النظام يرفع شعار «حتى النهاية» لقتال معارضة منقسمة

أميركــا تسـتنزف جمـيع أطراف الصراع في سورية بدعم يطيل أمـــد الحرب

صورة

قبل نحو ثلاث سنوات، ذكر الفائز بجائزة بولتزر، الراحل أنتوني شديد، أنه جلس ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد وكاتم أسراره، رامي مخلوف، في مقابلة حصرية. وكان موضوع المقابلة هو الانتفاضة في سورية، التي كانت في حينها قد دخلت شهرها الثالث. وحذر مخلوف، شديد، قائلاً «عندما نتعرض للمصاعب فلن نعاني ذلك وحدنا»، وكان التهديد موجهاً لداخل سورية وخارجها، لكل من تجرأ على الوقوف في وجه النظام. وواصل كلامه أن النظام يعتبر حربه ضد المعارضة «حتى النهاية».

وبعد مرور ثلاثة أشهر على مقابلة مخلوف مع شديد، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، أنه «حان الوقت للرئيس السوري كي يتنحى».

وضع صحي مأساوي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2014/05/135189.jpg

تشير تقديرات الدكتورة آني سبارو، الخبيرة في الصحة العامة من مدرسة إيكان في ماونت سيناء، إلى أن العدد يتجاوز 300 ألف ضحية. ويوضح تقرير نشر حديثاً من منظمة «أنقذوا الطفولة»، إلى أن حالات من القتل المرعب تحدث يومياً. وقامت بتوثيق حالات من المرضى الذين تعرضوا لحالات بتر ليست ضرورية، نتيجة نقص المعدات الطبية الضرورية، كما حدثت وفيات لدى حديثي الولادة، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي في العديد من المشافي، وتم استخدام العوارض المعدنية لضرب المرضى وإغمائهم كبديل للتخدير الذي أصبح مفقوداً. إضافة إلى ذلك، فإن برنامج التلقيح في الدولة انهار، ما أدى إلى اندلاع مرض شلل الأطفال، وهو مرض اندثر من سورية.

وعلى الرغم من الادعاءات المتماثلة التي صدرت من قادة دول العالم الغربي، والكثير من التوقعات بقرب نهاية النظام السوري، لايزال النظام السوري صامداً. وبعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع الثورة السورية، يبدو من الواضح أن مخلوف لم يكن يهذي، وانسجاماً مع تقديراته الأولية، فقد عالج النظام الصراع باعتباره لعبة لا يمكن الفوز بها إلا من خلال القوة العسكرية. وبعيداً عن الانهيار، يعتقد العديد من المحللين أن الحكومة السورية تملك الكثير من القوة في قتالها ضد المعارضة التي تزداد انقساماً.

وفي أيامنا هذه، فإن النتائج المحزنة لتهديدات مخلوف «بالقتال حتى النهاية» باتت النقطة التي تسلط عليها جميع الأضواء. وتشير التقديرات الأخيرة إلى أن تعداد الوفيات منذ بدء الانتفاضة وصل إلى 150 ألف شخص. وأدى تدمير النظام الصحي في الدولة إلى وفاة المزيد من الآلاف، الذين كان من الممكن علاجهم.

وكشفت العديد من التحقيقات التي أجرتها الأمم المتحدة أن هذه الحقائق المرعبة كانت نتيجة الاستهداف الممنهج لأطقم العاملين في قطاعي الصحة والبنية التحتية، والمنع المتعمد للمساعدات الطبية من الدخول إلى مناطق النزاع. وقال أحدث التقارير، الذي يسلط الضوء على انعدام أي تقدم منذ صدور تقرير ملزم للأمم المتحدة، يطالب بحرية وصول المساعدات قبل نحو شهرين «يتم رفض دخول الدواء بصورة روتينية لمن يحتاجونه، بمن فيهم عشرات الآلاف من النساء والأطفال وكبار السن».

وثمة تحقيق تم تنفيذه العام الماضي، توصل إلى نتيجة مفادها «تستهدف القوات الحكومية الطاقم الطبي للحصول على مكتسبات عسكرية، عن طريق منع المعارضة والمؤيدين لها من المساعدة الطبية للمصابين، ويبدو الوضع رهيباً لدرجة أن العديد من السكان يفضلون عدم الذهاب إلى المراكز الطبية، خوفاً من الاعتقال، والتعذيب والموت». وأشار التقرير أيضاً إلى «بعض الجماعات المعارضة للحكومة التي هاجمت المستشفيات في أماكن معينة»، وبناء عليه ليس من المستغرب أن ثلاثة من أصل خمسة مستشفيات سورية تضررت أو تم تدميرها، وأن نصف الأطباء السوريين هربوا من البلد.

وبالطبع، فإن الأطباء ليسوا وحدهم الذين أجبروا على الهرب من البلد، إذ إن أحدث التقديرات تشير إلى أن 2.6 مليون سوري يطلبون اللجوء في الدول المجاورة، إضافة إلى 6.5 ملايين أصبحوا لاجئين داخل الدولة. وبناء عليه، فإن نصف سكان سورية فقدوا منازلهم. وفي الأسبوع الماضي، أعلن برنامج الغذاء، التابع للأمم المتحدة، بأنه سيخفض سلات الغذاء التي يقدمها في سورية للاجئين بنسبة 20%، وذلك بسبب عدم وفاء الدول المانحة بالتزاماتها المالية.

وعلى الرغم من المستوى المثير للصدمة لهذه الأزمة الإنسانية، إلا أن مستقبل الحل لهذا الصراع يبدو بعيداً أكثر من أي وقت مضى. وذلك ناجم عن سياسة الولايات المتحدة وروسيا. وانتهى مؤتمر جنيف 2 من دون أي تقدم يذكر، حيث تعتقد الحكومة السورية أنها تحقق الكثير من المكاسب على الأرض.

أما في جبهة المعارضة، فقد بات جلياً بصورة متزايدة أن داعميها من الدول الغربية لم يعودوا مهتمين بتقويض نظام الأسد، هذا إذا كانوا قد فكروا في الأمر من الأساس. وتحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» الشهر الماضي، عن الدعم الإضافي الهزلي الذي تقدمه الولايات المتحدة للمعارضة السورية في الجبهة الجنوبية. وقال المعارضون الذين يتلقون المساعدات من الأردن عبر الخطوط التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن «إدارة أوباما تعطينا من المساعدات ما يجعلنا قادرين على البقاء فقط وليس لهزيمة الجيش المقابل». وفي زاوية في صحيفة «واشنطن بوست» كتبها المحلل الأميركي فريد زكريا، قال فيها «عن طريق ما يكفي من الدعم لبقاء المعارضة قائمة، فإن إدارة أوباما تلعب لعبة تحقق فيها مصلحتها وليس دعما إنسانياً»، وتحدث الخبير السوري يوشع لانديز، أحيراً عن ذلك، حيث كتب على موقع «تويتر» إن «الولايات المتحدة تلعب دوراً خبيثاً، فهي تدعم المعارضة، لكنها تظل على ثقة بأنها لن تنتصر».

وكان رئيس أركان البيت الأبيض، دينيس ماكدونو، المعروف بأن وجهة نظره إزاء الأزمة السورية هي الأقرب نحو وجهة نظر أوباما، قد قال «الحرب في سورية بين (حزب الله) و(القاعدة) سيرجع بالفائدة على الولايات المتحدة». وقال أوباما أيضا في مؤتمر صحافي عن الموضوع السوري «هذه الحرب تستنزف إيران التي تدفع المليارات لحليفها السوري، في حين أن (حزب الله) يتعرض لهجمات المسلمين المتشددين، ولذلك فإن الطرفين يخسران كثيراً، وكذلك فإن الروس يجدون صديقهم الوحيد في المنطقة في وضع سيئ وفاقد للشرعية»، وتشير كلمات الرئيس إلى أنه يقوم بصورة متعمدة بإطالة أمد الحرب، على الرغم من مستوى الكارثة الحادثة من حالات الموت والتدمير الناجمة عن الحرب، لأنها موجهة ضد إيران وروسيا.

تويتر