واشنطن تحاول التحكم في «الدولية» لمواجهة النمو المتزايد لتنظيم «القاعدة»

أوباما تراجع عن ضرب الأسد طمعاً في مفاتحة روحاني

صورة

في الأسابيع القليلة الأخيرة تراجعت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما عن نيتها شن هجوم على سورية، وأعطت انطباعاً قوياً بأنها ترغب في تلطيف الشعور العدواني الأميركي المترسخ منذ وقت طويل نحو إيران. فهل يمكن القول إن واشنطن وطهران مقبلتان على مرحلة من السلام والصداقة، أم أنها قد تكون مجرد حركة لتوفرعلى إدارة أوباما الحرج من رفض «الكونغرس» خططها لشن حروب جديدة؟.

تغيير النظام

الولايات المتحدة التي تتمتع بنفوذ كبير في الشرق الأوسط لا ترغب في إبقاء إيران قوية مستقلة كقوة إقليمية، وترغب في تجريدها من أي أوراق تسهم بأي تقارب أو محاولات وحدة مع جارتها العراق. ومنذ سقوط نظام شاه إيران في عام 1979 لم تتخل الحكومات الأميركية المتعاقبة عن محاولات تغيير النظام واستبداله في طهران، غير أن واشنطن تحاول حالياً الاستفادة قدر الإمكان من الأجواء الإيجابية التي يوفرها وجود حكومة معتدلة مناسبة في إيران، من غير أن يطرأ أي تغيير ملموس على الأهداف البعيدة المدى لكل من واشنطن وطهران. كما أن نجاح استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء الصين يقتضي تحسين العلاقات الاميركية مع الدول المحيطة بها والقريبة منها، وبذل جهود مكثفة لإقناع تلك الدول بأن تحالفها مع واشنطن أفضل لها بكثير من تحالفها مع بكين.

إسقاط الأسد

على الرغم من دفاعه الطويل عن رغبته القوية في تغيير النظام في سورية إلا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يشر إلى ذلك صراحة، واذا تم إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد الآن، فإن أحدا لا يمكنه أن يجزم بمن المسؤول عن مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية التي سيتم التخلص منها ومن ستؤول له مقاليد السلطة والحكم.

وتمكنت روسيا، الحليف الرئيس والقوي، من امتصاص تهديد أوباما بشن ضربات على سورية بطرح مبادرتها بشأن التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، من غير أن يكون هناك تفسير واضح للسبب الذي دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى القبول بالاتفاق الذي تمخض عن تلك المبادرة، والذي جنبه التعرض لهجوم أميركي.

وعبر أوباما عن رغبته القوية في إطلاق صواريخه على سورية، على الرغم من عدم توافر تأييد له في الأمم المتحدة، إذ قال إن له الحق في شن هجوم على سورية من غير موافقة الكونغرس. وحدث ما لم يكن في الحسبان حين وافق نظام الأسد على التخلص من أسلحته الكيماوية، ما أغضب المعارضة السورية التي كانت تعول على الضربات الأميركية. وسيشرف مفتشون من المنظمة الدولية لحظر انتشار الأسلحة الكيماوية على تدمير المخزون السوري من هذه الأسلحة. وبعد أن كانت إدارة أوباما تبدي حرصها على استمرار العقوبات التي تفرضها على إيران وفاعليتها، تحاول هذه الإدارة إرساء أسس لعلاقات جديدة مع الرئيس الإيراني الإصلاحي والمنفتح حسن روحاني، الذي تشير كل الشواهد إلى أنه يحظى بتأييد واضح من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي. وأكد روحاني غير مرة أن بلاده ليست بصدد إنتاج أو امتلاك قنبلة نووية.

