الخلافات أضعفت «الائتلاف» وقسمته بـين الدعم الدولي والشرعية المحلية

المعارضة السورية تواجه خيارات صعبة بـين المفاوضات والوضع المرتبك

صورة

تعرض الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية لضغوط كبيرة من أجل المشاركة في مفاوضات السلام المعروفة باسم «جنيف2»، وهو مصمم لتنفيذ مقررات الخطة الانتقالية لعام 2012، المعروفة بـ«جنيف1»، التي تتضمن وقف إطلاق النار، وإنشاء حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة على أساس الموافقة المشتركة لجميع الأطراف. وأسباب التفاوض بين المعارضة والنظام السوري مفهوم تماماً بالنظر إلى حالة الاستقطاب الداخلي في سورية، إذ إن التوصل الى فترة انتقالية عن طريق المفاوضات يمثل الطريق الوحيد لوقف سفك الدماء، وضمان عدم تقسيم البلد واستعادة الاستقرار إليها. وفي الوقت نفسه، فإن دفع المفاوضات بين الائتلاف السوري والنظام ينطوي على مخاطر أيضاً يمكن أن ترتد بصورة عكسية.

مخاوف «الائتلاف»

قرر الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية المشاركة المشروطة في مؤتمر «جنيف2»، لأن عدم المشاركة من شأنه أن نزيد نفور المجتمع الدولي من الائتلاف، في حين يعزز من قوة رواية النظام السوري بشأن عدم اهتمام المعارضة السورية بالســلام. وإضافة إلى ذلك، فإن فقدان الائتلاف المزيد من الأنصار على الأرض، والخروج من المعترك الدولي سيؤدي الى تهميش إضافي للذات. ولكن إذا كان الابتعاد عن عملية سياسية غير موثوقة مسألة محفوفة بالمخاطر، فإن موضوع المشاركة أيضاً يبدو إشكاليا بصورة مماثلة.


الدعم الدولي للمفاوضات

من المهم أن يمد الائتلاف يده إلى بقية الجماعات الرافضة للمفاوضات مع النظام، والاستثمار في مرحلة ما قبل المفاوضات ضمن الجماعات المختلفة التي تشكل الائتلاف قبل التحول الى ديناميكية «حكومة مقابل معارضة». كما يتعين على المجتمع الدولي أن يقدم الدعم لعملية المفاوضات السياسية. ولضمان نجاح المفاوضات يجب على المجتمع الدولي أن لا يضغط على الائتلاف فحسب، وإنما على الجماعات السلفية التي تعمل خارج نطاق الائتلاف.

ويجد الائتلاف الوطني السوري نفسه في موقف هش، ففي الوقت الذي تخفض فيه الولايات المتحدة من دعمها العسكري، وتلغي خيار استخدام القوة ضد النظام السوري، يجد الائتلاف نفسه الآن في حالة أضعف في ما يتعلق بالدعم الدولي والشرعية المحلية. ويزداد الخلاف بين أعضاء القيادة السياسية، كما أن قدرة الائتلاف على إدارة المعارك أصبحت محدودة أكثر من أي وقت مضى.

وأصبح التشرذم والصراع الداخليان ضمن قوى المعارضة السورية، السبب الرئيس الذي يجعل الذهاب الحالي إلى المفاوضات كمن يواجه خيارين أحلاهما مر. وتشظت المعارضة السورية السياسية والعسكرية الى ثلاثة اتجاهات هي: العدد الحقيقي للجماعات التي تقاتل النظام، وطريقة توزع القوى بين هذه الجماعات وأساليب التنسيق الداخلي في ما بينها. وتركز معظم تحليلات وضع المعارضة على توزيع الجماعات المسلحة، وتأخذ هذا الانطباع عنها كبرهان على قلة فاعليتها.

