مصالحة وشـــيكة بين الهــلايلـــة والدابودية تعتمد على «القودة» الصعـيدية
أوشكت جهود المصالحة بين قبائل «الهلالية» و«الدابودية» النوبية بأسوان في مصر على الوصول إلى نقطة الحل النهائي، بعد أن تبلورت كل المبادرات لتنضوي تحت مظلة واحدة هي مبادرة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، مدعومة بتأييد «اتحاد القبائل العربية».
حركة «كتالة» النوبية المسلحة متهمة بالانفصال «كتالة» حركة نوبية، يتزعمها شخص يدعى أسامة فاروق، ظهرت في ديسمبر 2012، ورفعت شعارات الدفاع عن الهوية النوبية. وقالت إنها تحمل السلاح ولن تستخدمه إلا عند الضرورة. وطالبت «كتالة» عند ظهورها بإعلان المنطقة من مدينة إسنا جنوب الأقصر وحتى حلفا جنوب أسوان منطقة نوبية مستقلة عن مصر، وإشهار علم النوبة بألوانه الثلاثة: الأزرق الذي يمثل النيل، والأصفر ويمثل الصحراء الغربية، والأخضر ويمثل الخضرة في النوبة، واعتباره علماً لتلك المنطقة، وذلك اعتراضاً على عدم تمثيلهم في مجلس الشورى من المعينين في زمن الرئيس المعزول محمد مرسى. ونفى فاروق نية الانفصال عن مصر، وكان يكرر أنه يسعى للانفصال عن دولة الإخوان ومرسي، فيما اتهمت الناشطة النوبية منال الطيبي «كتالة» بأنها اختراع أمني، ووصفها الخبير الأمني حسام سويلم بأنها تأتي ضمن مخطط أجنبي، واختفت الحركة بعد سقوط مرسي، لكنها عادت لتظهر مجدداً بعد أزمة الهلايلة والدابودية. تعني كلمة «كتالة» بالنوبية «حرب»، وهي مستوحاة من كلمة «كاتلوس»، وتعنى الحرب حتى الموت، ويقول مؤسسها إن لديه نحو 5000 مقاتل.
|
وقال المفاوض وعضو المصالحة الدكتور سالم أبوغزالة لـ«الإمارات اليوم» إن «القبيلتين التزمتا بكل اشتراطات الهدنة، والمهيئة فعلياً للصلح»، فيما دعا ناشط نوبي إلى «تركيز أكبر على علاج الاحتقانات على الأرض حتى لا تهدد أحداث مفاجئة المصالحة»، وطالبت الهلالية راوية الصحابي «اعتبار العدل مدخل السلم، والبدء بمعاقبة المخطئ».
وفيما عول كثيرون على المبادرة كحل مجتمعي، باعتبارها الأنسب للطبيعة الإنسانية للوضع بصعيد مصر، شدد آخرون على ضرورة التمسك بأن المبادرات «ليست بديلا للحل الأمني والقانوني وإنما موازية له».
وقال رئيس لجنة المصالحة رئيس جامعة أسوان، الدكتور منصور كباشي، إن «المصالحة جارية بالفعل، وإن (القودة)، أو تقديم الكفن لأهل القتيل، وحق العرب، هي آليات الحل، كما أن النواحي المالية ستشارك فيها مؤسسات الدولة، بما فيها الأزهر والأوقاف ومحافظة أسوان ومجلس الوزراء». وقال المتحدث الرسمي باسم اللجنة، كمال تقادم، إن «شيخ الأزهر حدد مهام اللجنة وصاغها بنفسه».
و«القودة» هي آلية صعيدية لحل مشكلة الثأر، تقوم على أن يحمل القاتل كفنه بنفسه ويتوجه حافياً إلى أهل القتيل، أمام حشد من أهالي قبيلته وقبيلة خصومه وأهل القرية، فإن قبلوا قدومه وصفحوا عنه انتهت المشكلة، وإن لم يصفحوا قتلوه وقتها أو لاحقاً، لكن الاحتمال الأخير يظل نظرياً، لأن قبول «القودة» في الغالب يساوي الصفح.
وقد نجحت «القودة» في إنهاء صراعات عائلية شهيرة في الصعيد، أبرزها إنهاء 70 عاماً من الاقتتال بين العرب والهوارة، واستمرت مفاوضات «القودة» يومها عاماً كاملاً، ثم عقدت ليحضرها 7000 شخص. و«حكاية الحجازي» الشهيرة من أطرف حكايات «القودة» التي تروي أن مصلحاً يدعى أبوالقاسم الحجازي كان يسعى للصلح بين عائلتين، فطلب أهل القتيل أن يأتي حشد من أهل القاتل يحملون الكفن معه، فوافق، فاشترطوا لكي يفسدوا المفاوضات أن يضعوا أحذيتهم على رؤوسهم، فوافق من دون أن يخبر أهل القاتل، ولما جاؤوا إلى مكان الصلح، صرخ الحجازي «اخلعوا الأحذية، المكان صار طاهراً، ولا يجوز لنا البقاء بالأحذية»، فصدقه الناس لصلاحه وتمت «القودة».
