سياسة أوباما تثير التساؤل حول قيادة أميركا للعالم
في خطاب له في 22 مايو الماضي، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما «وهكذا كانت الولايات المتحدة وستبقى الدولة التي لا غنى عنها، وكان هذا الأمر حقيقة طوال القرن الماضي وستبقى كذلك على مدى القرن المقبل، ولكن السؤال الذي نواجهه ليس حول ما إذا كانت أميركا ستقود العالم أم لا وإنما كيف ستقود؟ وليس ما إذا كانت قادرة على تأمين السلام والازدهار والرخاء لنا، وإنما كيف يمكنها مد ذلك والتوسع فيه ليصل إلى بقية العالم في كرتنا الأرضية؟».
مع تذكرنا بقوة فشل غزونا العسكري للعراق أصبح مفهوم الكثيرين للسيطرة العسكرية لا يعني استخدام القوة العسكرية في كل صغيرة وكبيرة، وإنما يجب أن يكون هذا الاستخدام منتخباً وانتقائياً مع الانفتاح بكل إيجابية على الجهود الدبلوماسية حتى تثمر كما حدث بالنسبة للاتفاق الذي تم التوصل اليه مع إيران أخيراً.
وبالنسبة للجمهوريين فإن هذه اللغة مغلّفة لتوفر لهم ذريعة لمواصلة الهجوم، على السياسة الخارجية لإدارة أوباما واتهامها بالجبن والضعف وإظهار العقلية التي تحكم هذه الإدارة في قبولها دوراً مهلهلاً ضعيفاً وهو «القيادة من الخلف» في التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي في ليبيا 2011، ثم اتهامها بعد ذلك بالعجز والتردد في توجيه ضربات عسكرية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من تجاوزه الخط الأحمر في 2013 باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق.
ومن وجهة نظر المحافظين الجدد وفي إدراكهم، فإن الولايات المتحدة تخسر الحروب ليس بالوسائل العسكرية وحسب، بل حين تفقد أعصابها وتصبح عصبية أيضاً. ومن هذا المنطلق فإن كل فشل عسكري منذ انتهاء حرب فيتنام لا يكشف حدود القوة العسكرية المادية فحسب، بل يكشف أيضاً مدى رفض الأخذ بأسباب الانتصار التي هي مزيج من الأسلحة والنزعة العسكرية والشجاعة والجلد والصرامة. وربما كان من حسن الحظ أن تجارب التاريخ تعلمنا أن الجمهوريين هم الذين ينهون حروباً بدأها الديمقراطيون كما حدث مع دوايت ايزنهاور الذي أنهى الحرب في شبه الجزيرة الكورية في خمسينات القرن الماضي وريتشارد نيكسون الذي أنهى حرب فيتنام، لنفهم من كل هذا أن الجمهوريين ينبحون أكثر مما يعضّون على النقيض تماماً من الديمقراطيين. إن رفض أوباما لمفهوم القوة الغاشمة العمياء غير الذكية أمر يلقى ترحيباً كبيراً من معظم الأميركيين، لكنه لا يكفي في حد ذاته بل يجب عليه ان يعرض الكرامة الوطنية والفخر الوطني على المستوى القومي بطريقة مفهومة للقادة السياسيين. لكن عدم وجود أي تعبير عن التواضع الوطني يخلق الانطباع القوي بالغرور والقلق العميق من الغطرسة، خصوصاً عندما يكون المتحدث هو رئيس أكبر قوة عسكرية في التاريخ، ولدى بلاده قواتها المنتشرة في جميع أنحاء العالم، والجاهزة لضرب أي مكان. وربما كانت وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون محقة حين انتقدت منافسها أوباما خلال حملتهما لانتخابات الرئاسة في 2008 وقالت حينها «إذا كنت لا تحتمل الحرارة فعليك بمغادرة المطبخ». وللتوضيح فالمقصود هنا ليس مفهوم الحرارة الذي تريده هيلاري، وإنما الحرارة الناجمة عن محاولة أوباما التلاعب بلغته لإرساء سياسات قائمة على الظلم والانحياز حتى ولو كانت تحت مظلة القبول الدولي وقرارات الأمم المتحدة، فأوباما يدرك جيداً أن لديه منطقاً يجعله يقول إن مكانة الرئيس تعني ألا تقدم أو تعرض بضاعة رديئة وألا تقوم بأشياء غبية. ويحاول أوباما تذكيرنا بأن الجيل المقبل من القادة العسكريين الأميركيين الذين يتصدرون خشبة المسرح الدولي لا يؤمن بأن القيادة العسكرية تقوم على قوة اللعبة الجيوسياسية، وإنما يجب تأويلها وفهمها على أساس «القوة الذكية» التي ترسم السياسة الخارجية على أساس الفهم الذكي والحذر لما هو عملي.
ريتشارد فولك - مقرر الأمم المتحدة السابق لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية