آثار العدوان الإسرائيلي ستخلّف عجزاً دائماً وتشوهات في 80% من الأطفال
جراح أطفال غزة لن يضمدها اتـــفاق سلام
كان الطفل إبراهيم خطاب، الذي بترت ساقه خلال الغارات الإسرائيلية على غزة يرقد في مستشفى الشفاء، وفي يده لعبة من البلاستيك، بينما تروي والدته بأسى الحوار الذي دار بينه وبين شقيقه الأكبر قبل أن تتناثر شظايا من صاروخ إسرائيلي لتقطع ساقه، وتصيب أخيه وسيم (15عاماً)، والذي يرقد في السرير بجانبه، بجروح خطرة. وتروي والدتهما ختام (39عاماً)، اللحظات الأخيرة عندما نبهتهما يوم الجمعة قبل الماضي بأن الإفطار سيكون جاهزاً في غضون بضع دقائق. وتواصل قائلة «أراد إبراهيم الخروج للعب، أما وسيم فقال إنه يريد الانتظار ليتناول الإفطار لأنه جائع، لكن إبراهيم أقنعه بالخروج»، وتقول بحزن عميق إنه لو استمع إلى شقيقه الأكبر، وبقيا في المنزل حتى يتناولا الفطور لما حدث له ما حدث.
اضطرابات نفسية يعاني أكثر من 400 ألف شخص في قطاع غزة مما يسمى بالاضطراب النفسي ما بعد الصدمة. ويقول خبير العلاج الطبيعي لدى الامم المتحدة، إياد غيادين، إن الأطفال هم الأكثر تأثراً من هذا الاضطراب، إذ أنهم يبللون فراشهم، ويصرخون أثناء نومهم، ويظهرون سلوكاً عدائياً حيال بعضهم البعض، لأن بعضهم رأي مناظر القتل والخراب أمام عينيه. أحد مرضاه، الصبي أُبي (عاماً) لم يتحدث سوى جمل قليلة منذ وصوله للمركز قبل 10أيام من منزله على الحدود الشمالية مع اسرائيل. ويجلس الصبي في ركن قصي يرفض الاجابة على أي سؤال، ويخشى الذهاب إلى الحمام. ويقول والده غازي، «عاش الصبي ثلاثة حروب وفي كل حرب تبدو الحالة أكثر تعقيدا، وليس في يدي أي حيلة لمساعدة ابني». تدمير 10 آلاف منزل الشهر الماضي دمر الجيش الاسرائيلي أكثر من 10 آلاف منزل وأصبح نتيجة لذلك أكثر من 65 ألف فلسطيني من دون مأوى، تكدس الكثير منهم في مدارس الأمم المتحدة، حيث تجد الامراض طريقها للكثير منهم مثل الامراض الجلدية والمعوية. وتقول الامم المتحدة إن 70% من المنازل دمرها القصف الاسرائيلي أكثر مما كان عليه الحال في الحرب الماضية عام 2008. ويقول المواطن غازي «حتى ولو توقفت الحرب فإن ذلك لا يعني لنا شيئاً طالما أن منازلنا ومصدر معيشتنا قد ذهب أدراج الرياح، لا أحد يستطيع معالجة الضرر الذي أصاب أبنائي، لا يمكن لأي اتفاقية سلام تصحيح هذا الوضع». |
ويجاهد مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، للتعامل مع ما وصفه الدكتورغسان أبو ستة بالرقم «الهائل» للضحايا من الأطفال، الذين أصيب منهم نحو ألفي طفل بجروح خلال العملية الإسرائيلية المسماة «الجرف الصامد». ويقول أبو ستة إن هذه الإصابات ستترك على الأقل عاهات مستديمة، وستخلف عجز دائم وتشوهات في 80% من الأطفال الذين عاينهم. وستحتاج بعض الحالات إلى خمس عمليات جراحية قبل أن يبدأ العلاج التأهيلي. كما يحتاج الكثير من هذه الجروح لتنظيف بسبب تلوثها بالحطام ومواد البناء والرمل، وقطع الخشب. وفي الوقت نفسه يعاني المستشفى من نقص مريع في الإمدادات الأساسية وعدم وجود معدات حديثة قد تخفف بعض الاجهاد عن طاقم المستشفى الذي يتمتع بالمهارة، لكنه يعاني الضغط بشدة، وبينما تسعى المستشفى لإحالة الحالات الأكثر خطورة إلى مستشفيات في الأردن ومصر والضفة الغربية، فإنها تواجه تأخيراً طويلاً وبيروقراطية بسبب إغلاق الحدود من جانب كل من إسرائيل ومصر.
