اليمن يتأرجح بـين الأمل والانفـــــصال

في الثاني من أكتوبر خرج عشرات آلاف اليمنيين إلى شوارع عدن في جنوب البلاد، مطالبين بالانفصال عن الشمال. هذا التاريخ يصادف استقلال جنوب اليمن عام 1967، والذي انهى عقود من الاستعمار البريطاني. إلا أن اليمن ظل يبحث بعدها لما يقرب الخمسة عقود عن الاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، والأهم من ذلك، تسوية مسألة هويته الوطنية.

قبل عامين وتسعة أشهر اندلعت احتجاجات كبيرة في العاصمة اليمنية، صنعاء، اعتبرتها وسائل الإعلام بأنها إشارة إلى انضمام اليمن رسمياً لما يسمى ب «الربيع العربي». إلا أن الرؤية الإعلامية التي اعتبرت اليمن عضوا في نادي «الربيع العربي»، بدلاً من تقدير ظروفه التاريخية والسياسية الفريدة من نوعها، فشلت في تفسير معظم الأحداث التي أعقبت احتجاجات الشباب المبكرة التي وقعت في 27 يناير 2011.

خلافات واسعة

أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي جاء إلى السلطة في أعقاب الاطاحة بصالح أن الحوار الوطني على وشك أن يتمخض عن نتائج انتظرتها البلاد طويلاً. وفي الواقع، اختار هادي عباراته بعناية في محاولة منه لردم الهوة بين الجانبين. إلا أن الحقائق على الارض لم تكن مشجعة أو مقنعة، ومن بين هذه الحقائق أن الفصائل المنتمية للحراك الجنوبي قاطعت المحادثات أيضا، وتم تأجيل توقيع أي اتفاقية بسبب خروج ممثلي المؤتمر الشعبي العام، بقيادة صالح، وعلق المؤتمر مشاركته على إثر ذلك رافضاً أي محاولة «للإضرار بوحدة الوطن».

الحراك الجنوبي

الحراك الجنوبي، الذي يدعو إلى نظام فيدرالي بين دولتين يعقبه استفتاء بشأن مستقبل الجنوب، يشوبه الانقسامن والذي ظهر جلياً خلال الاحتفال باستقلال جنوب اليمن، إذ حملت بعض الفصائل المشاركة لافتات عليها صور وزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي عزل الرئيس محمد مرسي، بينما لوح آخرون بأعلام «حزب الله» اللبناني. وسرعان ما تحول هذا الانقسام السياسي إلى اشتباكات دامية في ساحة العرض، وسط عدن، وتعرض البعض للإصابات.

أهم هذه الاحتجاجات الضخمة، والتي حدثت في الثالث من فبراير، هدفت للإطاحة بالرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، وعائلته القوية التي فرضت نفسها على مؤسسات الدولة لـ 33 عاماً، حيث اتحدت كل من صنعاء وعدن تحت راية واحدة، وكان يوماً مشهوداً بالنسبة للمدينتين اللتان كانتا في يوم من الأيام عاصمتين متحاربتين. وبرهنت هذه الأحداث بأن الشباب اليمني قادر على معالجة الجفوة بين شقي اليمن، وهو الجانب الذي فشل فيه السياسيون وجنرالات الجيش على الرغم من العديد من الاتفاقيات وسنوات من الصراعات الدموية. إلا أن هذا الانتصار الجماعي للشعب اليمني لم يكن له وجود سوى في شوارع البلاد التي تغص بالفقر والعوز، لكنه أيضا يبعث على الأمل. بيد أن هذا الشعور لم تتم ترجمته أبداً كانتصار سياسي واضح، حتى بعد رحيل صالح في فبراير عام 2012.

ومنذ ذلك الحين، انعقد مؤتمر الحوار الوطني بتمثيل من مختلف الأحزاب السياسية والقبائل الكبرى، والحركات الشبابية، وممثلين عن الجنوب والشمال. ويتمثل عمل هذه المكونات في صياغة دستور من خلال تنظيم استفتاء وانتخابات عامة. وتم تحديد 18 سبتمبر 2013 موعداً نهائياً لإنجاز هذه المهام الاساسية، إلا أنه لم يتم انجاز أي شيء على أرض الواقع، والأسوأ من ذلك بدأت تظهر انقسامات عميقة بين جميع الأطراف المعنية. وفي البداية، حاول مؤتمر الحوار استكشاف القواسم المشتركة بين ممثلي المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وأحزاب اللقاء المشترك، التي تمثل المعارضة، ولكن سرعان ما دب الصراع بين أعضاء أحزاب اللقاء المشترك أنفسهم.

ويتكون اللقاء المشترك من أحزاب معارضة عدة، بما في ذلك التجمع اليمني للإصلاح، ذو الميول الإسلامية، الذي يتمركز أنصاره الأساسيون في الشمال، والحزب الاشتراكي اليمني، العلماني، ومقره في الجنوب. هذين الحزبين جاءا من مدارس فكرية مختلفة تماماً، ولم تكن توحدهما الرغبة دائما في مواجهة المؤتمر الشعبي العام، بقيادة علي عبد الله صالح. بل أن التجمع اليمني للإصلاح، والذي يعتقد بأنه يمثل جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، تحالف ذات مرة مع صالح لضرب الاشتراكيين. وكتب الناشط اليمني، فارع المسلمي، في صحيفة المونيتور« إن التوسع الاشتراكي المتدفق من الجنوب جعل الإخوان المسلمين يتحالفون مع نظام صالح أثناء حروب المناطق الوسطى (1978-1982) ضد ما أسموه المد الشيوعي».