وهناك قسم كبير من الإيرانيين يرفضون إقدام روحاني على المساومة مع الأميركيين الذين يرفضون إطلاق أية إشارة حتى الآن بأنه سيتم إلغاء العقوبات المفروضة على بلادهم. وقال قائد الحرس الثوري الايراني، الجنرال محمد علي جعفري، إن الموقف الذي عبر عنه روحاني في الجمعية العامة للامم المتحدة كان موفقاً وحسناً، لكن كان يجب عليه أن يرفض تلقي الاتصال الهاتفي من أوباما، غير أن روحاني حصل بعد ذلك بيومين على تأييد البرلمان الذي وقع 230 من أعضائه على بيان يؤيدون فيه جهوده لتحسين العلاقات الإيرانية الأميركية، مقابل 60 عضواً لم يوقعوا ذلك البيان. وربما خطط البيت الأبيض لفكرة جس نبض روحاني ومفاتحته، لكنه خلص إلى أن مثل هذا الأمر لا يمكن أن يتم مع قصف حليفته العربية الأولى سورية بالصواريخ الأميركية، وهكذا أدى قرار التخلي عن ضرب سورية إلى تلك المفاتحة، وجعل الاتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني أمراً ممكناً. وبقراره ضرب سورية أساء أوباما الحكم على مواقف الأميركيين بشأن احتمالات قبول شن حرب جديدة، ووجد نفسه على شفا هزيمة مذلة، واغتنمها فرصة بجس نبض الامور مع روحاني، للتخلص من حرب لم تكن متوقعة.

وخلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال أوباما إن «جميع الخيارات والبدائل (تجاه إيران) مطروحة على الطاولة، بما في ذلك الخيار العسكري»، كما ظهر نتنياهو من خلال خطابه أمام الجمعية العامة كأنه ذلك الشخص الذي لم يتعلم شيئاً، ولم ينس شيئاً، حينما قال «إن إسرائيل لن تسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية، ولو اضطرت للوقوف وحدها في تلك المهمة». ويسعى أوباما إلى تجريد إيران من أي قدرات لإنتاج أسلحة نووية، مع إغماض عينيه عن القدرات النووية والكيماوية الهائلة لإسرائيل، وعلى الرغم من تقديرات أجهزة ووكالات الاستخبارات الأميركية التي توصلت في عام 2007 إلى خلاصة مفادها أن إيران تخلت عن برنامجها لانتاج الأسلحة النووية.

وفي إطار حربها المستمرة على الإرهاب، تحاول واشنطن التحكم في الأحداث في كل من سورية وإيران، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأفغانستان وباكستان واليمن وليبيا والصومال ومالي وكينيا في مواجهة النمو المتزايد لتنظيم القاعدة والجماعات المتصلة به.

وحين حدد أوباما للرئيس السوري خطوطاً حمراء، وهي استخدام الأسلحة الكيماوية، فقد خلص مع كبار مستشاريه، خصوصاً الصقور منهم، في أغسطس الماضي، إلى فكرة مفادها أن الولايات المتحدة ستبدو ضعيفة وعاجزة أمام حلفائها والعالم إذا لم ترد على الهجوم على المدنيين في غوطة دمشق بالأسلحة الكيماوية، لكن إعلان أوباما عن اعتزامه ضرب سورية لم يحظ بالقبول والتأييد حتى من الأميركيين أنفسهم، فقوبل بانتقادات واحتجاجات من جماعات حقوق الإنسان والناشطين المناهضين للحروب، الذين رفعوا شعارات كثيرة، أبرزها «لا لحرب جديدة في الشرق الأوسط».

كما وجد أوباما نفسه أمام مخاطرة سياسية كبيرة بشأن سورية في مواجهة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي سبق له أن خيب آماله بمنح اللجوء المؤقت لمحلل المعلومات في وكالة الامن القومي الأميركي إدوارد سنودن.

وطبقاً للصحافي البريطاني روبرت فيسك، فإن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، قال بلهجة المشتكي والمتذمر لنظيره الروسي سيرغي لافروف: إن وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية تمهيداً للتخلص منها يجرد سورية من سلاح للردع الأول لديها. ورد لافروف: لديكم أقوى وأفضل سلاح وهو نحن الروس.

جاك سميث كاتب ومحلل أميركي

 

 

 

تويتر