مصر والجزائر تسعيان إلى دعـــم حفتر من أجل استقرار ليبيا
يتزايد القلق الدولي بشأن الأحداث الأخيرة في ليبيا، حيث يسعى الجنرال المتقاعد خليفة حفتر إلى طرد الإسلاميين المتشددين من البلاد. وأصبح هذا الصراع المتصاعد مقلقاً بشكل خاص لقوى إقليمية مثل الجزائر ومصر، اللتين يهمهما الاستقرار في ليبيا، واللتين قد تحاولان إعادة هذا الاستقرار من خلال تقديم الدعم إلى الجنرال حفتر.
من هو حفتر؟ خليفة بلقاسم حفتر، ولد وترعرع في ليبيا عام 1943، إلا انه أمضي عقدين من الزمان في الولايات المتحدة الأميركية. وينتمي حفتر إلى قبيلة الفرجاني، وتخرج في أكاديمية بنغازي العسكرية، ثم ذهب ليتلقى تدريباً عسكرياً في الاتحاد السوفييتي السابق. وساعد الزعيم الليبي السابق، معمر القذافي في الإطاحة بالملك إدريس السنوسي عام 1969. وحفترعلماني وناصري، ينتمي إلى نهج الزعيم المصري جمال عبدالناصر، أصبح فيما بعد رئيس أركان القذافي. وفي عام 1986 ترقى إلى رتبة عقيد وأصبح قائد القوات الليبية في الحرب التشادية الليبية، التي انهزمت فيها ليبيا، ويبدو أن هذه الهزيمة هي التي قصمت ظهر العلاقة بينه والعقيد القذافي. وبعد سنوات عديدة قضاها في السجن تم الإفراج عنه لينتقل إلى الولايات المتحدة عام 1990، ليتلقى تدريباً على يد الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه). عاد عام 2011 لمساندة الثورة ضد القذافي، وفي مارس أعلن متحدث عسكري تعيين حفتر قائداً للقوات الليبية، إلا أن المجلس الوطني الانتقالي أنكر ذلك. وفي أبريل من العام نفسه تم تعيينه قائداً للقوات البرية برتبة فريق. وفي فبراير 2014 ظهر حفتر في التلفزيون ليعلن تعليق أنشطة الحكومة الليبية. ونفى رئيس الوزراء في ذلك الوقت علي زيدان هذه المزاعم واصفاً انقلاب حفتر بـ«الأخرق». وفي مايو ظهر أكثر قوة، عندما وجه ضربة جوية ضد الميليشيات الإسلامية في بنغازي. وفي أواخر الشهر الماضي انضم إليه زيدان مع 40 من أعضاء البرلمان بعد إقصائه من المجلس الوطني الليبي.
|
ومن المرجح أن تناقش الجزائر، التي هي لاعب أساسي في الصراع ضد الميليشيات الإقليمية، مشكلات ليبيا، خلال زيارة وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، إلى البلاد (اليوم). ومع ذلك لن تقدم أي من الجزائر أو مصر على دعم حفتر بقوة حتى يثبت أنه يستطيع الفوز على خصومة ويسيطر على البلاد.
ويستهدف حفتر في الحقيقة مجموعة من العناصر الإسلامية، بما في ذلك الحركات السياسية منها، مثل «الإخوان المسلمين» في ليبيا وحلفائهم في المؤتمر الوطني العام (البرلمان) المغلوب على أمره. وخرجت المؤسسة العسكرية الليبية من فوضى الثورة الليبية عام 2011، وهي أكثر ضعفاً وانقساماً، وغير قادرة على تحدي السلطة السياسية للمؤتمر الوطني العام والميليشيات التي تدعمه.
وعلى الرغم من أن خطاب حفتر المعادي للإسلاميين اكتسب شعبية طاغية بين العديد من المجموعات (بعد عملية «كرامة ليبيا» التي قادها)، إلا أن نتائجه كانت مخيبة للآمال، ما ساعد على اتساع رقعة الانقسامات في ليبيا. وفي الأيام الأخيرة، عبرت العديد من المجالس المحلية والعناصر والميليشيات العسكرية في شرق ليبيا عن رغبتها في تقديم الدعم لحركة حفتر.
ومع ذلك، فقد تزايدت أيضاً الأنشطة المعارضة لحركته من قبل الحكومة الوطنية المحاصرة، التي لاتزال تحاول مواصلة أنشطتها وأعمالها، وإن كان من مواقع غير معلنة، وتعهدت أيضاً فرق عسكرية قوية في الجيش الوطني، وقادة ميليشيات إقليمية، وجماعات مسلحة محلية مثل «أنصار الشريعة»، الموالية لتنظيم القاعدة، تعهدت جميعاً بكسر شوكة حفتر وحلفائه.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، اندفعت قوات حفتر نحو بنغازي، حيث تمخضت هذه الموجة نتائج مختلطة، فقد فشلت قواته في اكتساح كتيبة شهداء 17 فبراير أو قوات أنصار الشريعة، وفي يوم 19 مايو استطاعت القوات المحلية في طرابلس صد توغل من قبل ميليشيات تتخذ من الزنتان مقراً لها، ويبدو أن حفتر أو مناوئيه لا يستطيع أن يتغلب أحدهما على الآخر، ما يمد في عُمر المواجهات في ليبيا.