وكانت جمهورية اليمن الحالية في تلك الأيام بلدين مختلفين: جنوب اليمن الماركسي اللينيني، وشمال اليمن. وبعد سنوات من الصراع استخدم فيها كلا الجانبين حلفاؤهم الاقليميين وظروف الحرب الباردة، اتحد الجزآن أخيراً في 22 مايو 1990. وبعد وقت قصير من الاتحاد شرعت البلاد في عملية التحول الديمقراطي، والانتخابات وتقاسم الثروات، إلا أن ذلك سرعان ما انهار. وبدأ القادة الجنوبيين يتحدثون عن مؤامرة تهدف إلى الهيمنة على اليمن الجنوبي القليل السكان، الغني بالموارد من قبل الشمال الذي تسيطر عليه القبائل. وسرعان ما تحول الصراع السياسي في عام 1994 إلى حرب أهلية انهزم فيها الجنوب وهرب الآلاف من قادتها ورجال الجيش، وفشلت كل جهود المصالحة.

ويتألف الحزب الاشتراكي اليمني الجاري من فلول القيادة المنحلة في جنوب اليمن. وعلى الرغم من أن الثورة اليمنية التي اندلعت في يناير2011 أشعلت الحماسة القومية في جميع أنحاء البلاد، وبدأت محادثات التحول السياسي تظهر على السطح في وقت لاحق، بدأ اليمنيون، لاسيما في الجنوب، يفقدون الثقة في هذه العملية وفي مؤتمر الحوار الوطني. وهناك عامل آخر ساهم في ذلك وهو حالة الانفلات الأمني في جميع أنحاء اليمن، الذي تؤجج بعضه القاعدة، ويستهدف معظمه المدن الجنوبية والناشطين الجنوبيين. واتهم البعض في الجنوب صنعاء بتسهيل أو السماح بتأجيج مثل هذا العنف لتحقيق غايات سياسية.

وعلاوة على ذلك أصبحت أحزاب اللقاء المشترك، التي كان من المفترض أن تكون جبهة موحدة للمعارضة، تسبب صداعا مستديما للاشتراكيين، الذين انعدمت ثقتهم بالتجمع اليمني للإصلاح، وهذا الأخير يعارض بشدة أي تقسيم للبلد. وتجدر الاشارة إلى أنه عندما عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي، احتج أنصار التجمع اليمني للإصلاح في غضب عارم، في حين احتفل الاشتراكيون بما حدث.

حتى الجنوب نفسه لم يعد موحداً، إذ أن الحراك الجنوبي، الذي يدعو إلى نظام فيدرالي بين دولتين يعقبه استفتاء بشأن مستقبل الجنوب، يشوبه الانقسام. ويتكون الحراك من العديد من الأحزاب والفصائل السياسية التي تمزقها المنافسة بين القيادات. وظهر هذا الانقسام جليا في 12 أكتوبر خلال الاحتفال باستقلال جنوب اليمن، حيث حملت بعض الفصائل المشاركة لافتات عليها صور وزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي عزل مرسي، بينما لوح آخرون بأعلام «حزب الل» اللبناني. وسرعان ما تحول هذا الانقسام السياسي إلى اشتباكات دامية في ساحة العرض، وسط عدن، وتعرض البعض للإصابات.

في الثامن من أكتوبر، قبل بضعة أيام من مسيرات عدن، أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي جاء إلى السلطة في أعقاب الاطاحة بصالح أن الحوار الوطني على وشك أن يتمخض عن نتائج انتظرتها البلاد طويلاً. وفي الواقع، اختار هادي عباراته بعناية في محاولة منه لردم الهوة بين الجانبين. إلا أن الحقائق على الارض لم تكن مشجعة أو مقنعة، ومن بين هذه الحقائق أن الفصائل المنتمية للحراك الجنوبي قاطعت المحادثات أيضا، وتم تأجيل توقيع أي اتفاقية بسبب خروج ممثلي المؤتمر الشعبي العام، بقيادة صالح، وعلق المؤتمر مشاركته على اثر ذلك رافضا أي محاولة «للإضرار بوحدة الوطن».

حتى ولم تم توقيع مثل هذا الاتفاق من أي وقت من الاوقات فإن مؤتمر الحوار الوطني لا يستطيع تنفيذ أي اتفاق يفتقر إلى تفويض واضح وموافقة شعبية صريحة. كما أن توحيد البلاد حول أفكار مماثلة ليس أمرا سهلا، بل أصبح من المستحيلات لا سيما مع استمرار التمرد في الشمال وظهور بوادر الانفصال في الجنوب، واستشراء الفقر، وتواصل هجمات الطائرات الاميركية من دون طيار.

 

 

 

 

 

 

الأكثر مشاركة