أضرارها لم تقتصر على سقوط ضحايا وتدمير منازل ومنشآت

الأزمة السورية وتفاعلاتها تسببت في تفاقم أوضاع الصحة النفسية

لاجئون سوريون مشردون في الدول المجاورة لسورية. أ.ف.ب

لم تقتصر أضرار الأزمة التي بدأت في سورية قبل أكثر من ثلاثة أعوام على سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى واعتقال أعداد كبيرة وتدمير آلاف المنازل والمباني والمنشآت، بل أوجدت نازحين داخل سورية ولاجئين فروا بحياتهم إلى دول عربية مجاورة. بالإضافة إلى ذلك أسهمت تداعيات الأزمة السورية في تفاقم أوضاع الصحة النفسية لأبناء الشعب السوري وزيادة عدد المرضى النفسيين. والتقيت في يونيو الماضي في إسطنبول بناشط سوري، وعرفت منه انه هرب من دمشق إلى بيروت ومنها إلى عمّان قبل أن تستقر به الحال في تركيا، وابلغني بأنه سيطوف في تجمعات اللاجئين السوريين وأماكن وجودهم في تركيا لتنظيم إعادتهم إلى مخيماتهم على الحدود التركية مع سورية «وإن سورية والسوريين بحاجة إلى علاج نفسي مما حدث». ومنذ بدايات الأزمة في 2011 كان الأطباء النفسيون يعملون بنشاط جنباً إلى جنب مع الأطباء العاديين والمختصين في مناطق حدود كل من تركيا ولبنان والأردن مع سورية، حيث يعيش اكثر من مليونين ونصف المليون لاجئ لحل المشكلات النفسية الناجمة عن النزوح عن المنازل والتشرد والعنف اليومي لفظياً وجسدياً وموت الأقارب والأصدقاء. ويقول خبراء في الصحة النفسية إن المشاهدات والتجارب اليومية للسوريين ألحقت أضراراً نفسية بعدد كبير منهم. ويواصل كورت غويرينغ المدير التنفيذي لمركز ضحايا التعذيب في مينيسوتا، الذي يدير مكتباً له في الأردن عمله في أوساط اللاجئين السوريين في الأردن لمساعدتهم في التغلب على مشكلاتهم النفسية. وأبلغني الشهر الماضي «أن أولئك اللاجئين بحاجة حقيقية للرعاية والاهتمام في جوانب الصحة النفسية».

ويقول خبير الصحة النفسية العالمي إنكا ويسبيكر، إن الأوضاع في مناطق الحروب والنزاعات تساعد على انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية مثل القلق والتوتر والضغط النفسي بنسبة تزيد ما بين - 20% غير المناطق الأخرى أو عن الوضع في تلك المناطق نفسها قبل اندلاع الحروب والنزاعات، وأبلغتني الطبيبة النفسية في بيروت الدكتورة آية مهنّا، التي تعمل مع اللاجئين السوريين منذ عامين من خلال منظمة اليونيسيف ومنظمة «ورلد فيجن» أن معظم الأمراض والأعراض النفسية تتصل بالإحباط والاكتئاب والقلق والتوتر والضغط النفسي، التي يتسبب فيها نقص المال والازدحام في الخيم والغرف وأي شيء آخر، وفي 22 يوليو الماضي، قالت دكتورة مهنا على الموقع الإلكتروني «سورية في العمق»، الذي أتولى انا إدارة تحريره، وأن 172 ناشطاً سورياً يعملون في الإعلام تلقوا علاجاً نفسياً منذ أكتوبر 2013 منهم سبعة اقدموا على الانتحار. ويضيف غويرينغ ان التعذيب كتقييد اليدين بالأصفاد ونزع الاظافر يجرّ أعراضاً نفسية قاسية للغاية إلى حد وصفها بالوحشية، وهذه الأعراض تمهد الطريق بالتالي إلى الإصابة بالأمراض النفسية. وفي مطلع هذا الشهر التقى فريقه في الأردن مع فتاة سورية تعاني اضطرابات نفسية نتيجة مشاهداتها اليومية العنيفة، ما فقدها القدرة على النطق، وقال لي اعضاء الفريق انها واحدة من اطفال كثيرين شاهدوا آباءهم وامهاتهم وهم يتعرضون لسوء المعاملة والمهانة امام اعينهم، وسبب لهم ذلك التبول اللاإرادي والأرق ليحرمهم النوم.

من جانبها، قامت الدكتورة آني سبارو خبيرة الصحة العامة ونائبة مدير برنامج حقوق الإنسان في مستشفى جبل سيناء في نيويورك بعد رحلات إلى سورية، ومناطقها الحدودية مع الدول المجاورة للمساعدة في تقديم العلاج النفسي للمشردين واللاجئين، وقالت «إن الأوضاع النفسية للسوريين سواء داخل سورية أو على امتداد حدودها مع الدول المجاورة بائسة وصعبة، وكثير منهم يحتاج إلى الارشاد والتوجيه والعلاج، وإن ثلثي من التقيت بهم وتعاملت معهم دمرت بيوتهم وخسروا ممتلكاتهم، وإن 13% منهم فقدوا عضواً في الاسرة او اكثر، وهذا يفوق كل من تعاملت وعملت معهم قبل ذلك».

ويواجه غويرينغ وسبارو وغيرهما من خبراء الصحة النفسية في العالم تحدياً يتمثل في كيفية استعادة الصحة النفسية للشعب السوري إلى معدلاتها الطبيعية، خصوصاً النازحين والمشردين داخل سورية واللاجئين خارجها، وهذا يقتضي تدريب المزيد من كوادر الأطباء والممرضين وتشكيل مجموعات ولجان من اللاجئين والنازحين الطبيعيين والأسوياء لنشر الوعي، والتخفيف من هموم السوريين ومشكلاتهم ومحاولة إعادة الاستقرار إلى أسرهم وعائلاتهم وتجمعاتهم.

نيكولاس كريستوف - صحافي ومحلل سياسي أميركي

تويتر