الانتخابات الأخيرة في بغداد وكابول تثبت أن التطرف ليس سمة المسلمين

أزمة العراق سببها الخلط الســــيئ للسياسة بالدين وليس إطاحة صدام

صورة

لكي ازيح جميع الشكوك، فإن الاطاحة بصدام حسين قبل 11 عاما لم تتسبب في الوضع في العراق في عام 2014 إلا جزئياً. وسيكون من السخف أن أقول خلاف ذلك، كما أشار ضمنياً مقال افتتاحي قبل فترة قصيرة في هذه الصحيفة. ومع ذلك، هناك نقطتين هامتين يجب الاعتراف بهما.

أولا، لا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن (الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام) داعش، تلك المجموعة الجهادية، لم تتقدم في جميع أنحاء العراق، ولم تستطع إعادة بناء نفسها وتنفيذ عملياتها في العراق إلا من خلال الفوضى في سورية. وظلت داعش وجماعات أخرى على شاكلة القاعدة يواجهون الهزيمة خلال السنوات الأربع الماضية، من قبل قوات مشكلة من الولايات المتحدة وبريطانيا والقبائل السنية، ولم يستطيعوا الوقوف على أقدامهم إلا بعد اشتعال الحرب الأهلية في سورية. وبالتالي فإن النقطة الهامة هنا هي أن عدم التدخل في سورية أيضا قرار له عواقبه. وبالنسبة لسورية فإن تلك العواقب وخيمة للغاية، وتشكل تهديداً حقيقياً لأمننا كما حذر قادة الأجهزة الأمنية في المملكة المتحدة وأوروبا.

ثانيا، أي تحليل في الشرق الأوسط اليوم لن يكون منطقياً ما لم يضع في الاعتبار تأثير الثورات العربية التي أطاحت بالأنظمة القديمة. ومن الغريب أن لا نفترض بأن الثورة لا تأتي إلى العراق. وبالتأكيد فإن رد فعل صدام حسين - على هذه الثورة - كان سيكون مماثلاً إلى حد بعيد لرد بشار الأسد على الثورة في سورية، وأخف من ذلك رد حسني مبارك عليها. ومهما كان الوضع سواء اتخذنا قرار عام 2003 أو لم نتخذه، فإننا سنكون أمام تحد كبير في عام 2014.

كثيرا ما نعتقد، عندما نكتب عن عهد صدام حسين في العراق، كما لو ذلك العهد كان يمثل قوة من أجل الاستقرار والسلام. ولكي نذكر أنفسنا: فإنه هو الذي بدأ الحرب العراقية الإيرانية التي بلغت خسائرها أكثر من مليون ضحية، العديد منهم قضوا بفعل الأسلحة الكيميائية، وهو الأمر الذي لعب بعد ذلك دورا في دفع إيران نحو برنامجها النووي، وقام بغزو الكويت، واستخدم الأسلحة الكيماوية في حرب الإبادة الجماعية ضد الأكراد، وانه استبعد الأغلبية الشيعية، واضطهد عرب الأهوار، وأن مشكلات المنطقة الناتجة عن قضايا عميقة الجذور ظهرت إلى السطح من الإطاحة بتلك الأنظمة.

هذه هي النقطة التي أريد أن أوضحها، ولا أسعى لإقناع الناس حول قرار عام 2003، وإنما أحاول إقناعهم بأن التحدي الأكبر لم يتمخض عن ذلك القرار أو أي قرار آخر بشأن سورية. بل هو تحد يتميز بتعقيد هائل، ولم يتجذر من أي شيء فعلناه بل انفجر أمامنا بشكل كامل بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. ويتجذر من المزيج السام بين السياسة والدين ولا يقتصر على العراق أو سورية ولا ينتشر فقط في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإنما أيضا في جميع أنحاء العالم.

ويكمن السبب في مواجهتنا مثل هذه الصعوبات في العراق، وفي أفغانستان، في أنه بمجرد أن تمكنا من الإطاحة بالدكتاتوريات جعلت القوى الإسلامية المتطرفة تقدمنا صعبا للغاية، وهذا هو أبشع تأثير لهم في جميع أنحاء العالم. وينبع التحدي الأساسي الموجود اليوم على الساحة ليس من قرارات 2003 أو أحداث 2014، وإنما يأتي هذا التحدي من التطرف الإسلامي العالمي.

إنه تحد لا يمكننا أن نتجنبه، وسوف تؤثر عواقبه بشكل كبير على أمننا. ربما أحسسنا بالضجر من الحرب، ونريد أن نتخلى عنها إلا أن الذين يخوضون تلك الحرب ضدنا لا يحسون بالملل ولا يشاركوننا ذلك الضجر. دعونا نترك العراق أو سورية جانباً وننظر إلى باكستان، فهي لديها مؤسسات قوية، وديمقراطية فاعلة، إلا أن النضال الذي تقوده - ضد الإرهاب - هو نضال وجودي بلا شك. وكانت نيجيريا قبل عقدين من الزمن كانت نموذجاً للتسامح الديني، إلا أنها اليوم تقف على جناح التطرف، حتى في المجتمعات الغربية، هناك توترات حقيقية وخطيرة.

الخبر السيئ هو أن هذه القضية لن تتلاشى بين يوم وضحاها، وهذا هو السبب في أنني أتحدث عنها اليوم. فمنذ أن تركت منصبي - كرئيس لوزراء بريطانيا - قضيت جزءاً كبيراً من وقتي في دراسة هذه القضية، وحاولت مواجهتها من خلال مؤسستي.

وينبغي على المدى القصير أن نفعل ما في وسعنا لإنقاذ الوضع في العراق وسورية. ولا يمكننا أن ننجح في ذلك في العراق من دون حكومة تمثل كل الفئات، ويبدو أن الولايات المتحدة على حق في المطالبة بالتغيير السياسي كمقابل لمشاركتها، وفي سورية يبدو أنه ليس هناك نصر حقيقي لأي جانب من جانبي الصراع، وغالبية الشعب السوري لا يريد أن يتعذب حتى النهاية. وعلى المدى الطويل، ينبغي أن يكون لدينا الخليط الصحيح من القوة الناعمة والصلبة، والتي نحارب بها هذا التطرف أينما نظم حملاته الإرهابية. يجب أن نتعامل مع الأسباب الجذرية للمشكلة والتي تتمثل في الأنظمة الرسمية وغير الرسمية التي تسعى إلى تثقيف الشباب على غرار نهج ديني وثقافي منغلق.

والخبر السار هو أن هذا التطرف لا يمثل غالبية المسلمين، كما عكست الانتخابات الأخيرة في كل من العراق وأفغانستان، حيث أنه على الرغم من التهديدات والعنف والإرهاب، خرج الناس للتصويت بالملايين. هؤلاء الناس يريدون أن يكونوا أحراراً: أحرار من الطغاة وأحرار من الإرهاب، ويجب علينا مساعدتهم، لأن من مصلحتنا أن ينجحوا.

 

توني بلير الكاتب رئيس وزراء بريطانيا 1997-2007

تويتر