وقال نائب رئيس اتحاد القبائل والمفاوض المتنقل بين القاهرة وأسوان، سالم أبوغزالة لـ«الإمارات اليوم»، إن «قيادات الهلايلة والدابودية وافقوا بالإجماع على شروط الهدنة، واستمرار تمديدها أكثر من فترة وحتى الوصول إلى الصلح، بما يشكل مظلة آمنة لجهود المفاوضات وعدم انهيارها». وتابع «استجاب الطرفان للهدنة، ولأسس المصالحة، ونحن نجري حصراً شاملاً للخسائر والأرواح والممتلكات من الطرفين، ونبني قاعدة معلوماتية متماسكة عما جرى وعن كل خلفيات الأزمة حتى نستطيع أن نتخذ القرارات الصحيحة والعادلة».
واستطرد أبوغزالة «اتفقنا على مسارين لكبح الأزمة، الأول تعهد فيه الأهالي بمنع الشباب من الانزلاق إلى أي نوع من الاعتداءات أو الاشتباكات البدنية، أياً كانت المبررات، وبغض النظر عن البادئ، والثانية طلبنا من قوى الأمن الوجود بكثافة في السيل الريفي ومناطق النزاع وكل مناطق أسوان المهمة، وطلبنا من كل الأطراف عدم التحدث إلى وسائل الإعلام من دون ضوابط، وترتيب متحدثين إعلاميين يتسمون بالمسؤولية وعدم الانفلات، خشية مضاعفات التصريحات أو تفسيراتها المسيئة».
واعتبر الجميع إسناد مهمة المصالحة في أسوان إلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب قراراً موفقاً إلى حد كبير، لانتماء الطيب إلى الصعيد، بل وللإقليم نفسه، حيث يعيش في قرية «القرنة» بالأقصر المحافظة الملاصقة لأسوان، التي تحمل ذات سماتها، بوصف كليهما محافظة صعيدية وسياحية في الوقت نفسه، وتضم تقريباً التكوينات السكانية نفسها.
من جهته، قال وكيل النادي النوبي، صلاح زكي مراد، لـ«الإمارات اليوم»، إن مبادرة شيخ الأزهر حسمت مبدأ المصالحة تماماً في أسوان، وأن النوبيين موافقون على ما يطرحه من خطوط عريضة، وواثقون بحكمته وعدالته.
وحول موقف النوبيين من تنظيم «كتالة» المسلح، الذي يدعو علانية للعنف، ويدعو للانفصال، قال مراد إن «قصة كتالة وهم كبير، تمت صناعتها وتخليقها إعلامياً أثناء مواجهة الإخوان، وبدلاً من أن تسألوا مثقفين نوبيين معروفين بموقفهم ضد العنف والانفصال، اسألوا الإعلامي وائل الابراشي الذي استضاف زعيم كتالة في برنامجه أيام حكم مرسي أكثر من ساعة». واستطرد مراد «على أي حال أؤكد لكم أنه لا يوجد فعلياً على الأرض شيء اسمه (كتالة) بالحجم الذي يحكون عنه، فالأمر لا يتعدى الجعجعة الإعلامية، والنادي النوبي والجمعيات والائتلافات النوبية التي تشكل التيار الرئيس للمجتمع النوبي لا علاقة لها به».
من جهتها، قالت الكاتبة والناشطة السياسية الهلالية راوية الصحابي، إن «قبيلة الهلايلة تعرضت في الواقعة الأخيرة للغبن مرتين، مرة لأنها التي دفعت الثمن الأكبر في الأحداث من حيث عدد القتلى والمصابين والمضارين ومن أحرقت بيوتهم، والثانية هي عدم قدرتهم على فرض وجهة نظرهم في وسائل الإعلام المصري، على عكس النوبيين الذين وجودوا في كل قناة تلفزيونية وصحيفة، بسبب وجودهم التاريخي الممتد في المشهد السياسي والثقافي المصري منذ عشرينات القرن الماضي».
ونوهت الصحابي إلى وجود ثلاثة أسس يمكن الاعتماد عليها لإنجاز المصالحة «الانتهاء من مشكلة أهل الدم، سواء عبر الآليات القانونية أو القودة أو الدية، أو خليط منها، بشرط إرضاء الجميع، وتشكيل ائتلافات شبابية نوبية هلالية أسوانية تشمل كل العائلات، لينصهر الجميع تحت راية واحدة، أما المحور الثالث للحل فهو إقامة مؤتمر ثقافي في أسوان لكل جنوب مصر، يضم الهلايلة والنوبيين بشكل أساسي، كما يضم معهم كل الجماعات والتشكيلات الصعيدية، مثل الجعافرة والعبابدة والبشارية والقوصية وغيرهم، لخلق نوع من التفهم والتفاهم بين المكونات الثقافية للمجموعات السكانية الموجودة، ولترسيخ ثقافة قبول الآخر».