كانت حنين،(9 أعوام)، وأختها ياسمين (11 عاماً)، تساعدان أمهما في إعداد الخبر يوم الاثنين قبل الماضي في الفرن الموجود على شرفة المنزل المكون من ثلاثة طوابق في مخيم الشاطئ المزدحم، عندما تعرضتا لانفجارات - على ما يبدو من مقاتلتين F16 -، وقتل الانفجار في الحال أمهما ابتسام، واختيهما آمنة، (4 أشهر)، وأسيل، (7 سنوات). وتعرضت الأختين لجروح خطرة، وترقدان حالياً في قسم الحروق بالمستشفى، وتعاني أسيل بالإضافة إلى ذلك من كسر كبير في أعلى ذراعها. أجرى لها الدكتور أبو ستة عملية جراحية لكنه حذر من أنها ستعاني في المستقبل من إعاقة دائمة لأنها لن تستطع استخدام مرفق يدها. وبجانبها يجلس والدها المكلوم، محمد، الذي أصيب أيضا في ذلك الهجوم، ويقول «إنها إرادة الله».
في آخر يوم من رمضان، في27 يوليو بالتحديد، كان فارس،(11 عاماً)، متشوقاً للخروج مع والده وعمه من منزلهم في ضاحية الزيتون في مدينة غزة. ويقول «كنا ذاهبين لشراء أغراض لإفطار رمضان، وعيد الفطر، وكانت هذه فرصة لي لأحلق شعري»، ويواصل «سمعت دوي انفجارات ثم انطلق صاروخ من طائرة من دون طيار، لم أعد أشعر بساقي، ورأيت الكثير من الدم ينبعث مني».
ويتذكروالده جميل، (31عاماً) الموظف في السلطة الفلسطينية في رام الله، والذي أصيب أيضاً، ولكنه كان يركز كلياً على ابنه، وهو يهتف لشخص ما بأن يستدعي سيارة إسعاف، «كان يحضنني ثم دخلنا أحد المنازل». بعدها فقد والده وعيه، وجاءت سيارة الإسعاف بعد 30 دقيقة. ويقول الدكتور أبو ستة إن ساق الصبي تواجه حالياً خطرين انفصال العظام، والتهاب العظم الناجم عن «الجروح الملوثة ببقايا الحطام»، وتحتاج ساقه اليسرى، التي لا تزال حالياً في الجبس، إلى مثبت معدني خارجي لتثبيت العظام والأنسجة المحيطة بها، إلا أن مستشفى الشفاء تعاني من نقص في هذه المواد. ويقول فارس، إنه يريد أن يسافر خارج غزة ليتمكن من الحصول على علاج أفضل في مكان أفضل ليستطيع المشي من جديد على قدميه.
ظلت شهد البيومي، (9 سنوات)، في غيبوبة في وحدة العناية المركزة منذ أن أسقطت طائرة «F16» قنبلة على المنزل الذي تعيش فيه مع عائلتها وثلاثة من أقاربها في مخيم النصيرات. قتلت القنبلة 12 شخصاً، بينهم ثلاثة من أخواتها. ويقول المدير الطبي لمستشفى الشفاء، دكتور حسن خلف، إن لديها كدمة في الدماغ، وأجريت لها عملية جراحية لإصلاح ثقب في الحجاب الحاجز وتنظيف الدم وإخراج الهواء من رئتها المصابة. ويضيف «نحن لا نعرف حتى الآن مدى الضرر الذي أصاب دماغها».
عندما وصل محمد بدران، (9 سنوات)، إلى المستشفى مصابا بالعمي والتشوهات في وجهه جراء انفجار أصاب منزله في النصيرات، أعتقد الأطباء أن جميع أفراد عائلته لقوا حتفهم، ولكن في الواقع ظلت والدته تغريد، (40 عاماً)، بجانب سريره تعزيه وتساعد الممرضات على ازالة البلغم الذي سد الانابيب الموصولة بالقصبة الهوائية. وحتى تلك اللحظة لم يدر محمد أنه أصيب بالعمى، ويسأل الممرضات، «لماذا تطفئن الأنوار؟». وعلى الرغم من ان حالة محمد هي واحدة من أكثر الحالات انتشارا في مستشفى الشفاء، تجاهد والدته وعمه لنقله إلى مستشفى في أوروبا، حيث يقول الدكتور أبو ستة إن تلك المستشفيات يتوفر بها ما يحتاجه مرضى الجراحة المعقدة مثل حالته. ويضيف أن محمد «يحتاج لجراحة دقيقة لزراعة محجر عين اصطناعية». ويتحسس محمد بيده المكان حوله، وتسرع أمه لاحتضانه، وتقبيله ووضع خدها على خده.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news