الحصار الاقتصادي.. ترحيل صامت لتهويد القدس
يعيش سكان مدينة القدس المحتلة وضعا مأساوياً، وحالة غير إنسانية، ويواجهون مرحلة مفصلية وحاسمة بمعركة وجود في ظل الصراع السياسي والاقتصادي مع إسرائيل، مع تناغم سياسات الاحتلال التهويدية والاستيطانية مع أهدافها لتدمير اقتصاد القدس والتفرد بالمدينة، وتفريغها من سكانها الأصليين.
ويسعى الاحتلال من خلال ممارساته ومخططاته إلى تخريب اقتصاد المقدسيين وأسواق البلدة القديمة، وإغلاقها في وجه المسلمين والمسيحيين، إلى جانب حجم الضرائب المرتفع، إذ يضطر المقدسي إلى دفع 14 ضريبة مالية تتوزع على الدخل والاستهلاك ونقل الأملاك، فيما تفرض إسرائيل سياسة الحصار الاقتصادي على المدينة المقدسة وعزلها عن الضفة الغربية ما سبب بهجرة التجار والعائلات للمدينة، وإغلاق المؤسسات والمنشآت بالقطاع الخاص، ومنع التطور وانعدام الاستثمار، لتخسر المدينة مكانتها الاقتصادية.
وبفعل ذلك، باتت أسواق البلدة القديمة أشبه بمدينة الأشباح، إذ ساهمت الأزمات الاقتصادية المتواصلة بتفشي البطالة وتفقير المجتمع الفلسطيني بالقدس، الأمر الذي أثقل معدلات البطالة في المدينة المقدسة والتي بلغت 70%، فيما يعيش أكثر من 80% من المقدسيين تحت خط الفقر، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، التي تؤكد أن «إسرائيل تفقر المقدسيين».
ويقول خبراء دوليون في تقرير (أونكتاد)،« إن هناك الكثير مما يمكن أن يساعد على تخطي تأثير سياسة الفصل مثل مراجعة أنظمة الضرائب أو تقديم الخدمات، لكن الشروط الحقيقية المسبقة للتنمية الدائمة بالنسبة لفلسطينيي القدس الشرقية هي نهاية الاستيطان والاحتلال لهذا القطاع».
ويقول مدير «مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» زياد حموري لـ«الإمارات اليوم»، « إن الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على تجار وسكان القدس يعد أحد أهم عوامل الضغط في المعركة الديموغرافية، لتقليص أعداد المقدسين لأكبر عدد ممكن وجلب المستوطنين».
ويضيف أن عداد من هم دون خط الفقر يصل إلى 80%، وهذا ارتفاع غير مسبوق، ويهدد الوجود المقدسي في المدينة بالتوازي مع ما يمارسه الاحتلال ويخطط لتنفيذه ضد الفلسطينيين ومقدساتهم وممتلكاتهم.
وتعد ضريبة الأرنونا من أقسى الضرائب التي يفرضها الاحتلال على سكان القدس، وهي ضريبـــة السكــن (المسقفات)، إذ يبحث القائمون على سياسة بلديـة الاحتلال في القدس عن وسائل جديدة في محاولاتهم المستمرة للتضييق على الفلسطينيين، وإجبارهم على الرحيل من مدينتهم، تنفيذاً لسياسة التطهير العرقي التي تمارسها إسرائيل بصمت في المدينة المقدسة.
وحول هذه الضريبة، يقول حموري، إن البلدية تجبي ضريبة الأرنونا بشكل متساوٍ بغض النظر عن الموقع، إذ إن غرامة هذه الضريبة المفروضة على أحياء راقية في القدس الغربية مثل حي «رحافيا» هي ذاتها المفروضة على الأحياء العربية الفقيرة في القدس، وهي الغرامة نفسها التي تجبى من محل تجاري في شارع يافـا ذي الحركة التجارية النشطة، ومن محل تجاري في العيسوية أو جبل المكبر الذي لا يكاد دخله يسد نفقاته.
ويضيف، أنه بفعل هذه الضريبة اضطر عدد كبير من مالكي المحلات التجارية لإغلاقها، لعدم مقدرتهم على دفع الضرائب مثلما هو حاصل مع 250 حانوتاً تمثل ربع المحلات التجارية في القدس القديمة.
ومن المفترض أن تجبى هذه الضريبة، بحسب حموري، من أجـل تقديم الخدمات للسكان، إلا أن الاحتلال يفرضها على المقدسيين الذين يشكلون 35% من سكان القدس، من أجل إنفاقها على الخدمات في القدس الغربية والمستوطنات اليهودية في مخالفة واضحة للأعراف والقوانين الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي.
ويشكو تجار القدس من تراجع الحركة التجارية، وتواصل الاحتلال في تضييق الخناق عليهم ضمن ما يصفونه بالترحيل الصامت، ومن بين ذلك إقدام الاحتلال على محاصرة أصحاب المحال التجارية في البلدة القديمة من خلال تقييدهم بغرامات وضرائب باهظة.
ويقول إبراهيم الكيلاني من سكان رأس العمود شرق البلدة القديمة في القدس، الذي رفع الاحتلال ضده قضية لدى المحكمة الإسرائيلية العليا، بسبب تراكم ديون كبيرة عليه لعدم مقدرته على دفع ضريبة الأرنونا عن محله الذي تبلغ مساحته 57 متراً، إن المقدسيين يتعرضون لضغوطات كثيرة في التعليم والعمل والسكن، والتي تهدف إلى تهجريهم، فإسرائيل تجمع منهم الكثير من الضرائب، وفي المقابل لا تقدم خدمات لهم، فيتم استخدام ما يقارب 35% من الضرائب التي يتم جمعها لميزانية الإسرائيليين، مقابل 5% تقدم لمصلحة العرب.
ومن بين ممارسات الاحتلال ضد تجار القدس، بحسب الكيلاني، استعمال المهاجرين الروس بدل العرب في الأعمال، وافساح المجال للمهاجرين الأجانب لإسرائيل بدل المقدسيين.