طرابلس عجزت عن بسط نفوذها في مناطق الانفلات الأمني منذ سقوط القذافي
تناحر الفصائل الليبية المسلحة يهدّد أمن شمال إفريقيا
تطور الصراع على النفوذ بين الفصائل المسلحة في ليبيا بشكل مقلق في الآونة الأخيرة، واستخدم الفرقاء أسلحة ثقيلة ومضادات للطائرات ومروحيات حربية في معركة ضارية قبل أيام. واستعان اللواء المنشق خليفة حفتر، الذي يقود فصيلاً مسلحاً، بطائرات عسكرية تابعة لسلاح الجو الليبي، لضرب جماعة مسلحة على أطراف مدينة بنغازي، والتي ردت بوابل من القذائف المضادة للطائرات. وعلى الرغم من إعلان رئيس الحكومة الليبية المؤقت عبدالله الثني أن القوات النظامية ستستعيد السيطرة على المناطق الشرقية، يشكك مراقبون في قدرة طرابلس على بسط نفوذها في منطقة تشهد انفلاتاً أمنياً منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي. وتمتلك الفصائل المتمردة أسلحة ثقيلة تفوق قدرات الجيش النظامي، ما يجعل مهمة هذا الأخير صعبة للغاية. وبعد سقوط النظام استولت الميليشيات على كميات كبيرة من السلاح، في الوقت الذي غلب فيه الطابعان القبلي والجهوي على هذه المجموعات المسلحة. وأخفقت طرابلس في احتواء هذه الفصائل، على الرغم من عرض إدماج بعضها في الجيش ودفع رواتب منتظمة لعناصرها.
وكان حفتر قد أعلن قبل شهرين مبادرة لوضع خارطة طريق تتضمن نقاطاً عدة، من بينها تعليق عمل المؤتمر الوطني والحكومة، وتشكيل لجنة رئاسية، وهو ما وصف حينها بأنها محاولة انقلاب فاشلة. وعقب ذلك ذهب اللواء إلى المنطقة الشرقية، وظهر في مؤتمرات يدعو لإغلاق المطارات الشرقية في وجه أعضاء المؤتمر، ودعا لإسقاط الحكومة، وواصل الحشد بمساعدة عدد من القبائل ومجموعة الضباط السابقين. وتتمركز قوات الضابط المنشق في معسكر قريب من بنغازي وتتكون من مئات السيارات ونحو 500 مقاتل. وتشهد المدينة موجة عنف منذ أشهر، وتعرض العديد من الأشخاص للاغتيال والاختطاف، في حين تعرضت قوات الأمن النظامية لهجمات وحشية من قبل مسلحين. وعقب سقوط نظام القذافي، أرسلت الولايات المتحدة وحكومات غربية فرقاً لتدريب عناصر الأمن الليبي من أجل مساعدة الحكومة المركزية لاستعادة سيطرتها على المناطق الخارجة عن القانون. إلا أن هذه الجهود لم تسهم في بناء جهاز أمني قادر على التعامل مع الأزمات الطارئة، مثل الانفلات الأمني والهجوم الأخير في بنغازي. وفي هذا السياق، لم تتمكن قوات البحرية الليبية من منع ناقلة تهريب كانت قد شحنت كمية من النفط الخام في ميناء شرق البلاد، والموجه للبيع في السوق السوداء. ورصدت قوات أميركية خاصة الناقلة وقامت بإعادتها إلى الحكومة الليبية. ولم تقتصر الاضطرابات على الشرق وإنما طالت العاصمة طرابلس أيضاً، وباتت التهديدات الأمنية فيها تشكل تحدياً آخر للسلطة، فقد أغلقت الجزائر سفارتها في طرابلس بسبب الوضع الأمني المتردي، إذ استهدف عدد من الدبلوماسيين في الآونة الأخيرة من قبل جماعات مسلحة، كان من بينهم السفير الأردني فواز العيطان الذي اختطف قبل أسابيع وأفرج عنه أخيراً.
ويرى مراقبون أن أسباب هذا الانفلات الأمني، وتمركز الجماعات المسلحة في ليبيا دون غيرها، يعود إلى التدخل العسكري الفرنسي في مالي، لأن فرنسا لها تاريخ سيئ في أذهان سكان منطقة الساحل، وربما يكون الأمر أقل سوءاً في حال كانت الولايات المتحدة هي من قامت بالتدخل العسكري. وقد وحد هذا التدخل الفرنسي عدداً كبيراً من الجماعات المسلحة من جماعة «أنصار الدين» في مالي إلى «أنصار الشريعة» في تونس إلى «حركة الشباب الصومالية»، وصولاً إلى «الجماعة الليبية المقاتلة». وتبدو هذه المجموعات مستعدة للاستقرار في ليبيا لتكون قاعدة انطلاق لعملياتها في المنطقة، الأمر الذي يمثل تهديداً حقيقياً للاستقرار الإقليمي. يذكر أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي قد انتعش بشكل لافت بعد ثورات «الربيع العربي»، وأن عدداً كبيراً من أعضاء التنظيم ينتمون في الغالب لدول شمال إفريقيا. يذكر أن الهجوم على حقل الغاز في عين أمناس الجزائرية، العام الماضي، شارك فيه مقاتلون ينتمون إلى جنسيات مختلفة، وهي العملية التي أنهتها القوات الجزائرية بعد أن قضت على جميع المسلحين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news