الجنرال حفتر.. النسخة الليبية من أحمد الجلبي
تمكن 92 معتقلاً ليبياً من الفرار من سجنهم في بلدة زلتن، الأسبوع الماضي، لكن سلطات الأمن الليبية تمكنت من القبض على 90 منهم، بينما أصيب اثنان باشتباكات مع الحراس. كان هذا الحدث مجرد حلقة يومية في دوامة الفوضى العارمة، التي تعصف بليبيا أمنياً وسياسياً، منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي ونظامه في 2011.
ومع سيطرة مفاهيم الانتماء والولاء للعشيرة والمنطقة والإقليم على غيرها، تسهل على أي مراقب ملاحظة غياب الهوية الوطنية الحقيقية في ليبيا. وفي يوم هروب السجناء (14 فبراير الجاري) نفسه، أعلن ضابط اسمه خليفة حفتر عن قيامه بانقلاب باسم «القيادة الوطنية للجيش الليبي»، في تحرك لتنفيذ ما قال إنه خارطة طريق جديدة لإنقاذ البلاد. غير أن رئيس الوزراء علي زيدان وصف المحاولة الانقلابية بأنها «عمل سخيف»، بينما وصفها عسكريون ليبيون بأنها «كذبة»، وأنها كانت مجرد تحرك لفرض تنفيذ برنامج العمل الوطني، واستعادة الأمن والنظام بالقوة وليس انقلاباً.
كانت جهود حفتر أشبه بالمهزلة، ولم ينتج عنها أي شيء غير اجتذاب المزيد من الانتباه إلى حالة الانقسام والتشظي التي تميز الواقع الليبي. وفي غمرة هذا الواقع المرير، يخرج زيدان ليقول «إن ليبيا مستقرة، وبرلمانها يقوم بعمله، وكذلك الحكومة»، غير أن تقييم زيدان بعيد عن الصواب، ومناقض تماما لواقع يضم عشرات الجماعات المسلحة والفصائل والميليشيات التي تتحكم في مفاصل الحياة اليومية سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
وحينما قام حفتر بحركته العسكرية، كتب مراسل «نيويورك تايمز» في القاهرة «إن ليبيا تشهد انقلابا أو أن ما يجري ليس كذلك». وليس سراً أن الضابط حفتر ذا التاريخ والسجل الغامض، يحظى بمساندة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، منذ قرابة ثلاثة عقود. وقد شارك حفتر في الحرب بين ليبيا وتشاد، ووقع في أسر القوات التشادية مع كامل وحدته المكونة من 600 جندي، ثم تم الإفراج عنه بتدخل دولة إفريقية تلقت طلبا بذلك من الـ«سي ىي ايه». وقد عاد قسم منهم إلى ليبيا، بينما رفض حفتر و350 آخرين العودة، حيث انهمك عناصر الاستخبارات المركزية الاميركية في تأمين منازل وإقامة لهم بالدول الافريقية، استعدادا لدور يقومون به في الاطاحة بنظام القذافي، واستقر حفتر في أوائل التسعينات بولاية فرجينيا، وانخرط في صفوف عناصر المعارضة الليبية التي تقوم بتدريباتها في أميركا.
في ديسمبر 1996، ورد اسم حفتر في تقرير لإحدى لجان الكونغرس، بصفته قائداً للجيش الوطني الليبي، الجناح العسكري لجبهة الخلاص الوطني. ومنذ ذلك الوقت استغرق الأمر 15 عاماً حتى عاد حفترإلى ليبيا، حيث وصفه مراقبون وصحافيون بأنه النسخة الليبية من العراقي أحمد الجلبي، الذي عاد إلى العراق للمشاركة في إسقاط صدام حسين وقيادة عملية «التغيير الديمقراطي» في العراق. لكنه أسهم بدلا من ذلك في تكريس الانقسامات السياسية بين العراقيين وزيادة الفساد. ومنذ عودته من أميركا، وانضمامه إلى المعارضة الليبية، أثار حفتر جدلاً مستمراً ما زاد اتساع رقعة الفوضى وتعميقها. وفي خضم حالة الفوضى، أشار ناطق باسم ثوار المعارضة إلى حفتر بأنه قائد قواتهم، غير أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي نفى ذلك، ليجد حفتر نفسه بالمركز الثالث في هرم القيادة العسكرية. وفي ظل وضع يتقدم فيه الانتماء العشائري والقبلي على الولاء للحكومة والدولة والوطن، يصعب على محلل أو مراقب أن يتنبأ بشكل المستقبل الذي ينتظر ليبيا. باختصار إنه مستقبل غير مشجع وغير مرغوب، إنه الفوضى.
رمزي بارود «فورن بوليسي جورنال»