دعوات في مصر لفتح المساجد ليلاً لحماية المشردين من الصقيع

أثار مصرع المبدع والروائي والفنان التشكيلي السوداني، محمد حسين بهنس (43 عاماً)، الذي كان يعيش متنقلاً بين المقاهي، بسبب موجة الصقيع وعدم وجود مأوى له، حالة جمعت الحزن إلى الصدمة في الشارع المصري، وجاء الحادث بعد أيام من مقتل (عم محمد)، الذي وجد متجمداً أيضاً للسبب نفسه في شوارع القاهرة، كما أصيب العشرات من المتسكعين في الشوارع بسبب البرد بحالات مرضية مختلفة. في هذه الأثناء، تصاعدت دعوات إلى فتح المساجد ليلاً لمبيت آلاف المشردين وأطفال الشوارع، فيما ظهرت دعوات موازية، أبرزها ما يسمى «مصر الدفيانة»، لدعوة القادرين مالياً إلى التبرع ببطاطين والطواف بها على الموجودين في الشوارع، والتضامن معهم مادياً ومعنوياً في مواجهة ظروف الطقس القاسية، بعد أن أعلنت مراكز بحوث وجماعات حقوقية أن أعداد أطفال الشوارع والمشردين المعرضين للخطر تعدت المليونين.

حزن واستياء

المبدع والروائي والفنان التشكيلي السوداني، محمد بهنس، كان وجهاً مألوفاً لمرتادي وسط القاهرة، حتى لمن لا يعرفون اسمه. وموته بهذه الطريقة المؤثرة أثار حالة حزن واستياء في أوساط الحركة الثقافية، خصوصاً أنه كان يمتلك مواهب عديدة كرسام وعازف، رغم ظروف الضنك التي يكابدها في حياته إلى الدرجة التي لا يمتلك فيها مأوى سوى النوم في الشارع.

الموت في الشارع

تفصيلاً، أصاب حادث مصرع المبدع السوداني محمد بهنس (43 عاماً)، بسبب الصقيع، حالة حزن واستياء في أوساط الحركة الثقافية وأفراد الشعب المصري، خصوصاً أن بهنس كان وجهاً مألوفاً لمرتادي وسط القاهرة، حتى لمن لا يعرفون اسمه. وقالت الإعلامية رشا فاروق عابدين لـ«الإمارات اليوم» إنها فجعت بوفاة بهنس بهذه الطريقة المؤثرة، وانها التقت مع بهنس على مقهى مصري في صحبة مبدع جنوبي سوداني، ولفت نظرها التناقض بين المواهب العديدة التي يمتلكها كرسام وعازف وروائي، وظروف الضنك التي يكابدها في حياته بالقاهرة، إلى الدرجة التي لا يمتلك فيها مأوى ولا يملك سوى النوم في الشارع. وتابعت عابدين أن «موهوبين أقل من ذلك بمراحل تحتضنهم دولهم أو مؤسسات إبداعية من دول أخرى، ولا تتركهم هكذا إلى حد الموت في الشارع». وقال المحلل السياسي د. نبيل رشوان لـ«الإمارات اليوم» إنه شاهد بهنس دون أن يعرف اسمه عشرات المرات في مجموعة المقاهي التي يرتادها المثقفون المصريون والعرب قرب ميدان التحرير.

وتابع أن «على الدولة أن تهتم بتوفير حياة كريمة لهؤلاء المبدعين، على الأقل بتوفير حق السكن لهم في أدنى درجاته». واستطرد أنه «حتى لغير المبدعين، وبحكم خبرته ومعايشته لاوضاع شبيهة في روسيا ودول أوروبية، فإن الدولة يجب أن يكون لديها ما تقدمه لهؤلاء المشردين إيواءً وتغذيةً ورعايةً». وقال الصحافي السوداني، محمد الأسباط، في مكالمة هاتفية لـ«الإمارات اليوم» من الخرطوم، إن «نخبة من المثقفين السودانيين وأصدقاء بهنس ينتظرون وصول جثمانه من القاهرة، ربما ليقدموا إليه ميتاً ما لم يقدموه إليه حياً». وأضاف الأسباط أنه ربطته علاقة صداقة بالمبدع الراحل قبل تخرجه في جامعة أمدرمان الإسلامية، كما أنه قدم قراءة لروايته «راحيل» في صحف سودانية، وقد تعددت لقاءاته في القاهرة والخرطوم، وأنه رغم ظروفه الصعبة كان يلتقيه هاشاً باشاً لا تفارقه الابتسامة، وأن موته بهذه الطريقة إدانة أكيدة لكل أصحاب الضمائر الحية من المحيطين به».