ولكن ضعف المعارضة ليس ناجماً عن تناقص تعدادها، إذ إن الجماعات المعارضة المنتشرة، وغير المركزية يمكن أن تكون فعالة خلال قتالها مع جيش نظامي، بالنظر إلى أن تركيبتها الشبكية يمكن أن تجعلها أسهل في الحركة والتكيف، وأقل عرضة للقضاء على قيادتها. إلا أن مشكلات المعارضة تنجم عن الشكل الأفقي المتزايد الذي تتوزع وفقه القوة المؤلفة من الجماعات المسلحة المعارضة، ومن انحدار وضع الجسم الأكثر تنظيماً والمدعوم دولياً، أي الائتلاف الوطني السوري. وعلى الأرض السورية لا يستطيع كل من الائتلاف أو الجيش السوري الحر الادعاء بأنه المركز الرئيس لقوة المعارضة، بل على العكس، فإن القوة موزعة على مختلف اللاعبين، بما فيهم الجماعات المرتبطة مع تنظيم القاعدة والكثير من الجماعات المعارضة والإسلامية.

ولا ينطبق ذلك على الصعيد العسكري فحسب، وإنما على السياسي أيضاً، لأن المزيد من الجماعات المتنافسة مهتمة بالسيطرة وإدارة المناطق المحررة بصورة مباشرة، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور محاولات للصراع من أجل السيطرة ليس من قبل نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد فحسب، وإنما من الآخرين. وتزداد حدة هذه المنافسة نتيجة الحقيقة التي تقول إن الجهة الرئيسة المخصصة لتأمين التمثيل الخارجي والتنسيق السياسي، أي الائتلاف، منتشرة في العديد من البلاد كما أن التنافس يتزايد في ما بينها، وهي واقعة بين مطرقة مطالب داعميها الدوليين وسندان أنصارها على الأرض. وخلال الأسابيع الأخيرة، تصاعدت هذه النزعة، حيث رفضت الجماعات السلفية الرئيسة رسمياً سلطة الائتلاف وشكلت نظام التنسيق الخاص بها.

ويتوقع خبراء الصراع الداخلي بأن الحركات التي تتسم بهذا المستوى من التنسيق الفضفاض وانتشار القوة، ستنضوي في الصراعات الواسعة والمحلية، والمترددة، حيث يصارع العديد من المنظمات من أجل تحقيق السيطرة، وجميع التحركات الدائرة في المعارضة السورية تتناسب تماماً مع المثال المذكور.

وفي هذا السياق، فإن المفاوضات المحتملة بين الائتلاف والنظام تنطوي على آثار تفاقم من سوء التحركات المذكورة سابقاً جراء القتال بين الجماعات، ويمكن أن تضيف الضغط على القيادة السياسية المتصارعة. والافتقار للدعم القوي ضمن مراتب المعارضة، سيجعل قدرة الائتلاف محدودة اكثر في تقديم الحلول والتنازلات، ويعرض للخطر إمكانية إضعاف صدقية الائتلاف إذا فشل في عقد صفقة جيدة. وسيجد الائتلاف نفسه في ورطة صعبة. وإذا ثبت أن المفاوضات كانت محاولة أخرى من نظام الأسد لشراء الوقت، فإن ذلك سيقلل من صدقية الائتلاف، وفي الوقت نفسه يهدد بارتفاع وتيرة الصراع الداخلي، وقد يؤدي الى المزيد من الصدوع. وإضافة إلى ذلك فإن تصاعد الصراع الداخلي للمعارضة سيمنح الحكومة السورية «العدو الذهبي» كي تغادر المفاوضات.

وفي نهاية المطاف، فإن الائتلاف يواجه مخاطر رفض بعض جماعات المعارضة بالانخراط في أي ترتيبات يتم الاتفاق عليها من قبل الائتلاف السوري. وفي هذا السياق الكئيب، تبقى المحادثات المنفتحة وذات الصدقية، الموجهة نحو أهدافها هي المسألة الوحيدة التي تشد من عضد الائتلاف وتمنع حدوث المخاطر المترافقة مع ممارسة المفاوضات السياسية.

تويتر