الجيش الســوري يتّبـع استراتيجية الفوز ببطء نحو الحل العسكري
لم تكن الانتصارات التي حققها النظام السوري أخيراً كاسحة، غير أن مكتسباته الإضافية في حلب ودمشق يناقض الفكرة التي تقول إن الحرب وصلت نهاية مغلقة، ويمكن أن تتحول نتيجتها إلى صالح النظام. ويوصف القتال في سورية عادة بأنه يراوح في مكانه أو أنه حرب استنزاف، إذ ليس هناك تغيرات كبيرة أو تحولات حاسمة، على الرغم من أن الجانبين يعلنان بصورة متكررة بأنهما كسبا وأن الطرف الاخر قد خسر. وأشار البعض إلى أنه ليس هناك «حل عسكري».
اسباب نجاح النظام ثمة عدة عوامل تساهم في النجاح الأخير للنظام السوري في حربه ضد المعارضة. أولا: وجود القوات الحليفة يعتبر حاسما خصوصاً في العمليات الهجومية. وكذلك تورط قوات حزب الله والميليشيات العراقية لا يضمن النجاح فحسب وإنما يزيد من فرص انتصاره. وثانياً: العمليات الهجومية والدفاعية تكون أكثر نجاحاً عندما تكون قوات النظام قادرة على التحكم بالوضع من خلال قدرة النظام على نشر قواته و استخدام قوته النارية ضد القوات المعارضة الضعيفة. |
هذه المراوحة يمكن أن تتغير لصالح أحد الأطراف، كما أن حرب الاستنزاف يمكن أن يكسبها أحد الأطراف. وتحدث الآن مئات التحركات العسكرية يومياً عبر 12 من المحافظات السورية الـ 14 وتتراوح ما بين استخدام صواريخ سكود إلى توجيه الضربات بالبراميل المتفجرة إلى الصراعات البرية الصغيرة التي تتم من خلال الأسلحة الصغيرة. وفي واقع الأمر فان النظام السوري يعمل جاهدا كي يضمن أن عملياته تقود إلى حل عسكري ملائم بالنسبة له.وهو يحقق بعض النجاح، على الأقل في الوقت الجاري.
ويبدو أن النظام لا يقبل بفكرة أن القتال وصل إلى جدار مسدود، كما أنه من الواضح أنه غير مرتبك بشأن كيفية إدارة الحرب، إذ أن له أهداف واستراتيجيات لتحقيقها، كما أنه ينفذ سلسلة من العمليات العسكرية لتنفيذ هذه الاستراتيجية. وتتمثل الأهداف السياسية للنظام في محافظته على السلطة واستعادة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من سورية، و يجعل المعارضة السياسية حركة غير مهمة خارج الدولة.
أما هدفه العسكري فيتمثل في تقليل المعارضة العسكرية بحيث تبدو تهديداً إرهابياً يمكن معالجته بسهولة. وهذا لا يعني أنه يجب القضاء على المعارضة برمتها أو استعادة كل شبر من الاراضي. ولكن النظام لم يبد أية نية أخرى سوى مواصلة القتال، وهو يحارب في كل مكان في سورية. و لم يتفاوض مع المعارضة، ولم يتخل عن أي منطقة من سورية.
وتتطلب الاستراتيجية اللازمة لإنجاز هذه الأهداف، استخدام جميع عناصر القوة العسكرية (الجوية و البرية، و الصواريخ) لتامين المناطق المهمة، واستعادة المناطق التي يسيطر عليها المعارضون. ويهدف النظام بصورة خصوصاً إلى إحكام يده على المناطق الموالية مثل طرطوس، واللاذقية، والسويداء، والحفاظ على وجوده في الأجزاء الرئيسة من المناطق التي تدور فيها المعارك مثل دمشق المدينة، ودير الزور، و ادلب، و درعا، واستعادة المناطق المفقودة والمهمة مثل ضواحي دمشق، مدينة حلب، والقلمون، وسيسمح هذا الأسلوب للنظام بالحفاظ على القوات في الأماكن الأقل أهمية أو المناطق المؤمنة أصلا في حين تركزي القوات للهجمات في المناطق التي تعتبر صعبة. ونفذ النظام أربعة نماذج من العمليات لتحقيق هذه الاستراتيجيته المذكورة.