ومنذ انطلاق عمليات حفتر في 17 مايو، سرت شائعات قوية تفيد بتلقي الجنرال دعماً أميركياً أو جزائرياً أو مصرياً. وفي الواقع فإن خطاب حفتر المناهض لجماعة الإخوان المسلمين، ووعده باستعادة الأمن والاستقرار يخاطب تماما المخاوف والاهتمامات الجزائرية والمصرية في المنطقة.
وتماثل أهداف حفتر تقريباً أهداف الجيش المصري نفسها، عندما أزاح «الإخوان المسلمين» عن السلطة، وأطاح الرئيس المنتمي إليهم، محمد مرسي، في يوليو الماضي. وتواجه كل من مصر والجزائر تحديات أمنية خطيرة، ناتجة عن الفراغ الأمني في ليبيا. ومن خلال توفير الأموال لحفتر لشراء الدعم السياسي والأسلحة ومعدات الاتصالات، فإن جيران ليبيا يسعون لاستتباب الأمن في البلاد، وتثبيت حكومة أكثر حكمة وقدرة على إعادة الاستقرار في ليبيا، كما تستطيع هذه الدول أيضاً تعزيز فرص نجاح حفتر على أرض الواقع.
بيد أن استتباب الأمور في ليبيا قد لا يكون أمراً سهلاً للغاية. ولا تنظر هاتان الدولتان إلى حفتر، قائد المحاولة الانقلابية الفاشلة السابقة، وصاحب الموقف الباهت إبان ثورة عام 2011، لا تنظران إليه بكثير من الثقة.
وأطلقت الجزائر عدة مبادرات للتخفيف من خطر عدم الاستقرار الليبي على حدودها، بما في ذلك تطوير علاقات أوثق مع تونس، والتعاون مع ميليشيا داخل ليبيا وعناصر قبلية على الجانب الليبي من الحدود للمساعدة في إبطاء تدفق المتشددين نحو ليبيا. وبالمثل، حافظت المؤسسة العسكرية المصرية على علاقات طيبة مع القبائل المتداخلة على الحدود بين ليبيا ومصر، وذلك من أجل السيطرة، على نحو أفضل، على تدفق الأشخاص والأسلحة بين البلدين.
وقد دعمت بعض هذه المجموعات حفتر، لكن ليس جميعها، وبالتالي فإن كلاً من الجزائر والقاهرة قد يغامران في إفساد علاقتهما مع بعض الميليشيات الليبية القوية، إن هما قدما المساعدات لحفتر في وقت مبكر جداً، وفشلت حملته في تحقيق مراميها.
من المرجح أن تتجاهل كل من الجزائر ومصر مغازلات حفتر لهما، إذ إن قليل من في المنطقة أو خارجها يعارضون الجهود المتشددة في مكافحة الإرهاب. وبقدر ما تتطلع الدولتان إلى حل داخلي للمشكلة الليبية، فإن أياً منهما لا يريد أن يرى ليبيا تنزلق أكثر في أتون الحرب الأهلية، لكن من المرجح أن يحجب البلدان دعمهما الأساسي لحفتر إلى أن يتأكدان أن قواته يمكنها تحقيق النصر وتستطيع السيطرة على الأمور في وقت مبكر.
وحتى لو استطاع الجنرال مؤقتاً استئصال شأفة «الإخوان المسلمين» والعناصر الإسلامية الأكثر تطرفاً في طرابلس وبنغازي، فإنه سيواجه التحديات نفسها خلال توطيد السلطة، التي ابتليت بها الحكومة المؤقتة الحالية.
وتريد كل من مصر والجزائر الاستقرار الدائم في ليبيا وليس فقط انتصاراً مؤقتاً لأمراء الحرب الجدد في هذه البلاد.
وعلى الرغم من أن الحاجة للاستقرار على المدى الطويل في ليبيا تدعو إلى مزيد من الدعم لحفتر، إلا أن أياً من البلدين لا يستطيع أن يتولى دوراً قيادياً في إعادة الأمور إلى نصابها في البلاد. فكلا البلدين منشغل في إدارة الواقع الذي خلفه الربيع العربي، فالجزائر تحاول إشراك أكبر قدر من المدنيين في الإشراف على إدارة البلاد كجزء من إصلاحات سياسية واسعة، وهي التحديات التي من المرجح أن تشرحها إدارة الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، لوزير الدفاع الفرنسي الزائر.
وكل من الجزائر ومصر ترغبان في استقرار الأمور ليبيا، ومن المرجح أن تدعما ما تراه مناسباً لتحقيق ذلك، لكن عليهما أن يتجنبا مسؤولية دعم من يدمر ليبيا، لأن عدم استقرار ليبيا سيؤثر فيهما للغاية.