«النقابة» تحقق مع 23 صحـــافياً مصرياً تسللوا إلى القدس
حققت نقابة الصحافيين المصريين، في أجواء سادها التكتم والحرج، الثلاثاء الماضي، في واقعة زيارة 23 صحافياً مصرياً للقدس المحتلة انطلاقاً من رام الله، ضمنهم ثلاثة من أعضاء مجلس النقابة. وبينما شن نقابيون وصحافيون مستقلون حملة واسعة على زملائهم الزائرين، متهمين إياهم بـ«التطبيع» وخرق مقررات الجمعية العمومية برفض التعامل مع «الكيان الصهيوني »، رد المحالون إلى التحقيق بالتحدي والمجابهة، وهدد بعضهم بـ«فضح صحافيين قاموا بالتطبيع فعلاً»، أي بالذهاب إلى إسرائيل، على حد تعبيرهم، فيما دعا آخرون إلى إعادة تعريف «مفهوم التطبيع» لتصبح الرؤية واضحة أمام الجميع.
شأن داخلي حصلت «الإمارات اليوم» على صورة ضوئية للملف الكامل للتحقيق بشأن واقعة الذهاب إلى القدس المحتلة، والذي تضمن 18 بنداً، بينها بيانات ومواقف جهات متباينة، كما علمت من مصدر ــ فضل حجب اسمه ــ شارك في التحقيق، أن اتجاه التحقيق سار في اتجاه منع تحول القضية إلى أزمة خارج أسوار النقابة أو اللجوء إلى القضاء، وحصرها في إطار الحفاظ على إجماع رفض التطبيع، وإقرار الصحافيين الزائرين بعدم شرعيته أو تجاوزه في المستقبل. |
وأنهت نقابة الصحافيين المصريين التحقيق في واقعة زيارة القدس المحتلة من قبل صحافيين مصريين، بناءً على قرار أصدره نقيب الصحافيين ضياء رشوان وعارضه ثلاثة من أعضاء مجلس النقابة، كونه «غير ذي صفة»، لأن النقيب ليس من حقه إصدار القرار منفرداً، وإلا أصبح اسمه «رئيس جمهورية النقابة»، أو «ملك النقابة»، على حد تعبير عضو مجلس النقابة، وأحد من كانوا في الزيارة، أسامة داوود.
دعوة رسمية
وقالت الصحافية نظيمة سعد الدين، التي كانت ضمن الزائرين، لـ«الإمارات اليوم»: «ذهبنا إلى رام الله بدعوة رسمية من نقابة الصحافيين الفلسطينيين، ورعاية اتحاد الصحافيين العرب، وبموافقة النقابة المصرية، وأنهينا الإجراءات في مكتب ضياء رشوان نفسه، ولم نفعل شيئاً في الخفاء. أما عن ذهابنا إلى القدس المحتلة، فقد دخلنا إلى هناك تسللاً وبوسائلنا الخاصة، ولم نخضع لتأشيرة إسرائيلية، ولا مررنا على نقاط تفتيش إسرائيلية، ولم نقابل إسرائيليين على الإطلاق، مع العلم أن المسافة من رام الله إلى القدس لا تتجاوز 20 دقيقة، فأين المشكلة؟». وأضافت أنه «أولى بالنقابة مواجهة صحف وصحافيين زاروا إسرائيل، ولديهم مراسلون فيها، وهي تعلم وتغض الطرف، بدلاً من افتعال معركة معنا».
من جهتها، قالت الصحافية، وعضو وفد الزيارة، حنان بدوي لـ«الإمارات اليوم» إن «التطبيع بالنسبة لي هو أن يدعوني الإسرائيليون إلى زيارتهم أو التعامل مع مؤسساتهم فأقبل، لكن أنا وزملائي تمت دعوتنا من جهة فلسطينية لزيارة أهلنا في الأراضي المحتلة، كما مكنونا من زيارة القدس الشريف من دون التعامل مع إسرائيليين، فلا أرى جريمة في هذا».