موت «عم محمد»

وجددت حادثة موت بهنس حالة الصدمة التي انتابت كثيرين بعد موت «عم محمد»، الذي لم يُعرف له أهل أو عنوان، ووجد متجمداً من البرد، ونشرت قصته صحيفة «الاهرام» القاهرية منتصف الاسبوع الماضي. وكان مجموعة من الشباب وجدوا «عم محمد» في حالة إعياء شديد، بعد أن ظل ملقى أمام المستشفى الذي كان يعالج فيه، فأخرجه ورفض استمراره فيه، ورفض الإسعاف والشرطة أن يتحملا مسؤوليتهما، وكانت قمة المأساة أنه عندما نجح الشباب في إقناع مدير مستشفى العباسية النفسية بقبوله واتجهوا إليه وجدوه قد توفي متأثراً بالبرد.

مشردون بلا حدود

في الإطار ذاته، قدر تقرير حقوقي صدر أخيراً أعداد المشردين في شوارع القاهرة بـ700 ألف فرد، وقدرت «اليونسيف» أطفال الشوارع بـ500 ألف طفل، فيما قدرت مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية عدد المودعين في مؤسسات رعاية الأحداث بـ565 ألف طفل، وتشكل هذه المجموعات روافد متجددة لظاهرة التشرد والتسكع في الشوارع في مصر.

افتحوا المساجد

على هذه الخلفية، دعت مجموعات شبابية وائتلافات إلى فتح المساجد لايواء المشردين من الصقيع، خصوصاً في القاهرة. وقال الداعية الأزهري وإمام مسجد عمرو بن العاص الشرقاوي علي عطية لـ«الإمارات اليوم»: «أنا لا أرى مانعاً من فتح المساجد لحماية الناس من البرودة، بضوابط معينة، منها أن يتحلى من يتم إيواؤهم بآداب الإسلام، وأن يتم ذلك برضا ومعرفة الإمام ومقيم الشعائر، وأن يتم التحقق من شخصيته، فلا يكون لصاً أو خارجاً عن القانون». وتابع عطية أن «المسجد في الإسلام له فلسفة عميقة، لا تقصر دوره على أداء الفرائض، حيث يتعدى ذلك إلى خدمة المسلمين ليصبح داراً للتشاور وخدمة حياتهم والدفاع عنهم». على التوازي، أعلن الناطق باسم الكنيسة الكاثلوكية، الاب جريش رفيق جريش، أن «الكنائس تؤكد في هذه الظروف فتح أبوابها لأطفال الشوارع وكبار السن، ولا تفرق بين المسلمين والمسيحيين، وأن هناك 35 مدرسة تقدم وجبات ساخنة يومية للمحتاجين».

توازياً مع ذلك، انتشرت حملات توزيع البطاطين في كل ربوع مصر، تنظمها ائتلافات ومجموعات، منها مجموعة «مصر الدفيانة» التي تستهدف جمع خمسة ملايين بطانية، وأخرى فردية. ورصدت «الإمارات اليوم» سيارات أهلية تحمل بطاطين توزعها على المحتاجين، تحت الكباري، وأمام المساجد، ومحطات الاوتوبيس، وأماكن أخرى مختلفة.

يذكر أن أهالي محافظة أسوان أعلنوا عن مبادرة الثلاثة ملايين بطانية لجمعها وتوزيعها في عموم مصر، كما نشرت أمس صحف مصرية.

الأكثر مشاركة