إشارات تحذيرية لوقوع أعمال إبادة جماعية
أخطاء رواندا ترتكب الآن في العراق
في عام 1994 كنت في مهمة تهدف إلى وقف الإبادة الجماعية في رواندا، التي شارك فيها الأطفال والشبان، وفي ذلك الوقت، كنت أعمل في قيادة قوات الأمم المتحدة المختصة بتقديم المساعدة لرواندا، وكان خصومي وهم «انتراهاموي» (الميليشيا التي أنشأتها قبائل الهوتو) منظمين بصورة كبيرة في عملية تجنيد وتدريب الشبان، قبل بدء القتل. وشاهدت بأم عيني كيف كانوا يستغلون الأطفال، الذين كان بعضهم في الـ13 من العمر، كي يرتكبوا الفظائع، وجعلتني تجربة مواجهة جندي لطفل يحمل بندقيته أتساءل حول النسيج الأخلاقي الحقيقي للعالم.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها، لقي نحو 800 ألف شخص حتفهم خلال 100 يوم، وكان منع وقوع هذه الكارثة ممكناً، وكان ذلك التزامنا الأخلاقي. وبات الفشل ينتابني يومياً خلال الـ20 سنة الماضية.
والآن تبدو الإشارات التحذيرية لوقوع أعمال الإبادة الجماعية جلية مرة ثانية، لكن في العراق هذه المرة. وللمرة الثانية يتم استغلال الأطفال مقاتلين وسلاحاً للحرب، ومع ذلك فإن العالم لم يفعل كثيراً من أجل إيقاف الأحداث الجارية التي يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة. وشارك الأطفال في العراق في تجنيد متكرر، وعلى نطاق واسع، كما شاركوا أيضاً في التدريب العسكري، الذي تقوم به القوات العراقية منذ عام 1991. واليوم فإن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) يتفاخر بوجود الأطفال في صفوفه، ويدرب الأطفال الجهاديين جزءاً من الدعاية السياسية الخاصة به.
وينبغي الاعتراف بأن استغلال هؤلاء الأطفال من قبل هذه الجماعات المسلحة يمثل تحذيراً مبكراً على احتمال وقوع أعمال إبادة جماعية. ويقوم تنظيم «الدولة الإسلامية» بإجراء هجمات عشوائية على من يعتبرهم أعداءه، حيث يعمد إلى الهجوم على الأسواق، ويستهدف المطاعم، والمتاجر، والمقاهي، والمدارس، وأماكن الترفيه، إضافة إلى أماكن العبادة، وحتى أي مكان يمكن أن يتجمع فيه العامة بأعداد كبيرة. ويعد الاطفال أهدافاً لهذه الهجمات، كما أنه يجري استخدام هؤلاء الأطفال لكثير من الأغراض في هذا الصراع، لنقل المعلومات والتجسس، إضافة إلى حراسة نقاط التفتيش، وفي عمليات التفجير الانتحارية.
ونحن نتجاهل هذه الجرائم على مسؤوليتنا، وتنطوي الحروب وجرائم الإبادة الجماعية على آثار سيئة على الأطفال، الأمر الذي ينعكس على أبنائهم ايضاً، وعبر الاجيال المتعاقبة، ويجري تدمير المستقبل، ليس من خلال فقدان حياة الكثير من الأشخاص، وإنما نتيجة فقدان التنمية، وفقدان التعليم، والإصابات البدنية والنفسية للأفراد والمجتمعات، وعندما نفشل في التدخل، خصوصاً عند تشريب الأطفال أفكار الحرب، يجب علينا أن نكون مستعدين لمواجهة صراعات طويلة الأمد، إضافة إلى دوائر غير منتهية من العنف، التي يمكن أن يكون علاجها أكثر صعوبة بالنسبة للأجيال المقبلة. ونحن نواصل النقاش حول التكاليف الاقتصادية والسياسية للتدخلات في الصراعات، ولقد فشلنا في أن نفهم بأن مهمتنا الجماعية تكمن في منع الصراعات التي تقود إلى سناريوهات غير متوقعة من التطرف والمعاناة البشرية، بحيث تصبح قدرتنا على وقفها غير كافية.
ويشعر الشعب الاميركي بالقلق من الحروب، وكذلك أطفال العراق أيضاً، وسواء كنا في العراق او في رواندا، فإننا نتحمل مسؤولية منع المعاناة الإنسانية، ويجب أن نضع الأطفال في قمة هذه المسؤولية، والتهرب من مسؤولياتنا الآن سيدفع بالعديد من الأجيال للتعرض للقمع الشديد، الأمر الذي لن نكون قادرين على تجاهله في المستقبل .
روميو داليرا سيناتور كندي متقاعد وضابط برتبة فريق وقائد سابق لقوات الأمم المتحدة للمساعدة في رواندا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news