وأضافت «لقد كتب كل زميل ممن ذهبوا معنا عبر المعاينة على الطبيعة، وحسب منظوره الخاص، عن معاناة القدس وأهلها وبشاعات الاحتلال الصهيوني، ومعاناة أمهات الأسرى، وأجروا تحقيقات وحوارات، وكتبوا تقارير صحافية، ونقلوا صوراً حية للقارئ العربي هو في أمسّ الحاجة لمعرفتها عن الشعب الفلسطيني»، وقالت «ضميرياً أنا مرتاحة لهذا الجهد، أما من يبحثون عن معارك استعراضية فهذا أمر يخصهم».
سقطة إدارية
وقال الصحافي عضو مجلس النقابة وعضو وفد الزيارة أسامة داوود، لـ«الإمارات اليوم» إن قرار الجمعية العمومية بشأن رفض التطبيع واضح الصياغة «إذ إنه ينص على أنه يحظر التطبيع مع العدو الصهيوني مهنياً وشخصياً وثقافياً، كما يحظر التعامل مع أي مؤسسة تتبع هذا الكيان، وأنا لا أرى أننا خرقنا هذا القرار».
وأضاف أنه يعد قرار نقيب الصحافيين في هذا الموضوع «سقطة»، كما أنه يعتقد أن إحالة صحافيين إلى التحقيق، قرار لا يخص النقيب منفرداً، وإنما يجب أن يخرج بموافقة أغلبية مجلس النقابة، خصوصاً أن ثلاثة صحافيين من المحالين للتحقيق هم أعضاء في مجلس النقابة، مشيراً إلى أن رشوان «نقيب منتخب وملزم بمشاورة مجلس النقابة، وليس ملك نقابة الصحافيين، ولا رئيس جمهوريتها».
وأكد داوود أن الزيارة «كانت فارقة بالنسبة له لإدراك معاناة الفلسطينيين على الأرض، فالمشاهدة بالعين مختلفة تماماً عن المتابعة من بعيد، كما أنه قرر بعد الزيارة أن يفتح الملف بلا حساسية، ويدعو جميع الدول العربية إلى إيجاد صيغة لتعديل موقفها، والسماح للعرب والمسلمين بزيارة القدس المحتلة لتعزيز الوجود العربي والمسيحي هناك في مواجهة التهويد المتواصل».
وقال «يكفي أن أقول لك أنني شاهدت المصلين أثناء صلاة العصر في المسجد الأقصى لا يكملون صفاً واحداً، بحكم سياسات الحصار والمنع الممنهج التي تتبعها إسرائيل».
تسلل
وقال عضو مجلس النقابة، ورئيس لجنة الشؤون العربية وعضو الوفد الزائر هشام يونس لـ«الإمارات اليوم»: «نحن دخلنا القدس المحتلة متسللين بطريقة شبيهة بدخول الفدائيين الفلسطينيين، ولو ضبط السائق لتم تغريمه 12000 شيكل وحبسه ستة أشهر ومساءلته وإخطاره أمنياً، وبالتالي أنا أفهم أن هذا يُغضب السلطات الإسرائيلية، لكني لا أفهم لماذا يُغضب نقابة الصحافيين المصرية».
وأوضح أن «المشكلة تسبب فيها صحافيون ونقابيون معروفون بالنضال الصوتي، وهناك أشخاص حاولوا تسفير أشخاص يخصونهم في الوفد، ولما فشلوا فجروا الأزمة، ونحن طالبنا بتشكيل لجنة بت أو تقصي حقائق في الموضوع لنقول تفاصيل وخلفيات ودوافع شخصية لا علاقة لها بالشعارات المطروحة».
وأضاف «أستغرب أن أكون حصلت على جائزة نقابة الصحافيين عام 2000 عن تغطياتي لأوضاع القدس المحتلة بعد زيارتي لها آنذاك، ثم يحقق معي أو على الأقل ينسب إليّ أني مطبع لزيارتها عام 2013، وعلى أي حال يكفي أننا أول وفد شعبي عربي يذهب مع المقاومين الفلسطينيين إلى بلعين، ويشارك في تظاهرة معهم ضد قمع الاحتلال، ويتعرض لقنابل الغاز الإسرائيلية، ويكفي لي شخصياً أنني حضرت ووثقت مع مقاومين فلسطينيين عملية هدم جزء من الجدار العازل».
