موت الحاخام الأكبر يكشف وجه التعصب في إسرائيل

لاتزال الصور السلبية النمطية للمسلمين، كـ«متعصبين» يهددون الحضارة الغربية، تستخدم بقوة وكثافة من قبل الصهاينة المتعصبين في الدفاع عن إسرائيل ومن المسيحيين المتصهينين. وتعتبر شريحة لا بأس بها من الغربيين مشاهد المسيحيين الصهاينة كمدافعين متعصبين عن إسرائيل «مهزلة تاريخية» لأنها لم تستطع أن تغير شيئاً من واقع أن المسيحية في إسرائيل ليس أمامها إلا القمع أوالاحتقار، بالإضافة إلى أن ممتلكاتها تتعرض للاعتداءات.

قبلة الزعماء الإسرائيليين

شارك اكثر من 700 ألف شخص في تشييع جنازة كبير حاخامات اليهود الشرقيين (السفارديم) في إسرائيل، ومؤسس حزب «شاس» الديني وزعيمه الروحي، الحاخام عوفاديا يوسف، الذي أصبح تحت قيادته لاعباً رئيساً في تحالفات وائتلافات الأحزاب التي تشارك في تشكيل الحكومات الإسرائيلية. وأصبح بيته قبلة يحجّ إليها الزعماء السياسيون في إسرائيل طلباً لدعمه وبركاته وتأييده، كما وصفه أنصاره بأنه «الأعظم من أبناء الجيل». وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو «لقد خسرنا واحداً من أشد أبناء جيله وأعمقهم حكمة، وكان عملاقاً في التوراة والقانون اليهودي، ومعلماً وملهماً لعشرات الآلاف من الإسرائيليين»، بينما قال الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، إنه لازم سرير الحاخام يوسف خلال الساعات الأخيرة التي سبقت موته، وحين ضغط على يده شعر بأنه لامس التاريخ.

وتزامن رحيل كبير حاخامات اليهود الشرقيين «السفارديم» في إسرائيل ومؤسس حزب «شاس» الديني وزعيمه الروحي، الحاخام عوفاديا يوسف، مع الحديث عن تدنيس بعض المواقع اليهودية في العالم وتخريبها، والتعامل مع الأمر بخطورة لا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي يدفع إلى وضع قوانين جديدة لوقف «تنامي معاداة السامية»، واستمرار تعرض المسيحيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية للمضايقات من جانب الإسرائيليين، ولا سيما المحافظين والمتشددين منهم.

وفي تقرير له من تل أبيب، كتب مراسل صحيفة « دومينيون بوست » النيوزيلندية، دانيال ايسترن، انه تم اعتقال أربعة شبان إسرائيليين بعد اتهامهم بالاشتراك في هجمات على مواقع مسيحية وإسلامية وعلى ممتلكات جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولكن تم إطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، على أن يتم التحقيق معهم مجدداً في وقت لاحق. وينتمي اثنان من الشبان الأربعة إلى مجموعة على صلة بجماعة «شباب التلة» المسؤولة عن هجمات على مواقع مسيحية وإسلامية في السنوات الأخيرة، منها أحد الأديرة في اللطرون غرب القدس، حيث كتبت على أحد الجدران عبارات مسيئة للسيد المسيح. وطبقاً لمصادر الشرطة الإسرائيلية، فإن ما لا يقل عن 17 موقعاً مسيحياً تعرضت للهجوم والتدنيس خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، لكن الحقيقة تقول إن العدد أكبر من هذا بكثير، لأن القساوسة والرهبان يمتنعون عن الإبلاغ عن تلك الهجمات. ويقول حنا بندكوسكي من «مركز القدس للعلاقات اليهودية المسيحية» إن الرهبان المسيحيين يمتنعون عن فتح ملفات لقضايا بهذه الهجمات، رغبة منهم في الحفاظ على علاقات ودية وإيجابية مع السلطات الإسرائيلية، كون معظمهم يحمل تأشيرات إقامة مؤقتة في إسرائيل، إضافة إلى أن الشرطة الإسرائيلية لا تبدي الاهتمام اللازم بالأمر على الرغم من ادعائها ذلك.

