد أن نيات الأميركيين ليست حسنة بأي حال من الأحوال. ومع رغبة روسيف دفع الأمور إلى الأمام وعدم إلغاء الزيارة، تبين أن رد الفعل الداخلي سيكون سلبياً وسيعتبر الرأي العام ذهاب الرئيسة إلى بلد يمارس نشاطات تجسسية حماقة سياسية، مهما كانت التبريرات.

البرازيل والولايات المتحدة لديهما الكثير من القواسم المشتركة: مشكلات الهجرة والتنوع العرقي والازدهار الزراعي. لكن خيبة الأمل من الآخر مألوفة أيضاً بين الطرفين، فالإدارات الأميركية المتعاقبة وصفت البرازيل بأنها مرشح مهم لتحسين العلاقات إلى أن فرض واقع جديد نفسه على العلاقات الثنائية. وفي الوقت الذي تنكشف فيه الوثائق تلو الوثائق التي تثبت ضلوع وكالة الاستخبارات الأميركية في التجسس على البرازيل، يصر البيت الأبيض على أن هذه الأخيرة يجب «ألا تتوقع أي أذى من أجهزتها الاستخباراتية». وقد شعر البرازيليون بالصدمة عندما علموا أن الأميركيين تنصتوا على مكالمات المستشارين الرئاسيين وقرصنوا أجهزة الكمبيوتر المركزية في شركة النفط الوطنية. في المقابل، صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري اثناء وجوده في برازيليا، أن أنشطة التنصت «لم تسهم في حماية بلدنا وحسب، بل في حماية شعوب أخرى في العالم بما في ذلك البرازيليون».

ويقول سفير أميركي سابق، طلب عدم الكشف عن اسمه، «من وجهة نظر واشنطن، البرازيل ليست صديقة تماماً، تاريخياً كانت البرازيل إلى جانبنا دائماً، فقد دعمتنا في الحرب العالمية الثانية وخلال الحرب الكورية»، مضيفاً: «لكن الحكومة الحالية ليست كذلك». ويقول «لاحظوا أن رفقاء الرئيس السابق والرئيسة الحالية وأعضاء حزب العمال جميعهم أعداء الولايات المتحدة». وبالنسبة للكثيرين في واشنطن، فإن برازيليا تحاول شد الانتباه أكثر من لعب دور جدي على الصعيد الدولي. ويعتقد الرئيس البرازيلي السابق إغناسيوس لولا دا سيلفا أن التسريبات الاستخباراتية الأخيرية دليل على أن «الدول الغنية ليست مستعدة لقبول صعود البلدان الناشئة»، واتهم أميركا بـ«ارتكابها جريمة في حق الديمقراطية». إلا أن مراقبين يرون أن البلدين سيجنيان الكثير من علاقة جيدة بينهما، سواء تعلق ذلك بالجانب الاقتصادي أو الثقافي أو البعثات الدراسية، إضافة إلى السياسة الإقليمية والدولية. وبالنسبة لواشنطن تمثل الطبقة المتوسطة في البرازيل سوقاً جديدة ومهمة، ويعتبر نفط البرازيل ووقودها البديل مصدرين مهمين لتزويد الولايات المتحدة بالطاقة مستقبلاً، كما أن التجربة الديمقراطية الناجحة في هذا البلد اللاتيني قد تكون نموذجاً يحتذى به في بلدان المنطقة التي تعاني الاستبداد. وعلى صعيد آخر، تواجه البلدان الصاعدة وعلى رأسها الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا العديد من المشكلات الداخلية التي تشكل عوائق للتنمية وتحقيق التحول الديمقراطي.

 

تويتر