زيارة مرفوضة
من جهته، رفض سكرتير نقابة الصحافيين كارم محمود، ردود الصحافيين الزائرين للقدس المحتلة. وقال إن «زيارة أعضاء النقابة إلى رام الله عرضت على المجلس ووافق عليها، لكن كانت قاصرة فقط على زيارة الاراضي الفلسطينية». وأضاف أن واقعة ذهاب الزملاء إلى القدس مرفوضة، ولو كانت عبر التسلل.
ردود فلسطينية
على الصعيد الفلسطيني، دخلت الرئاسة الفلسطينية على الخط، حيث اتصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس برئيس الوفد المصري الزائر هشام يونس وزملائه، وأبلغه استنكاره لاتهامات الوفد بالتطبيع، مؤكداً ترحيب فلسطين والفلسطينيين بالزيارة، بحسب ما قال يونس لـ«الإمارات اليوم».
كما عقد نقيب الصحافيين الفلسطينيين عبدالناصر النجار مؤتمراً صحافياً، وصف فيه «اتهامات التطبيع» بأنها «محاولة غبية للنيل من متضامنين مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني». وقال «لا نريد مزايدة، فالوفد المصري عايش معاناة الشعب الفلسطيني، ودخل إلى القدس تهريباً ومن دون تصريح من إسرائيل، ومن يُرد الأقصى يجب أن يدافع عنه». كما عقد السفير المصري برام الله ياسر عثمان مؤتمراً صحافياً، قال فيه إن «الوفد قام بعمل بطولي، وإذا اعتبرنا القدس الشرقية تابعة لإسرائيل، فنحن هكذا مع الموقف الإسرائيلي».
هجوم
في المقابل، شنت الصحافية الفلسطينية صابرين دياب هجوماً على الوفد المصري. وقالت في رسالة إلى نقابة الصحافيين المصرية «أثار اشمئزازنا قدوم وفد من نقابة الصحافيين المصريين، ولم يكتف هؤلاء بدخول رام الله، بل أوصلهم التردي إلى المسجد الاقصى وكنيسة القيامة المطوقين بجنود الاحتلال، ألم يذب هؤلاء خجلاً عندما شاهدوا جنود الاحتلال وهم يمعنون النظر في جوازات سفرهم ويأذنون لهم بالدخول؟». يذكر أن دياب، ابنة مدينة طمرة المحتلة، عرفت على شكل واسع في مصر بعد أن تعرضت لتفتيش بدني ومصادرة لهواتفها وجهازي التسجيل والكاميرا الخاصين بها في مطار القاهرة من قبل رجال أمن شركة العال الإسرائيلية في 11 نوفمبر 2010.
وفي الصحافة المصرية، شن أربعة كتاب صحافيون مصريون، هم جمال عرفة وطلعت إسماعيل وفتحي محمود ويحي قلاش، هجوماً على زيارة الوفد إلى القدس المحتلة، وذكر قلاش بإحالة الصحافيين لطفي الخولي وعبدالمنعم سعيد إلى التحقيق بالمخالفة نفسها في الثمانينات، بينما جنح عرفة إلى تحويل المشكلة إلى معركة ايديولوجية وسياسية بالقول إن «من قاموا بزيارة القدس ليبراليون ويساريون».
تضامن عربي
في مفاجأة هي الاخيرة كشفتها الأزمة، تأكد اعتزام اتحاد الصحافيين العرب عقد اجتماعه المقبل في رام الله، حيث تضمن بيان دفاع الاتحاد عن الوفد المصري، الذي حصلت «الإمارات اليوم» على نسخة منه إشادة بقرار اتخذ منه بذلك في الثالث من نوفمبر الماضي، ما يتوقع معه ولادة ردود أفعال عاصفة مؤيدة ومعارضة على المستويين الفلسطيني والعربي، ما ينبئ أيضاً باحتمالات ولادة أزمة جديدة.