وتاريخياً أصبحت أعمال «الغوييم - الأغيار» عند اليهود حجر الأساس في مقومات الفكر السياسي والديني اليهودي لقرون كثيرة، الذي قامت عليه إسرائيل، بينما لا يتم الاعتراف بالجرائم التي تم ارتكابها ضد المسيحيين والمسلمين. وفي هذا الخصوص كتب السكرتير العام لجمعية المسيحيين الكاثوليك في الشرق الأدنى في نيويورك، ثوماس مكماهون، إلى الأمم المتحدة في أغسطس 1948 عن انه كانت هناك انتهاكات وأعمال عنف ضد المسيحيين وكنائسهم ومواقعهم الدينية. وفي مايو 1948، انتهكت العصابات الإسرائيلية اتفاق وقف إطلاق النار في فلسطين، وشنت هجمات على العديد من المواقع، منها كنائس وأديرة ومؤسسات خيرية، ما أدى إلى إصابة العديد من النساء والأطفال والكهنة والراهبات.

وفي أبريل 1954 هاجم الصهاينة مقبرة الكاثوليك الإغريق في حيفا، وهشموا القبور وعبثوا ببقايا الجثث فيها ونبشوا محتوياتها ورقصوا عليها، وبعد أشهر من ذلك تعرض موكب بقيادة آباء الكرمل للهجوم بالقرب من مغارة القديس إيليا على جبل الكرمل ما اوقع عدداً من القتلى والإصابات. وفي مطلع 1963 هاجم 70 من طلاب «الياشيفاه اليهود» مدرسة البعثة المسيحية الفنلندية في القدس، وانهالوا بالضرب على المعلمين والموظفين والطلاب.

وعندما احتلت القوات الإسرائيلية القدس في يونيو عام 1967، شهدت نانسي نولان، من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، أن الجنود والشبان الإسرائيليين كانوا يلقون قنابل الرائحة الكريهة على كنيسة القيامة وعلى كنيسة «سانت آن» وقام الجنود الإسرائيليون ذكوراً وإناثاً بتدنيس الكنائس والمقابر وكانوا يرتدون ملابس غير محتشمة.

وفي عام 1968 عبر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك، مكسيموس الخامس حكيم، عن مخاوفه على المسيحية في الشرق وعدم قدرتها على البقاء والاستمرار في فلسطين بسبب الممارسات والسياسات الإسرائيلية.

وفي 1970 وجه بطريرك الأرثوذكس في العاصمة الأردنية عمان بياناً إلى بعثة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان حول ما يتعرض له المسيحيون وكنائسهم وممتلكاتهم في فلسطين من تجاوزات وانتهاكات، قائلاً إن ما يجري ليس مجرد حوادث فردية منفصلة، وإنما جزء من سياسة عامة. وفي 2011 قالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية «يقول رجال الكنيسة الأرمينية في القدس انهم ضحايا المضايقات من الطلاب اليهود، وإن الشرطة الإسرائيلية لا تصغي إلى مطالبهم وشكواهم باهتمام». ويقول الأب غابرييل بادور (78 عاماً) من القدس «يمشي المحافظون المتدينون اليهود حتى يكونوا إلى جانبنا وبموازاتنا فيبصقوا علينا، ونتجاهل معظم الحوادث التي تقع، لكن يبقى الوضع صعباً لأن الأمر يتكرر كثيراً».

ومما يؤثر عن عوفاديا يوسف أنه وجه لعنته إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، أرييل شارون، لقراره الانسحاب من قطاع غزة، وللرئيس الإيراني السابق محمود احمدي نجاد. وفي 2010 دعا الله «بابتلاء هؤلاء الفلسطينيين العرب الإسماعيليين الذين يكرهون إسرائيل». وفي موعظته التي كانت تذاع في برنامج أسبوعي يقول: «خلق الله الغوييم غير اليهود ليكونوا في خدمتنا نحن شعب إسرائيل، فهم الذين يعملون ويحصدون وينقّون ويصفّون ونحن نجلس لناكل كالأفندية والسادة». ومثل هذه الصراحة والتمييزية في المواقف تجر على صاحبها الانتقادات، ولا سيما من جماعات اللوبي الصهيوني المؤيدة لإسرائيل، مثل اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) التي تحاول إعطاء صورة لإسرائيل على أنها «واحة الديمقراطية وحقوق الإنسان» وسط محيط من أنظمة الحكم المتعصبة في دول يسيطر عليها التعصب الديني.

باحث في أكاديمية العلوم السياسية والاجتماع في أثينا.

الأكثر مشاركة