ويجري تنفيذ العمليات الهجومية لاستعادة المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة، أو استعادة الأمان في الأماكن المتفجرة. وتهدف العمليات الدفاعية إلى منع سقوط المناطق المهمة من السقوط بيد المعارضة. ويجري استخدام عمليات السيطرة على السكان مثل الحصار، القصف المتواصل، والهدنة للقضاء على قواعد دعم المعارضة عن طريق جعل المدنيين يهربون من أماكن سكنهم، وتهدئة الأماكن السكنية التي تدعم المعارضة، وتخفيض المساعدة المحلية للقوات المعارضة. أما العمليات الأمنية مثل « التمشيط و الاعتقالات والتوقيف» فإنها تهدف إلى منع نشاطات معادية. وهي تنفذ عادة في مناطق يسيطر عليها النظام.
ولدى جمع هذه العمليات معا فإنها تمنح النظام أدوات مرنة لتنفيذ الحرب والاعتماد على العديد من التحركات المتنوعة، التي تستغرق عدة أيام. ويتم تطبيق هذه الأدوات فقط من خلال الموارد المتوفرة للنظام وقدرة المعارضة على المقاومة.
ويتنوع وضع النظام عبر مناطق الدولة، ولكنه يكون واحدة من التصنيفات الأربعة التالية: السيطرة الصلبة، و التقدم الهجومي البطيء، و العمل الدفاعي الناجح، او فقدان الأراضي. ولا تتعرض سيطرة النظام لتحديات جدية في ثلاثة مناطق هي طرطوس، السويداء، و اللاذقية، حيث يعمد النظام في هذه المناطق إلى التهديد المسلح من خلال استخدام قواته الأمنية غير العسكرية، وهي قوات غير نظامية (قوات الدفاع الوطني) أو قوات نظامية صغيرة نسبياً. وفي اللاذقية تم احتواء المعارضة إلى حد كبير في الشمال الشرقي، وعندما شكلوا تهديداً أكبر كما حدث في اغسطس عام 2013، قام النظام بتنفيذ هجمات عسكرية ضدهم.
ويحقق النظام تقدماً بطيئاً ضد قوات المعارضة في ثلاثة مناطق هي: القلمون، يبرود وشمال دمشق، على طول الطريق الدولي الذي يربط بين حمص و دمشق، وعلى طول الحدود اللبنانية الحساسة، والتي كانت معقلا لقوات المعارضة لبعض الوقت. وينفذ النظام هجوما بطيئا هناك، باعتماده على النيران الكثيفة، والقوات النظامية وغير النظامية، والقوات الحليفة للرئيس السوري بشار الاسد، مثل (الميليشيات الشيعية، وحزب الله) للقضاء على القوات المعارضة، حيث تهاجم هذه القوات المدنيين في مراكز المقاومة مثل يبرود بكل ما تحويه من الأسلحة، فيما تشكل مجموعات من وحدات المعارضة العاملة في القلمون «غرفة العمليات» والتي قدمت مقاومة قوية ومستمرة، ولكن يبدو أنها تفقد العديد من المواقع بصورة مستمرة.
وفي المنطقة المحيطة في دمشق، استخدم النظام مجموعة من الهجمات، وعمليات السيطرة على السكان، لاستعادة السيطرة على الضواحي الجنوبية والضغط على المعارضين في الضواحي الشرقية. وكما هي الحال في المناطق الأخرى فإنه يستند على النيران الكثيفة، إضافة إلى القوات والهجمات الشاملة على المدنيين بما فيها عمليات الحصار ضد الأحياء التي تؤيد المعارضة. وأدت هذه التحركات العسكرية إلى حدوث العديد من حالات «وقف اطلاق النار» المحلية التي أدت إلى تقليل المقاومة الشعبية.